﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾
هذه آية الله تدعو الإنسان إلى مقام الذكر الشامخ ليكون مذكوراً عند الله بذكره لله تعالى، فما هي العبرة المستوحاة من روح الآية؟
إننا إذا تأملنا في سائر العبادات الإلهية، وفكرنا في روح الطاعات الشرعية لأدركنا إنها جميعاً تروم هذا المرام، وهو إيصال الإنسان إلى مقام الذكر.
فالإنسان العابد هو الإنسان الذاكر. بدءاً من التوجه بالنية الخاصة التي هي شرط قبول الأعمال، وانتهاءً بحفظ العمل وإيداعه بيد الله ومروراً باستحضار حقيقة العمل وإنه تكليف من رب العزة سبحانه. وعندما يقول الله تعالى: ﴿وما خلقت الجن والأنس إلاّ ليعبدون﴾ فإنه يريد بذلك أن يصل الإنسان من خلال العبادة والطاعة إلى حيث لا يكون في فكره وقلبه إلا الله تعالى وهذا هو الذكر. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من أَطاع الله فقد ذكر الله، وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله، وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن".
فالعبادة هي حقيقة الذكر، والذكر هو استحضار معنى الألوهية في النفس، ومعايشة حقيقة الفقر إلى الله في النفس، وهذه هي العبودية.
ولأن الذاكر لله يكون متوجهاً إلى الله، فإن ثمرة الذكر المعرفة بالله. وإذا اشتد الذكر (وليس بالضرورة كثر) فإن المعرفة تزداد قوة لتصل إلى اليقين وإذا وصلت إلى اليقين، علم الذاكر أن الله أقرب إليه من حبل الرويد، وإنه سبحانه نور السموات والأرض ولا يعزب عنه مثقال ذرة فيهما، وعندها يصل إلى مقام يصبح فيه مذكوراً بعد أن كلان ذاكراً، ولأن ذكر الله لعبده يكون بإفاضة الكمال عليه فإن الذاكر يصل إلى أوج الكمال بذكره. وهذا ما نشاهده في المناجاة الشعبانية العظيمة، فإن الداعي يبتدئ بالسؤال من الله تعالى أن يجعله ذاكراً:
"إلهي واسمع دعائي إذا دعوتك واسمع ندائي إذا ناديتك" ولكنه ما يلبث أن يختتم الدعاء بعد معاينة الألطاف الإلهية بقبوله داعياً ومناجياً فيقول:
"إلهي واجعلني ممن ناديته فأجابك ولاحظته فصعق لجلالتك... وناجيته سراً فعمل لك جهراً".
فالذاكر لله في عبادته يتدرج في مراتب المعرفة باستحضار مولاه في حياته، فيصبح ولياً لله والله وليه ويصل إلى مقام المذكور. قال الله تعالى: ﴿فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون﴾.