إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد

سيرة: بحث حول سيرة الإمام السجاد عليه السلام

القائد آية الله السيد علي الخامنئي

تحدث السيد القائد في الحلقة الماضية عن الأدوار الثلاثة الأساسية في حياة الإمام السجاد عليه السلام، وفي هذه الحلقة يقوم بشرح الدور الأول وهو تعريف الناس على حقيقة الإمامة.

* لفظة "إمام" تعني المتقدم والقائد
فالإمام الصادق عليه السلام عندما كان يلفت الناس في منى أو عرفات بقوله: "يا أيها الناس إن رسول الله هو الإمام"، كان يشير إلى أن الإمام هو ذلك الإنسان الذي يتولى أمور الناس الدينية والدنيوية.
في المجتمع الإسلامي أيام حكم عبد الملك بن مروان وفي عصر الإمام السجاد عليه السلام كان هذا المعنى يفهم بشكل خاطئ. لأن إمامة المجتمع، وهي إدارة شؤون حياة الناس، قد أخذت من أهلها وأعطيت إلى من لا أهلية لهم بها حيث كانوا يسمون أنفسهم بالأئمة ويعرفهم الناس بذلك. فالناس كانوا يطلقون لقب الإمام على عبد الملك ومن قبله أبوه وقبلهما يزيد وغيره، وقد قبلوهم على أساس أنهم قادة المجتمع وحكام الناس.

وهكذا عندما كان الإمام السجاد عليه السلام يقول: إنك ستسأل عن إمامك في القبر، كان يشير إلى أنك هل انتخبت الإمام المناسب والصحيح؟ وهل أن ذلك الشخص الذي كان يحكمك، ويقود المجتمع الذي تعيش فيه هو حقاً إمام؟ وهل هو ممن رضي الله عنه؟ لقد كان الإمام بهذا الكلام يوقظ الناس ليجعل هذه القضية في نفوسهم حساسة.

بهذه الطريقة كان الإمام يحيـي قضية الإمامة التي لم يكن الجهاز الأموي الحاكم يرضى أبداً بالتطرق إليها في المواعظ وفي الخطابات العامة. (كانت هذه من إحدى الوسائل الهادئة التي استخدمها الإمام في هذا المجال، وسوف نشير لاحقاً إلى أساليب أكثر حدّية).

بناءً على هذا ففي البيان العام الموجه إلى عامة الناس (الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة) نجد أن الإمام وبلغة الموعظة كان يحيـي المعارف الإسلامية، وخاصة تلك المعارف الحساسة في ذهن الناس ويسعى لأجل أن يتعرف الناس عليها ويتذكروها. ويمكن الالتفات في هذا النوع من الخطاب إلى نقطتين اثنتين:

* الأولى: إن هذا النوع من البيان للإمام لم يكن تعليماً، بل من نوع التذكير. أي إن الإمام لم يكن يجلس ليبين للناس دقائق التوحيد، أو يفسر لهم مسألة النبوة. وإنما يذكرهم بها. لماذا؟ لأن المجتمع الذي كان يعيش فيه الإمام لم تكن تفصله عن مرحلة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مسافة زمنية كبيرة حتى ينحرف كلياً عن العقائد الإسلامية. بل كان هناك الكثير من الأشخاص الذين عايشوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومرت عليهم مرحلة الخلفاء الراشدين وقد عاصروا أئمتنا العظام من أمير المؤمنين عليه السلام إلى الإمام الحسن عليه السلام إلى الإمام الحسين عليه السلام. ومن الناحية الاجتماعية لم يكن الوضع قد وصل إلى مرحلة يعاني فيها المجتمع الإسلامي من الانحراف العقائدي والأصولي بالنسبة لمسألة التوحيد والنبوة والمعاد والقرآن.

نعم، كانت هذه المسائل تدريجياً تخرج من ذاكرتهم، وكانت الحياة المادية تحيط بهم إلى درجة نسيان الفكر الإسلامي وفكر الاعتقاد بالإسلام.
فلقد كانت الحوادث الدنيوية والمادية في المجتمع تجري بحيث لا تبقي في أذهان الناس أي توجه للمسابقة في مضمار المعنويات والخيرات. وفي حال حصول هذا الأمر فإنه لم يكن يتعدى القشور والسطوح.
أما بالنسبة للمفهوم الذي كان الناس يحملونه في زمن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والعصر المتصل به عن التوحيد والحساسية المتميزة تجاهه فلم يكن الناس في عصر الإمام يحملونه. هنا كان الأمر يحتاج إلى التذكير حتى يرجع الأمر إلى سابق عهده، لا أن هناك أشياء محرفة ينبغي أن تصحح.

وهذا بخلاف المراحل اللاحقة، كمرحلة الإمام الصادق عليه السلام، لأن المسألة حينها لم تكن بهذ الشكل. فقد ظهر في ذلك الوقت الكثير من المتكلمين والمتفلسفين والمفكرين، وتحت عناوين متعددة كانوا يجلسون في المساجد الكبرى، مثل مسجد الشام ويدرِّسون العقائد المنحرفة والباطلة. لقد برز حينها أناس مثل "ابن أبي العوجاء" يدرسون عقائد الزنادقة والإلحاد. لهذا، إذا تأملتم أحاديث وكلمات الإمام الصادق عليه السلام تجدون بيان التوحيد والنبوة وأمثالها بصورة استدلالية.
فالحاجة إلى الاستدلال ضرورية لمواجهة استدلال الخصم. وهذا ما لا نجده في بيانات الإمام السجاد عليه السلام التي كانت تعتمد على هذا الوجدان حتى لا تنسى القضايا الأساسية.

باختصار لم يكن عصر الإمام السجاد عليه السلام يحكي عن خروج عن الفكر الإسلامي حتى عند الحكام. نعم قد يظهر لي أن هناك مورداً حدث فيه مثل هذا الأمر وذلك عندما ألقى قام الإمام السجاد عليه السلام بتعريف الناس على حقيقة الإمامة من خلال أسلوب الوعظ والإرشاد يزيد اللعين تلك الأبيات الشعرية في حالة السكر عندما أحضر أسر أهل البيت عليهم السلام فقال:

 لعبت هاشم بالملك فلا  خبر جاء ولا وحيٌ نزل

ولكن إذا شئنا أن نقول، فإن هذا الكلام كان تحت تأثير السكر. وإلا حتى أمثال عبد الملك أو الحجاج لم يكونوا يجرؤون على إعلان مخالفتهم لفكرة التوحيد أو النبوة. لقد كان عبد الملك بن مروان يقرأ القرآن إلى درجة أنه عرف كأحد قرّاء القرآن. غاية الأمر أنه عندما وصل إليه خبر تنصيبه خليفة قبّل القرآن وقال: "هذا فراق بيني وبينك" إن هذا ما حدث فعلاً. والحجاج بن يوسف الذي سمعتم عن ظلمه (وباليقين إن الذي سمعتموه هو أقل بكثير مما فعله) كان عندما يخطب في الناس يأمرهم بالتقوى. وهكذا نفهم أن ما كان في حياة الإمام السجاد عليه السلام هو التذكير بالأفكار الإسلامية لإخراج الناس من مستنقع الدنيا والدوافع المادية إلى ساحة معرفة الله والدين والقرآن.

* النقطة الثانية: وهي ما أشرنا إليه سابقاً من أن الإمام من خلال بيانه العام الذي اتخذ أسلوب الموعظة كان يأتي على ذكر مسألة الإمامة. كما كان يحدث في النظام الشاهنشاهي البائد عندما كان لبعض يتحدث إليكم ويذكّركم قائلاً: أيها الناس فكروا بالله، وبالتوحيد والنبوة وبقضية الحكومة... فانظروا هنا كيف يمكن أن نفهم مسألة الإمامة وكيف كانت هذه الكلمة في النظام السابق كلمة خطرة. فحينها لم يكن الإتيان على ذكر الحكومة بالأمر السهل، أما إذا جاء ذلك بلغة الوعظ وعلى لسان رجل زاهد وعابد فإنه يمكن أن يقبل. وبتعبير آخر لن يثير الحساسيات.

هذا نوع من بيانات الإمام السجاد عليه السلام أما النوع الثاني فهو ذلك الخطاب الموجه إلى مجموعة خاصة وليس مشخصاً فيها لمن. ولكن مشخص بشكل كامل أنه إلى مجموعة من الذين يخالفون النظام الحاكم. فمن يمكن أن يكون هؤلاء؟
                                                                                                                                                                                                                                                         (يتبع)
الخلاصة:
1- معنى الإمام هو غير المعنى الذي كان سائداً في أذهان الناس.
2- الإمام هو الذي يتقدم الناس ويقودهم إلى ساحة رضا الله تعالى.
3- عمل الإمام السجاد عليه السلام على تعريف الناس على هذه الحقيقة.
4- وقد استخدم أسلوب الوعظ والإرشاد لهذا المطلب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع