مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: أين مُحيي معالم الدين؟

الشيخ نعيم قاسم

أَيْنَ المُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ؟ أَيْنَ المُنَتَظَرُ لإقامَةِ الأَمْتِ وَالعِوَجِ؟ أَيْنَ المُرْتَجى لإزالَةِ الجَوْرِ وَالعُدْوانِ؟ أَيْنَ المُدَّخَرُ لِتَجْدِيدِ الفَرائِضِ وَالسُّنَنِ؟ أَيْنَ المُتَخَيَّرُ لإعادَةِ المِلَّةِ وَالشَّرِيعَةِ؟ أَيْنَ المُؤَمَّلُ لإحْياءِ الكِتابِ وَحُدُودِهِ؟ أَيْنَ مُحْيِي مَعالِمِ الدِّينِ وَأَهْلِهِ(1)؟

تُبيِّنُ فقرةُ دعاءِ الندبة أعلاه صفاتٍ عدة للإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وذلك بحسب الهدف الذي سيحقِّقه، وهي تظهرُ مع أهدافها في إطار السؤال بشوق، تعبيراً عن الانتظار واللّهفة إلى الظهور.

1- أَيْنَ المُعَدُّ لِقَطْعِ دابِرِ الظَّلَمَةِ؟
أعدَّ الله تعالى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف لمهمّة إقامة العدل ورفع الظلم في آخر الزمان، فهو المُعَدُّ من الله تعالى لصالح البشرية، والذي يتمكن من مواجهة الظالمين، مهما بلغت قوّتهم وقدرتهم، فعن سلمان الفارسي (رض) قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الأئمةُ من بعدي بعددِ نقباء بني إسرائيل، وكانوا اثني عشر. ثم وضع يده على صلب الحسين عليه السلام وقال: تسعةٌ من صلبه، والتاسعُ مهديُّهم، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظُلماً، فالويلُ لمبغضيهم"(2).

إنَّها سُنَّةُ الله تعالى على الأرض، بإهلاك الظالمين، قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (إبراهيم: 13). وسيكون هذا الأمر على يد قائم آل محمد عجل الله تعالى فرجه الشريف، على مستوى المعمورة كافة، فهو الذخيرةُ الباقية إلى ذلك اليوم العظيم، وهو المُعَدُّ لمواجهة الظالمين وإسقاط جبروتهم.

2- أَيْنَ المُنَتَظَرُ لإِقامَةِ الأَمْتِ وَالعِوَجِ؟
أخبَرَنَا الله تعالى بنسف الجبال حين تقوم الساعة، فـ ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً (طه: 107)، أي لا ترى فيها منخفضاً كالأودية ولا مرتفعاً كالتلال، فهي مستوية كالصفحة. ونحن ننادي من خلال دعاء الندبة إمامنا المُنَتَظَرَ عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي ننتظر ظهوره وفرجه، حيث الانتظارُ أفضلُ العبادة، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضلُ العبادة انتظارُ الفَرَج"(3). فالإمام هو المُنَتَظَرُ عندنا ليظهرَ فيقيم الدين مستقيماً، خالياً من أي زيادةٍ فيه أو نقصان، ومن دون أَمْتٍ وبِدعٍ زائدة أو عِوَجٍ يُعبِّرُ عن النقص. وإنَّما تتحقَّقُ إقامة الدين، وإقامة سلطان الحق وإعمار البلاد، بظهور الحجة، الذي يواجه الظلمة، ويعالج النقص في حاجات البشرية.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "القائمُ منَّا منصورٌ بالرُّعب، مؤيدٌ بالنَّصر، تُطوى له الأرضُ، وتظهَرُ له الكنوز، يبلغُ سُلطانه المشرق والمغرب، ويُظهِرُ الله عزَّ وجلَّ به دينَه على الدِّين كلِّه ولو كرِه المشركون، فلا يبقى في الأرض خرابٌ إلا قد عُمِّر"(4).

3- أَيْنَ المُرْتَجى لإِزالَةِ الجَوْرِ وَالعُدْوانِ؟
المُرْتَجى من الرجاء والأمل، فهو المأمول لإزالة الجَور والظلم، وإزالة العدوان والتسلُّط، فمع استنفاد كل الوسائل التي تُغيِّر الواقع الذي نعيشه، وعدم قدرتنا على إسقاط الجَور والعدوان، يبقى الأمل قائماً بالمُرْتَجى الذي يُبدِّد اليأس، ويُسقط الفساد، ويُحقِّق النصر، ويُقيم العدل. فعن حذيفة بن اليمان، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا حذيفة، لا يزالُ ذلك البلاء على أهل ذلك الزمان، حتى إذا أيِسُوا وقنطوا وأساؤوا الظن أن لا يفرِّج عنهم، إذ بعث الله رجلاً من أطائب عترتي وأبرار ذريتي، عدلاً مباركاً زكياً، لا يُغادر مثقال ذرة، يعزُّ الله به الدينَ والقرآن والإسلام وأهلَه، ويذلُّ به الشركَ وأهلَه، يكون من الله على حذر، لا يغترّ بقرابته، لا يضعُ حجراً على حجر، ولا يقرع أحداً في ولايته بسوطٍ إلَّا في حَد، يمحو الله به البدع كلها، ويُميتُ به الفتن كلها، يفتحُ الله به كل باب حق، ويُغلق به كل باب باطل، يردُّ الله به سبي المسلمين حيث كانو"(5).

4- أَيْنَ المُدَّخَرُ لِتَجْدِيدِ الفَرائِضِ وَالسُّنَنِ؟
ابتعد زماننا عن عصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام، أي عن عصر النص وتفسيره اليقيني، ودَخَلَ التفسير والتأويل مداخل شتّى أبعَدَته عن المعاني الحقيقية التي أرادها الله تعالى من الفرائض والسنن. ولكنَّ رحمة الله تعالى قد ادَّخرَتْ لنا وأبقت بقية الله في الأرضين، ليعرّفنا إلى الفرائض والسنن بحقائقها.

عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا قام القائم، دعا الناس إلى الإسلام جديداً، وهداهُم إلى أمرٍ قد دُثر، فَضَلَّ عنه الجمهور، وإنَّما سُمي القائم مهدياً، لأنَّه يهدي إلى أمرٍ قد ضلّوا عنه، وسُمي بالقائم لقيامه بالحق"(6).

فالمُدَّخَرُ هو الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي أبقاه الله تعالى إلى آخر الزمان، ليجدد الفرائض والسنن، ويرفع عنها الإضافات والبدع، ويعطي التفسير الصحيح لما أراده الله تعالى من أحكام دينه، فيعيدنا بذلك إلى منبع الوحي وأحكامه.

5- أَيْنَ المُتَخَيَّرُ لاِعادَةِ المِلَّةِ وَالشَّرِيعَةِ؟
المُتَخَيَّرُ هو المختار لخيره وأفضليته على ما عداه، ولا يوجد أكثر خيراً وفضلاً من حجة الله المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، الكامل في صفاته، والمسدَّد في جهاده، والمكلَّف بإزالة الجَور والعدوان بظهوره وحركته لإقامة العدل. وهذا ما يتطلب منه هدم أركان الباطل والجاهلية كما هدمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبناء قواعد الإسلام الحقَّة كما بناها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهو قادرٌ على هذه المهمة العظيمة، حيث لا يقف في طريقه عائق، وهو المنصور بإذن الله تعالى على أعدائه، الذي يُعيدُ المِلَّةَ وَالشَّرِيعَةَ إلى أصولها ونقائها في حياة الناس.

قال الإمام الصادق عليه السلام عن سيرة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "يصنعُ كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يهدمُ ما كان قبله، كما هدمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الجاهلية، ويستأنفُ الإسلام جديد"(7).

6- أَيْنَ المُؤَمَّلُ لإِحْياءِ الكِتابِ وَحُدُودِهِ؟
يتميَّز أتباع أهل البيت عليهم السلام بالأمل الكبير المعقود على ظهور الحجة (أرواحنا لتراب مقدمه الفداء)، فهو المُؤَمَّلُ لتحقيق أهداف الرسالات السماويّة، التي تتجسَّد بخاتمة الرسالة وهي الإسلام، الذي ينطلق من كتاب الله تعالى وهو القرآن الكريم حيث الأوامر والنواهي، والحدود والتوجيهات، وقد تلقَّاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحياً، ثم فصَّل وفسَّر وبيَّن، ومن بعده الأئمة الأطهار عليهم السلام، فأصبحنا أمام رصيدٍ عظيم يُبيِّن أحكام الله تعالى لسعادة الإنسان.

لقد تعرَّفنا إلى سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الدين في شبه الجزيرة العربية، وما قام به من نشره في حياة مجتمعاتٍ بشريّة عدّة، وكيف عاش المسلمون في ظلّ الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنوَّرة، وهي تجربة رائدة يتشوَّقُ إليها المؤمنون. الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف هو المُؤَمَّلُ لإحياءِ كتاب الله تعالى بتعاليمه وأوامره ونواهيه، وإحياءِ حدوده التي تفصل بين الحق والباطل، وتؤدي إلى الاستقامة في التطبيق العملي في حياة الناس، وإعادة تلك التجربة العظيمة إلى حياة الأمة.

7- أَيْنَ مُحْيِي مَعالِمِ الدِّينِ وَأَهْلِهِ؟
عن الإمام الحسين عليه السلام: "منَّا اثنا عشر مهدياً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو الإمام القائم بالحق، يُحيي الله به الأرض بعد موتها، ويُظهر به دين الحق على الدين كله، ولو كره المشركون"(8).

يمتلك الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف الحجّة والقدرة لإحياء معالم الدين ومواجهة تحديات الباطل وأهله، ومهما كانت سطوة الكفر والكافرين فإنَّ الغَلَبَة للحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فشعارُه إحياءُ الدين، وعملُه جمعُ أتباعه وقيادتهم لإحقاق الحق والعدل. إنَّه هدفٌ كبيرٌ وعظيم، فيه إحياء للبشرية جمعاء على هديِ الإيمان، ودعاؤنا الدائم إلى الله تعالى أن يُعجِّل فرج وَلِيَّهِ لإحياء هذا الدين.


1- إقبال الأعمال، ابن طاووس، ج1، ص508.
2- كفاية الأثر، الخزاز القمي، ص47.
3- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ص287.
4- م.ن، ص331.
5- الملاحم والفتن، السيد ابن طاووس، ص265.
6- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج2، ص383.
7- كتاب الغيبة، الشيخ النعماني، ص336.
8- كمال الدين وتمام النعمة، م.س، ص317.

أضيف في: | عدد المشاهدات: