ولأيّ الأمور وتدفن ليلاً
بضعة المصطفى ويُعفى ثراها
بنت من؟ أم من؟ حليلة من؟
ويل لمن سنّ ظلمها وأذاها
* فاطمة الزهراء عليها السلام
هي سيدة نساء العالمين وبنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولدت السيدة فاطمة عليها السلام في مكة المكرّمة في العشرين من شهر جمادى الآخرة، وقد اختلف المؤرخون في سنة ولادتها والأرجح كونها بعد البعثة بسنتين أي بعد الإسراء والمعراج.
عايشت السيدة الزهراء عليها السلام مصاعب الرسالة منذ نشأتها الأولى فكان عمرها عند بداية حصار شعاب مكّة خمس سنوات، وعند وفاة أمّها خديجة ثماني سنوات وعند الهجرة إلى يثرب "المدينة المنورة" كان لها من العمر إحدى عشرة سنة.
تزوجت السيدة فاطمة عليها السلام من ابن عمها علي ابن أبي طالب عليه الصلاة و السلام في نفس عام الهجرة وقد أنجبت منه ثلاثة ذكور الحسن والحسين عليهما لسلام ومحسن الذي أسقط جنيناً وبنتاً واحدة هي السيدة زينب عليها السلام.
عاشت السيدة الزهراء عليها السلام عشر سنوات في يثرب وتوفيت بعد أبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بستين يوماً، أو ستة أشهر، وكانت وفاتها في الثالث من شهر جمادى الآخرة في السنة الحادية عشرة للهجرة وكان لها من العمر على أكثر التقادير أحد وعشرين عاماً وقد دفنت في تربة البقيع في "المدينة المنورة".
مقام الزهراء عليها السلام: أنّها أمّ الأئمة الأطهار وأصل الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهي سيدة النساء من الأولين والآخرين، وهي بالإضافة إلى ذلك صاحبة مقامات اختصها الله بها نذكر منها:
* مقام الكوثر:
كما نعلم أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنجب في حياته عدّة أولاد ذكوراً وبنتاً واحدة هي فاطمة الزهراء عليها السلام حيث اعتبر مؤرخونا أنّ البنات الأخريات من بنات خديجة من غير الرسول صلى الله عليه و آله و سلم، وكما نعلم أيضاً أنّ أولاد الرسول الذكور توفوا جميعهم في حياته، ولم يبقَ من أولاده إلى ما بعد مماته سوى فاطمة عليها السلام، وكان هذا الأمر مدعاة لتوجيه الإهانة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قِبل قريش بأنّه مبتور الذكر بعد موته باعتبار أنّ الذي يحفظ اسم الأب بعد موته هو ولده الذكر وأولاد أولاده الذكور، وقد ردّ الله سبحانه على هذه الإهانة بأن وهب له ابنته فاطمة التي من نسلها كان الأئمة الأطهار عليهم السلام الذين حملوا اسم الرسول وبهم استمرّ ذكره وذكر رسالته، وكانت فاطمة هي الكوثر الذي فاض منه الأطهار الكثيرون الذين حفظوا ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرسالة ولذلك نزلت سورة الكوثر: ﴿إنّا أعطيناك الكوثر فصلّ لربّك وانحر إنّ شانئك هو الأبتر﴾.
فالكوثر صفة مبالغة من الكثير، ويعني النسل الكثير من الأئمة والسادة الذين كانوا من نسل الزهراء عليها السلام.
والكوثر أيضاً هو نهر في الجنة يجري تحت عرش الله تعالى ماؤه أشدّ بياضاً من اللبن وأحلى من العسل. أعطاه الله للنبي إكراماً له. كما كانت فاطمة كرامة أيضاً.
* جهاد الزهراء عليها السلام:
لقد بدأت فاطمة عليها الصلاة و السلام حياتها بالجهاد والصبر والمعاناة وانتهت بالدموع والآهات والأحزان. فقد بدأت مسيرتها بالحصار الذي قضته مع أبيها وأهلها من بني هاشم في شعب أبي طالب في مكّة، وقد ذاقت فيه فاطمة كلّ أنواع المرارات. وبعد الحصار كان عام الحزن، ففي هذا العام افتقدت فاطمة حنان الأمومة بوفاة والدتها خديجة رضوان الله عليها فصارت فاطمة عليها السلام يتيمة الأم، وفي هذا العام أيضاً حاول المشركون قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت أيضاً الهجرة عن الوطن إلى يثرب "المدينة المنورة" ولم يكن عمر فاطمة عليها السلام آنذاك أكثر من إحدى عشرة سنة.
في العام الأول للهجرة كانت بداية حياة جديدة لفاطمة عليها السلام حيث تزوجت من الإمام علي عليه الصلاة و السلام وأصبح أمامها مجموعة من الأعباء والمسؤوليات التي توزعت بين أمور عديدة: أولاً: الرعاية لأبيها والعطف والحنو عليه، وهو حامل المسؤولية الكبرى، والفاقد لأسباب العطف منذ صغره، فقد نشأ يتيم الأبوين فعوضته فاطمة عليها السلام ذاك الحنان، لذلك كان يقول صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة أم أبيها.
ثانياً: مشاطرة أمير المؤمنين عليه السلام المسؤولية والتكليف، فهو الجندي والداعية، وعليه أعباء جسام خفّفتها عنه السيدة فاطمة عليها السلام بحسن العشرة وإزالة الهموم وتقاسم المسؤوليات والقناعة بحياة بسيطة.
حتّى قال عنها عليها السلام: لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنّي الهموم والأحزان.
ثالثاً: القيام بواجباتها كربة منزل مثل أيّ امرأة صاحبة منزل تدير شؤونه تكنس وتطبخ وتقوم بكلّ أعمالها مع كلّ الهموم والمشاغل الأخرى.
رابعاً: تربية أولادها بالطريقة التي تفرضها أدوارهم المستقبلية كونهم أئمة أطهار. وسادة وقادة.
خامساً: التبليغ والعمل الرسالي والدعوة إلى الله في الوسط النسائي.
وبذلك تكون السيدة الزهراء عليها السلام قدوة للنساء والرجال كما أنّ علي عليها الصلاة و السلام قدوة للرجال والنساء وهكذا فإنّ كلّ امرأة يمكن أن تكون قدوة للرجال بحسبها.
* بعد وفاة أبيها:
لم يكن شيء أصعب على قلب الزهراء من غصب الخلافة التي تعتبرها حقاً إلهياً مفترضاً، لذا كانت شغلها الشاغل تطالب بها، وتسعى إلى تبيان نفاق الغاصبين من خلال مطالبتها بحقوقها الأخرى كذلك لتبين أنّ غاصبي فدك هم أنفسهم غاصبو الخلافة.
وهكذا توزعت مظلوميتها على الأمور التالية:
1- غصب الخلافة من الأمير عليه السلام وعدم إطاعة النبي صلى الله عليه و آله و سلم في قوله ووصيته.
2- غصب فدك وهي أرض بين مكة والمدينة وهبها النبي صلى الله عليه و آله و سلم لابنته فاطمة عليها السلام في حياته.
3- منعها من البكاء على أبيها حتّى اضطر الأمير عليه الصلاة و السلام أن يبني لها بيت الأحزان بعيداً عن بيوت أهل المدينة.
4- عصرها بالباب وكسر ضلعها وأسقط جنينها، كلّ ذلك أدّى بها إلى المرض والسقم، وقبل وفاتها أوصت السيدة الزهراء عليها السلام زوجها الأمير أن يتولّى تجهيزها وأن يدفنها سراً كي لا يحضر جنازتها أحد من الذين ظلموها فحضور جنازتها يعني رفع شأن القوم الحاضرين. وهكذا توفيت الزهراء عليها الصلاة و السلام حانقة غاصبة حزينة لما حدث معها وما سيحدث لأبنائها، وقد دفنت ليلاً وشارك في تشييعها بالإضافة إلى الإمام علي عليه الصلاة و السلام والحسن والحسين عليهما السلام وزينب، عمار وسلمان وأبو ذر، وكان هذا التشييع والدفن اختصاراً لكلّ مظلومياتها.
* عن عبد الله بن الحسن عن آبائه عليهم السلام قال:
لما بلغ فاطمة عليها السلام إجماع أبي بكر على منعها فدكاً لاثت خمارها وأقبلت في لمة من حفدتها ونساء قومها تجرّ أدراعها تطأ ذيولها ما تخرم مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى دخلت على أبي بكر وقد حشد المهاجرين والأنصار، وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست.
ثمّ أنّت أنّة!
أجهش لها القوم بالبكاء، فارتجّ المجلس، ثم أمهلت هنيئة، حتّى إذ سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلما أمسكوا عادت في كلامها، وقالت:
أنا فاطمة بنت محمد، أقول عوداً على بدء، وما أقول ذلك سرفاً ولا شططاً. فاسمعوا إليّ بأسماع واعية وقلوب راعية ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف حريم﴾ فإن تعزروه تجدوه أبي دون نسائكم وأخا ابن عمي دون رجالكم..
ثمّ أنتم تزعمون أن لا إرث لي، أفعلى عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم، يقول الله جلّ ثناؤه ﴿وورث سليمان داود﴾ مع ما اقتص من خبر يحيى وزكريا إذ قال: ﴿رب هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا﴾ وقال تبارك وتعالى ﴿يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ فزعمته أن لا حظّ لي ولا إرث لي من أبي، أفحكم الله بآية اخرج أبي منها أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثان، أم أنتم أعلم بخصوص القرآن وعمومه من أبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿أفحكم الجاهلية تبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون﴾.
أيّها المسلمون أأُغلب على إرثي؟ يا ابن أبي قحافة أفي كتاب الله أن ترث أباك ولا أرث أبي لقد جئتم شيئاً فرياً. فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك.
فنعم الحكم الله والزعيم محمد. والموعد القيامة وعند الساعة يخسر المبطلون ولكلّ نبأ مستقر وسوف تعلمون...
فما رؤي أكثر باكٍ وباكية من ذلك اليوم.