اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

إيران الإسلاميّة تصون كرامة الأقلّيّات

لقاء مع سماحة الشيخ مهدوي مهر*
حوار: محمّد نايف


في قلب إيران، تتلاقى الأديان والثقافات المتنوّعة لتصوّر لوحةً تاريخيّةً جميلةً ومميّزة. هذا البلد الذي يعدّ موطناً للعديد من الطوائف والمذاهب والأديان، شهد تعايشاً سلميّاً عبر العصور بين المسلمين الشيعة والسنّة، والمسيحيّين، واليهود، والزرادشتيّين بجانب طوائف دينيّة أخرى. لم تكن الاختلافات الدينيّة في هذا البلد الإسلاميّ حاجزاً للتعايش، بل كانت مصدراً للتنوّع والغِنى الثقافيّ حتّى بات الإيرانيّون يحتفظون بتراثٍ تاريخيّ يعكس تسامحاً تقليديّاً تجاه الأديان المختلفة، ممّا يجسّد روح التعايش والتفاهم الذي يميّز هذا البلد العريق.

عن العيش المشترك، وحريّة ممارسة الشعائر الدينيّة، وغيرها من المزايا كان هذا اللقاء مع ممثل جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالميّة في لبنان سماحة الشيخ محمد حسين مقداد مهدوي مهر (حفظه الله).


- كيف يمارس غير المسلم وغير الشيعيّ حرّيته في إيران، وهي الدولة المسلمة الشيعيّة؟
لا يوجد في إيران توزّع جغرافيّ طائفيّ، بل الجميع يعيشون معاً. نعم، ثمّة مواطنون من مذاهب وأديان مختلفة: أهل السنّة، والصوفيّون، والأرمن المسيحيّون، والزرادشتيّون، والعلويّون، وثمّة يهود إيرانيّون أيضاً معروفون بـ «الكلميّين» نسبةً لاتّباعهم موسى كليم الله عليه السلام. هذه الطوائف أقليّة في البلاد، لكنّ أتباعها يحظون بحياة كريمة، ولديهم انتماء قويّ إلى وطنهم، إذ كان قد شارك شباب من الأرمن والسنّة في الحرب المفروضة دفاعاً عن وطنهم. فهؤلاء كما الشيعة، كانوا لا يتمتّعون بأيّ حقوق في ظلّ حكم الشاه الظالم، الذي جرّدهم من حقوقهم الدينيّة والإنسانيّة.

هؤلاء هم الأقليّات في البلاد، إذ تطغى صبغة التشيّع على هيئة المجتمع الإيرانيّ بحكم طبيعته، وتكاد تبلغ نسبة كلّ من هذه الطوائف أقلّ من 1 % تقريباً، أمّا أهل السنّة فيشكّلون نحو 10 % من المجتمع، وهم ثاني أكبر طائفة في إيران. لكنّ الإعلام المعادي يحاول تضخيم هذه الصورة ليقول إنّ نسبة كبيرة منهم تعيش التهميش والإقصاء في البلاد. واللافت أنّهم يعيشون في كلّ المناطق، في طهران وأصفهان وتبريز وأرومية وشيراز وهمدان، حتّى في مشهد وهي مدينة الإمام الرضا عليه السلام، إذ نجد فيها من أهل السنّة والمسيحيّين الأرمن، واليهود أيضاً، وهم يشاركون في مولد الإمام الرضا عليه السلام بحبّ وودّ. وكذلك في أصفهان، ثمّة تجمّع لأهل السنّة والزرادشتيّة، ولا أحد يلاحقهم أو يتدخّل في شؤونهم، ولهم الحريّة في إحياء مناسباتهم. والجدير ذكره أنّ اليهود والأرمن هم غالباً من أثرياء البلاد، ولهم دور بارز في تطوير الصناعات الفنيّة الدقيقة مثل صياغة المجوهرات والساعات.

- كيف يعيش أبناء سائر الطوائف حرّيتهم الدينيّة في إيران؟ وهل يملكون دور عبادة؟
أوّلاً، المساجد كلّها بيوت الله، فيحقّ لكلّ طائفة أن تمارس عبادتها الخاصّة وفق ما تعتقده، إذ ينصّ دستور الجمهوريّة على حفظ حقوق الأقليّات، دون أن يمارسوا التبشير بطبيعة الحال.

1. أهل السنّة: ثمّة في إيران نحو 15000 مسجد لأهل السنّة، أحدها مسجد مكي في زاهدان بلوشستان، وهو مسجد عظيم جدّاً يُعدّ أكبر المساجد في العالم الإسلاميّ قاطبة، يرتاده أربعون ألف مُصلٍّ تقريباً لصلاة الجمعة أو لصلاة العيد وفي مختلف المناسبات الدينيّة. كذلك لديهم عدد جيّد من المدارس الدينيّة كالحوزات. كثير من أهل السنّة يتوافدون إلى إيران من مصر ولبنان وسوريا والعراق وبلاد الخليج، فيشهدون بأمّ العين واقع الحريّات الذي يعيشه أفراد طائفتهم، وهم يتفاجؤون بما توفّره لهم هذه الجمهوريّة الإسلاميّة، ويقولون إنّهم يعيشون في ظلّ حكم أهل السنّة ولكنّهم لا يتمتّعون بالاستقلاليّة وهذه الدرجة من الحريّة.

2. المسيحيّون: في الجمهورية الإسلاميّة 600 كنيسة، في حين يبلغ عدد المسيحييّن فيها نحو 500 ألف نسمة، أي بمعدّل كنيسة لكلّ 800 مسيحيّ، ولا أتصوّر أنّ أحداً يعلم ذلك. أشهر هذه الكنائس كتدرائيّة المخلّص في أصفهان، وتُقام أيّام الآحاد مجالس خاصّة بالكنائس، ويقيم المسيحيّون صلواتهم وابتهالاتهم بكلّ حريّة، ويُسمح لهم بالاحتفال بمناسباتهم الرسميّة أيضاً. ويملك المسيحيّون الإيرانيّون أكثر من 50 مدرسة دينيّة خاصّة. وفي طهران وحدها أكثر من 25 مركزاً ثقافيّاً للطائفة، ويحقّ لهم طباعة الكتاب المقدّس بأيّ لغة كانت.

- ما هو حجم تمثيل تلك الأقلّيّات في مجلس الشعب؟
لتلك الطوائف ممثّلون في مجلس الشورى بحسب قانون النسبيّة. فالأرمن، مثلاً، يمثّلهم نائبان أو ثلاثة، كما يمثّل اليهود الكلميّين نائبٌ في مجلس الشورى.

يسمح الدستور لأفراد كلّ الطوائف بالتعيّن في المناصب العليا دون أيّ تمييز، ويحقّ لهم الخدمة العسكريّة في جيش الجمهوريّة، بل وينالون رتباً عالية من دون تمييز أو أفضليّة للمسلم الشيعيّ عليهم. ولكنّ نظام الجمهوريّة ينصّ على أنّه لا يُسمح لغير المسلم بأن يكون رئيساً للجمهوريّة، في حين أنّه يُعيَّن له مستشار من كلّ الطوائف المختلفة في البلاد.

- كيف يفصل القضاء في نزاعاتهم، وخصوصاً ما له علاقة بالأحوال الشخصيّة؟
تختلف بعض الأحكام القضائيّة بين الدين ودستور المجتمع. نعم، الحاكم في القانون هو الدستور الإسلاميّ الاثنا عشريّ بما أنّ إيران بلد مسلم شيعيّ. ولكن في ما يخصّ الأحوال الشخصيّة في الإرث والزواج والطلاق، فلهم قوانينهم الخاصّة، فيقع الطلاق، مثلاً، عند أهل السنّة ثلاثاً في مجلس واحد، والدستور يلزمهم بما تلزمهم به طوائفهم. أمّا في الشؤون الاجتماعيّة والمسائل التي ترتبط بنظام الدولة، فالحاكم هو التشريع الإسلاميّ طبقاً للمذهب الجعفريّ.

- يتفقّد الإمام الخامنئيّ دام ظله عوائل شهداء الأقلّيّات المدافعين عن الوطن، ويكرّمهم. ما هي دلالة هذا الاهتمام؟
عندما يذهب سماحته بنفسه إلى بيوت الشهداء، فهذا اعتراف بأنّنا مدينون لهم ولعوائلهم ولتضحياتهم تجاه هذا الوطن. لقد آمن هؤلاء بالثورة الإسلاميّة، وذهبوا إلى الجبهة من تلقاء أنفسهم ومن دون إلزام من أيّ جهة كانت لأنّهم فهموا حقيقة معنى الشعارات التي ترفعها الجمهوريّة كالحريّة والعدالة. وفعلاً، كنّا نراهم في الجبهات من المحبّين والمضحّين لتبقى الثورة. وتلك الزيارات هي وفاء لهذا الحبّ، وتقدير لتلك التضحيات، وتأكيد على أنّ أبناء الوطن دمهم واحد.

من هنا، يهتمّ السيّد الخامنئيّ دام ظله بأن يذهب بنفسه إلى منازل عوائل الشهداء المسيحيّين ومن أهل السنّة أيضاً، لأنّ الأقلّيّات قد يشعرون بأنّهم مختلفون أو معزولون، فتأتي هذه الزيارات لتؤكّد لهم أنّهم من أبناء هذا الوطن.

- إلى أيّ مدى يلتزم غير المسلم بالأحكام المتعلقة بالمحظورات مثل حرمة الخمر؟
ينبغي بدايةً أن نثبّت أمراً وهو أنّ لكل نظام الحقّ في أن يسنّ القوانين التي من شأنها أن تحافظ على سلامة مجتمعه، فيشرّع دستوره بما يتوافق مع رؤيته ومنهجه. أمّا في إيران، فالنظام إسلاميّ، أي أنّه سيضع المصالح الإسلاميّة كأهداف ومقاصد عليا، وهذا يطبّق في كلّ العالم.

لذلك، لا يمكن محاسبة الآخر دينيّاً على أمر لا يلزمه به دينه، لكن ثمّة حدّ معيّن لحفظ النظام العامّ واحترامه في مسائل متعدّدة. الخمر مثلاً محرّم إسلاميّاً، ويُمنع بيعه وشراؤه في الجمهوريّة، لكن إن شرب غير المسلم الخمر، لا يحاسبه أو يلاحقه أحد، لكنّه يكون قد خالف القانون، الذي سيغرّمه كما في أيّ بلد آخر إن تناول الخمر وهو يقود السيّارة مثلاً.

- الحجاب فريضة إسلاميّة، لماذا تُلزم غير المسلمة به في إيران؟
المطلوب حدٌّ معيّنٌ من الستر والحشمة الاجتماعيّة، وليست جميع النساء ملزمات بالحجاب الإسلاميّ بتفاصيله الشرعيّة، بل بالستر. وبنظرة إلى الشارع الإيرانيّ، يمكن التمييز بين الحالتين. أضف إليه أنّ النساء في إيران متديّنات في الأصل، بخلاف ما يقدّمه الإعلام المعادي من أعداد محدودة من النساء اللواتي يدعين إلى السفور. مثلاً في حرم الإمام الرضا عليه السلام خلال يوم عرفة أو ليالي القدر أو صلاة العيد، لا تكفي مساحة مليون مترٍ مربّعٍ داخل المقام لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الزائرات، فيُضاف إليها مساحة مئة ألف متر في الصحون الخارجيّة تُفرش بالسجّاد لتستقبل السيّدات، ومعظمهنّ من الإيرانيّات الملتزمات بالحجاب. وإن لم تكن المرأة محجّبة، فهي لا تمانع أن ترتدي الحجاب واللباس الشرعيّ الفضفاض الذي يفرضه قانون الحرم الرضويّ، لكي تحيي المناسبة الدينيّة بخشوع وخضوع. مشهد مهيب لعدد كبير من السيّدات المتمسّكات بالحجاب أمام الأرقام الهامشيّة المتأثرة بالغرب.

كما أنّ نساء النخب المثقّفة في إيران يلتزمن بالحجاب ومعظمهنّ يرتدين العباءة. بالخلاصة، النظام يطلب الستر والحشمة، والمرأة حرّة في أن تختار بين أقلّ ستر وأكمله.

من المفيد هنا التذكير بالقانون الذي فرضه الشاه ونصّ على منع الحجاب بذريعة الحريّة، وفي حال رفضت المرأة نزع حجابها، كانت تُعتقل وتتعرّض للضرب والشتم. عفيفات كثيرات فضّلن أن يُسجنّ في بيوتهنّ طيلة فترة حكم الشاه تمسّكاً بحجابهنّ. إذاً، الستر هو هويّة المرأة في إيران حتّى لو لم تكن مسلمة، هي إنسانة محتشمة، وما نراه في الإعلام هو حرب العدوّ على المفاهيم الإسلاميّة التي تؤمن بها الثورة.

- قد تتّهم الجمهوريّة بأنّها تسعى إلى أن تستقطب هذه الأقليّات للتشيّع، بمَ تردّون؟
لطالما كرّر الإمام الخامنئيّ a قوله: «ليس التبليغ الشيعيّ أن نجعل المرء شيعيّاً، بل علينا أن نبثّ محاسن أهل البيت عليهم السلام بين الناس». الأصل هو تبليغ فكر أهل البيت عليهم السلام وثقافتهم وحضارتهم للناس، وأن يعرفوا حقيقتهم. فلا معنى لأن تكون شيعيّاً ولا تلتزم بخطّهم، كذلك، في إيران الإسلام لا يشترط أن تكون مسلماً ولا شيعيّاً لتقدّم لك بلادك حقوقك وتخدمك وتنصفك وتحميك.

هذه هي الجمهوريّة الإسلاميّة، بغناها وتنوّعها الثقافيّ والطائفيّ، دولة قويّة مقتدرة تقدّم نموذجاً للعيش المشترك بين مختلف المذاهب واحتضان الأقلّيّات الدينيّة.


(*) ممثل جامعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم العالمية في لبنان.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع