مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

بماذا يضرّهم الحجاب؟!

الشيخ بلال حسين ناصر الدين


في عام 1958م، أقدم قادة عسكريّون فرنسيّون في الجزائر، بالتنسيق مع زوجاتهم، على تنظيم مهرجانٍ عُرف بـ”مهرجان خلع الحجاب“، وقد قام بالفعل عدد من النساء بخلع حجابهنّ أمام الملأ، بحماية جنود فرنسيّين، وكان قد سبق هذه الخطوة أن قام هؤلاء الجنود بتعبئة إعلاميّة سينمائيّة ومسرحيّة، لتوجيه فكرة تحرير النساء من الحجاب!

* خطّة الاستعمار الغربيّ
كانت هذه الخطوة طبيعيّة ضمن مسار يستبطن منهجيّة فكريّة وأخلاقيّة، عملت على أساسها الدول الغربيّة المحتلّة لبلدان العالم، تتمثّل في الاستحواذ على كلّ شيء، وجعل تلك البلدان كصناديق من زجاج شفّاف، يرون ما فيها، دون قدرتها على المواجهة. ومن ذلك السيطرة على ثقافة الشعوب المحتلّة أراضيها، خاصّة في ما يعدّ مظهراً من مظاهر ثقافة هذا البلد أو ذاك.

وهكذا، استمرّ هذا المسار لدى دول الغرب، حتّى بعد خروجها من بلاد العرب والمسلمين، كما هو الحال في وقتنا الحاليّ، حيث إنّنا نسمع بين الفينة والأخرى قراراً جديداً مرتبطاً بالحجاب، وكأنّما هو شغلهم الشاغل وقضيّتهم الأولى! وقد تفاقم ذلك مع توافد أعداد كبيرة من المسلمين إلى بلدان الغرب والعيش فيها، بهدف العمل أو الهجرة وما شاكل، حتّى انتشروا في بقاع لا بأس بها، وأصبح لديهم وجودهم الديموغرافيّ الذي لا يستهان به. ولأجل ذلك، نجد أنّ اهتمام الغرب بالحجاب يتنامى بشكلٍ كبير مع تنامي وجود المسلمين (نسبيّاً).

كان آخر ما أقدمت عليه بعض تلك الدول، أمثال فرنسا وألمانيا وبلجيكا، اتّخاذ قرارات يحظّر فيها ارتداء الحجاب في أماكن العمل، ومنها قرار محكمة العدل الأوروبيّة، الذي صدر مؤخّراً. بحجّة منع أيّ مظهر دينيّ في الأماكن العامّة، مانحين الحقّ لأيّ مؤسسة اقتصاديّة بأن تتّخذ مثل هذه القرارات.

* ما سرّ هجوم المحرّضين على الحجاب؟
إذا ما أردنا استقراء واقع التحريض المستمرّ على الحجاب الذي تقوم به بعض الدول، خاصّة الغربيّة منها، وبعض الجهات الداخليّة في البلدان العربيّة والإسلاميّة، نجد أنّ ثمّة أسباباً متعدّدة، يمكن استخلاصها في ما يأتي:

1. النزعة الغَرَزِيّة: ليس غريباً أن نضع هذا الأمر من أسباب التحريض على الحجاب، فإنّ نزعة الإنسان المتفلّت من القيود الدينيّة أو الحشمة، قد تؤدي به إلى أن يرفض كلّ ما يعدّ حائلاً دون إشباع غرائزه، وهذا بالفعل ما قامت به بعض الدول الاستعماريّة لبعض البلدان والمجتمعات الإسلاميّة -كما مرّت الإشارة إليه- حيث إنّ إقدامهم على التحريض على خلع الحجاب، كان بغاية إشباع الغريزة، ذلك أنّه كان يحول دون إقامة الحفلات وما شاكل، بالتالي، فإنّ التحريض على نزعه قد يُسهم في نشوء مثل تلك الأجواء.

2. النزعة العلمانيّة: من المعلوم أنّ كلّ الدول الغربيّة قد استقرّت على النظام العلمانيّ، الذي يرفض مظاهر التديّن، والتي من رحمها خرج العديد من الأفكار والقرارات والمواقف الغريبة، والحجاب يعدّ من أبرز ما يتناقض مع جوهر أنظمة الحكم العلمانيّة، ذلك أنّه واضح الدلالة على التديّن.

3. فوبيا الأسلمة: تأتي أيضاً فوبيا أسلمة بعض المجتمعات من أوليات الهواجس التي يقع فيها أصحاب القرار في مثل تلك الدول، حيث إنّ المسلمين الذين هاجروا أو سافروا إلى تلك الدول، قد أخذوا معهم تديّنهم والتزامهم بالحجاب، فكان على بعض الدول اتخاذ مثل تلك القرارات التي تحدّ قدر الإمكان من المظاهر الإسلاميّة، بل يعدّون هذا المنع أمراً يتناغم مع الحريّة!

* مغالطات وتوضيحات
ثمّة مغالطات عديدة يقع فيها المحرّضون على الحجاب، ويسوّقون أفكاراً غير موضوعيّة تتناغم مع ما تشتهي أنفسهم، سوف نبيّن بعضاً منها في العناوين الآتية:

- أوّلاً: الحجاب ضابطة من ضوابط العلاقات
يأخذ بعضهم مأخذاً على الدول التي تفرض الحجاب في قوانينها، كالجمهوريّة الإسلاميّة في إيران (وهو كأيّ قانون يحقّ للدولة فرضه إذا ما وجدت فيه مصلحة)، أو على الآباء والأمّهات الذين يحثّون بناتهم على ارتداء الحجاب عند سنّ التكليف، فيعدّون ذلك انتهاكاً لحريّتهنّ، بل إنّهم يعتبرون الفتاة المحجّبة سجينةً لا تستطيع الحراك! وغير ذلك من الادّعاءات التي لا تنمّ إلّا عن جهل قائليها وحقدهم.

إنّ الحجاب ظاهريّاً هو كأيّ ضابطة اجتماعيّة تضبط علاقات الناس في ما بينهم، وهو تماماً كاللباس الذي يرتديه المرء عند خروجه من منزله، فإنّه من غير المألوف البتّة، أن يخرج مثلاً عارياً بين الناس، أو أن يجلس في مجلس رسميّ دون أن يكون مرتدياً زيّاً مناسباً، ولا يعقل أن يرتدي ثوب سباحة، ثمّ يأتي إلى مجلس الوزراء أو مجلس النواب، فإنّ الآخرين سوف يسفّهون فعله، بل قد يطردونه، وهذا ما هو سائد في كلّ العالم على اختلاف المشارب الثقافيّة.

بل إنّ ما نراه من تقييد بزيٍّ معيّن، أكان مختصّاً بعمّال المطاعم أو المستشفيات أو المؤسّسات العامّة وغيرها الكثير، إنّما هو مظهر من مظاهر ضبط العلاقات الاجتماعيّة، والتي يكون في بعضها هدف اقتصاديّ تسويقيّ أو صحّيّ أو تربويّ وما شاكل. بالتالي، فكما أنّ الملابس الخاصّة بعملٍ ما ذات هدف، فكذلك الحجاب فإنّه ذو هدف، وإن اختلف جوهره.

إذاً، لماذا لا يَعدّ هؤلاء الحانقون على الحجاب أنّه بمثابة تلك الضوابط التي تستبطن هدفاً ما؟

ثمّ إنّه ما الضير في أن تضع المرأة شالاً على رأسها كما تضع ثوباً على كتفها؟ فهل يعترض هؤلاء على الأثواب الطويلة التي ترتديها النساء في المناسبات الرسميّة؟ وهل يعترضون على الملابس المحتشمة، نوعاً ما، التي تخرج بها زوجات الرؤساء والملوك والأمراء؟ إذاً، ما هي مشكلتهم مع الحجاب؟

طبعاً، هذه التساؤلات ليست بهدف التعرّف على الإجابة، ذلك أنّها واضحة، إلا أنّ طرحها يسهم في تأكيد الواقع الذي هو عليه المحرّضون على الحجاب ومدى انغماسهم في المغالطات.

- ثانياً: الحجاب يعوق حركة المرأة
لطالما تحدّث كثيرون عن هذا الأمر، إلا أنّ سؤالاً أودّ ذكره هنا بدلاً من السرد: كيف يعوق الحجاب حركة المرأة، وأين؟

هل يعوق حركتها في المدرسة والجامعة والمستشفى والمؤسّسات الاقتصاديّة على اختلافها؟ هل يمنعها من أن تكون طبيبة أو مهندسة أو أستاذة؟ فليذكروا لنا ذلك!

سوف أخفف ثقل الإجابة عن كاهل هؤلاء، فأقول: نعم، الحجاب يعوق حركة المرأة في الملاهي الليليّة والحفلات الماجنة، ويعوُق سهام عيون أصحاب القلوب المريضة من أن تصل إلى الأجساد المحرّمة عليهم، أجل، في مثل هذه الأماكن يعوقها ويؤخّرها، ونحن نوافقهم.

إذاً، ما يرونه معوقاً لحركتها، هو في الواقع عائقٌ لأنظارهم وعائقٌ لحركة المرأة في أن تكون في مثل تلك الأماكن، وإلّا، لا مبرر لمثل هذا الكلام مطلقاً.

- ثالثاً: لا إكراه في الحجاب بل تربية
إنّ ارتداء الحجاب هو كأيّ شيء آخر يقع على عاتق الوالدين في الدرجة الأولى، فكما أنّهما يربّيان أبناءهما على أفعال معيّنة يرونها صالحة ويحثّانهم عليها، أو ينهيانهم عن أفعال أخرى يرونها فاسدة، فالأمر نفسه في الحجاب، فهما يُقدمان على حثّ ابنتهما على ارتدائه بالكلمة الطيّبة والترغيب والتحسين، وإذا ما قاما بمهمّتهما هذه على أكمل وجه، فإنّهما يكونان قد ساعدا ابنتهما على فعل أمرٍ حسن فيه مرضاة الله سبحانه، تماماً كما لو أنّهما يربّيانها على التعلّم أو احتراف حرفة أو تنمية موهبة، وما شاكل.

فلماذا يعدّ هؤلاء الحثّ على ارتداء الحجاب أمراً بمثابة الإكراه، ولا يعدّون حثّ الأهل أبناءهم وبناتهم على أشياء أخرى كالدراسة والتعلّم، أو الرسم والمطالعة وغيرها، إكراهاً لهم كذلك؟

إذاً، إنّ حثّ الآباء والأمّهات أو المجتمع عامّة الفتيات على ارتداء الحجاب، إنّما هو مسألة تربويّة، كغيرها من المسائل التربويّة التي يهتمّ بها الناس حسب ثقافتهم ومبادئهم.

وإذا كان الحثّ على الحجاب تقييداً لحريّة المرأة، فلماذا لا يكون الحثّ على عدم ارتدائه تقييداً لها أيضاً؟ علماً أنّ أغلب الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب، إنّما يرتدينه من تلقاء أنفسهنّ، بل إنّ بعضهنّ يقدمن على ذلك قبل سنّ التكليف.

- رابعاً: الحجاب ليس خياراً شخصيّاً
قد يقع بعضهم في شبهة القول: إنّ الحجاب خيار شخصيّ للفتاة. فأقول: صحيح أنّه خيار شخصيّ، ولكنّه خيار شخصيّ نسبيّ، بمعنى أنّه خيار بالنسبة إلى من حولها من أقرانها من الناس، وليس بالنسبة إلى حكم الشرع الإسلاميّ، ويعني ذلك أنّه فرض لا على نحو التخيير إنّما على نحو التعيين، تماماً كالصلاة والصيام وغيرهما من العبادات.

فهل أصبح واضحاً لدينا لم يحارب هؤلاء الحجاب؟ وكم من المغالطات التي يروّجها المحرّضون على الحجاب؟!
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع