نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

التدبر بين التأويل والتفسير



يتعرض علماء التفسير عادة إلى مبحث هام في التأويل والتفسير، والفرق بينهما، إذ يعتبر بعرف أهل هذا الفن أحد مباحث علوم القرآن الكريم.
وإذا وقفنا على التأويل في القرآن فإنّا لن نجده يمتدح المؤولين بل على العكس من ذلك، مستأثراً به سبحانه في علم الغيب عنده حيث لا يطلع على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى.
بينما تحدث طويلاً عن التفكر وحضّ عليه بـ
"لعلّهم يتفكرون" تعظيماً للتفكّر وتحدث عن التدبّر وحضّ عليه أيضاً بـ"أفلا يتدبرون"
أمّا التفسير فقد أصبح له معنىً اصطلاحياً أخرجه من معناه الأول حتّى بدا للبعض كالتأويل لا فرق.
 

لذلك رأينا من المناسب تناول هذا الموضوع بصورة موجزة كمقدمة في هذا العدد آملين التعرض له بصورة مفصّلة في العدد القادم.
التدبر: هو النظر في أدبار الأمور، وفي أغراض الآيات وعواقبها، عن طريق توجه القلب الخاشع الخاضع بقصد شفائه من الأمراض، وإنارته من الظلام.
التفسير: من السفر وهو إظهار المعنى المعقول، والأصحّ ما ورد في مجمع البحرين أنّه: كشف معنى اللفظ وإظهاره.

يقال أسفرت المرأة عن وجهها إذا كشفته، وأسفر الصبح إذا ظهر.
 

وإذا التفتنا إلى أنّ للإنسان وجهاً وقلباً أمكننا أن نلتفت إلى أنّ لآيات القرآن الكريم وجهاً وقلباً أيضاً. وتستطلع وجه الإنسان بمجرّد التوجّه إليه، وإذا كان مستوراً فإنّه يكفي رفع هذا الستار، أو الخمار مثلاًـ أمّا قلبه فإنّه يحتاج إلى تفكر وتوجه قلبي إضافة إلى رؤية الوجه.
كذلك الأمر بالنسبة للقرآن، فإذا كنّا نريد أن نقف أمام الآية وجهاً لوجه بحيث نعرف المعنى الذي يتوجه له اللفظ سمي ذلك تفسيراً، وإذا أردنا أن نقف أمام الآية قلباً لقلب بحيث نعرف الأغراض والمقاصد التي تبدو ملامحها في وجه الآية ومعناها الظاهري سمي ذلك تدبراً.
 

التأويل، على وزن ترجيع أيّ الإعادة إلى الأول. والتأويل هو نظر آخر للقرآن الكريم، ولنبين ما هو المقصود.
من الواضح أنّ للقرآن مرتبتان مرتبة توحيدية باعتبار أنّ القرآن محكم، ومرتبة تجزيئية باعتباره مفصل، قال تعالى: ﴿كتاب أحكمت آياته ثمّ فصلت من لدن حكيم خبير هود/1.
بمعنى آخر أنّنا عندما ننظر إلى القرآن نظرة تأملية فإنّنا سنجد جانبين، جانب تفصيلي نرى من خلاله القرآن مجزوءاً متنوعاً مختلف الألوان حتّى لا نكاد نجد بين آياته أي نظم ترتيبي، وجانب آخر نرى من خلاله القرآن ذات ترابط كامل وإحكام شديد ناشئ من التوحيد ومجذوب بصورة أكيدة إلى التوحيد ثانية، تماماً كما لو أعددت أحجية مؤلفة من آلاف الكلمات المنثورة على أن تشكل من الحروف التي في بداية كلّ كلمة اسماً من أسماء الله الحسنى، ثمّ تؤلف مثلاً من الحروف الأولى من أسماء الله الحسنى اسم الجلالة.

في القرآن الكريم وزعت الآيات بدقّة متناهية لتوصل إلى التوحيد العقلي والأفعالي، وهذه الرؤية التوحيدية في إرجاع المفصل إلى الحكم هي التأويل، باعتبار أنّ لكلّ آيات القرآن تأويلاً، فالتأويل هو حقيقة التوحيد المفرقة للتيسير رحمة بنا منعاً من لتحميل فوق الطاقة، ولنقرأه على مهل وتدريج قال تعالى: ﴿وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً الإسراء /106.
وهذا التأويل أمره نسبي فمرة يكون بإرجاع آية إلى آية ومرّة يكون بإرجاع عدّة آيات إلى آية، ومرّة يكون بإرجاع موضوعات قرآنية إلى موضوع، أو مفاهيم لمفهوم، ومرّة أخرى يكون بإرجاع آيات القرآن كلّها لأمر واحد، وإنّ هذا الأمر الذي له الجامعية هو التوحيد.

ويشهد على ذلك كلام للإمام الخميني في كتاب الآداب المعنوية للصلاة، وممّا جاء في بعض كلامه عليه الرحمة:
"إعلم أنّ السورة المباركة "الحمد" كما أنّها مشتملة على جميع مراتب الوجود كذلك هي مشتملة على جميع مراتب السلوك، ومشتملة بطريق الإشارة على جميع مقاصد القرآن... حيث أنّ جميع مقاصد الكتاب الإلهي ترجع إلى مقصد واحد هو حقيقة التوحيد التي هي غاية النبوات ونهاية مقاصد الأنبياء العظام عليهم السلام".
فحقائق التوحيد وسرائره منضوية في الآية المباركة ﴿بسم الله الرحمن الرحيم. فهذه الآية الشريفة أعظم الآيات الإلهية ومشتملة على جميع مقاصد الكتاب الإلهي.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "لكلّ شيء أساس وأساس القرآن الفاتحة وأساس الفاتحة بسم الله الرحمن الرحيم".
ورد عن أبي كعب قال: "قرأت على رسول الله فاتحة الكتاب فقال: والذي نفسي بيده ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور، ولا في القرآن مثلها هي أم الكتاب وهي السبع المثاني وهي مقسومة بين الله وعبده ولعبده ما سأل".

* والخلاصة
فالتدبر ليس هو التفسير وإنّما هو التوجّه بالمعاني الظاهرة والمفسرة من آيات القرآن إلى ما هو محجوب خلق هذه المعاني وهو قلبها، وهذا القلب ليس سوى مقاصد الآيات الكريمة وأغراضها من معرفة النفس ومعرفة الله سبحانه، إذ أنّ المعاني الظاهرية رموز وعلامات وإشارات لهذه الأغراض، فالتدبّر بهذا المعنى هو لكلّ الناس، فقد يدرك المتدبر قبساً منها وقد يدرك الحقيقة الكاملة خلفه بمرتبة من المراتب.
التفسير أصبح واضحاً بأنّ كشف حجاب الألفاظ عن وجه المعاني وظاهرها، مع الالتفات بأنّ هناك آيات ظاهرة وسافرة لا تحتاج إلى تفسير.
أمّا التأويل: فهو معرفة حقائق الآيات التي قد نصل إليها بفضل التدبر.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع