مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

لماذا غاب الإمام عجل الله تعالى فرجه حتّى الآن؟ (1)*

السيّد عبّاس عليّ الموسويّ


كثيرة هي الأمور التي لا يُعرف وجهها ولماذا وُضِعت، ومع ذلك يُقرّ بها المؤمنون لأنّ منطلقاتهم الإيمانيّة وعقيدتهم تحملهم على الإيمان بما يخبرهم به المعصوم نبيّاً أو إماماً.

* اختبارٌ وتثبيت
بعد أن ثبتت غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، فلا مشكلة إذا لم ندرك أسباب هذه الغيبة وأسرارها، وليس ذلك عجباً ونحن لم نعرف أسباب كثير من العبادات؛ إذ لا نعرف أسرار كون صلاة الصبح ركعتين والظهرين أربعاً والمغرب ثلاثاً والعشاء أربعاً، وما هو سرّ الرجم في الحجّ والسعي وغير ذلك، وإن كنّا قد آمنّا بحكمة من شرّعها ووضعها، وأنّ له هدفاً وغايةً وسرّاً، حتى لو لم نصل بعقولنا القاصرة إلى تلك الأسباب. وإنّ قضيّة غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هي من جملة القضايا التي قد لا ندرك سرّها ولا نقف على حقائق ما تنطوي عليه، ومع ذلك نؤمن بها. فعن عبد الله بن الفضل الهاشميّ قال: سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبة لا بُدّ منها، يرتاب فيها كلّ مبطل. فقلت له: ولِمَ، جُعلت فداك؟ قال: الأمر لم يُؤذن لي في كشفه لكم. قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدّمه من حجج الله تعالى ذكره، إنّ وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلّا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلّا وقت افتراقهما. يا بن الفضل، إنّ هذا الأمر أمر من الله، وسرّ من سرّ الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنّه عزّ وجلّ حكيم صدّقنا بأنّ أفعاله كلّها حكمة، وإن كان وجهها غير منكشف»(1).

* خوف القتل
على الرغم من أنّ الأئمّة عليهم السلام أحالوا أسرار غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى الله، فإنّهم كشفوا بعض أسبابها وأسرارها، ومنها الخوف من القتل، وهذا السبب هو المتبادر إلى الذهن ويمكن للعقل تقبّله بل إنّه يفرضه ويوجبه، لأنّ حفظ النفس، خصوصاً إذا كان الحجّة نبيّاً أو إماماً، مطلوب لأهميّة دوره والمسؤوليّات المنوطة به في أداء رسالة الله وحفظها، وتحرير المجتمع من الظلم والجور، وبسط القِسط والعدل.

لو ظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وعاش بين الناس، لتحوّل هدفاً وحيداً لكلّ السلطات الجائرة، إذ إنّه وحده الذي يُهدّد عروشها ويُسقط التيجان عن رؤوسها ويزيلها عن مواقعها التي حوّلتها إلى اضطهاد للشعوب وقمعها والقضاء على حريّة فكرها.

وفي مثل هذه الحال، يفرض العقل وجوب الاستتار والاختفاء إلى أن ترتفع الموانع الموجبة له. وعندها، يخرج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف ليأخذ دوره المعدّ له في تحرير القلوب والعقول والأجساد. وهذا المعنى أفصح عنه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام وبيّنوه لشيعتهم، وكشفوا أنّ غيبة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف سببها خوفه من القتل. ففي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «لا بُدّ للغلام من غيبة، فقيل له: ولِمَ يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل»(2).

وهذا السبب –خوف القتل- هو ما ذهب إليه أكثر العلماء ومنهم شيخ الطائفة الطوسي بحيث يقول في كتاب «الغيبة»: «ممّا يقطع على أنّه سبب لغيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف هو خوفه على نفسه بالقتل بإخافة الظالمين إيّاه، ومنعهم من التصرّف في ما جُعل إليه التدبير والتصرّف فيه»(3).

* الخوف من القتل في سِيَر الأنبياء
إنّ الاختفاء عن الأعداء خوفَ القتل ليس بمستنكر من الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بعد أن فعلها الأنبياء قبله، فهذا نبيُّ الله موسى عليه السلام، مع أنّه من أولي العزم من الرسل وله مقام كبير وجهاد عظيم، يُسوِّغ غيابه عن ساحة فرعون وفراره إلى مدين فيقول: ﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (الشعراء: 21). وينقل سبحانه قصّة موسى عليه السلام وكيف جاءه مؤمن آل فرعون يحذّره من البقاء وينصحه بالخروج من مصر حفظاً لسلامته وخوفاً عليه، فقال تعالى: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (القصص: 20-21).

فإذاً، الخوف من القتل هو من الدوافع وراء غياب موسى عليه السلام، وهو نفسه وراء غياب الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الأنظار، وسيعود كما عاد موسى إلى فرعون ليحرّر العباد والبلاد وينشر العدل في الطول والعرض، وقد أفصحت الأحاديث وصحاح الروايات بدور الإمام العالميّ، حيث يملأ الأرض قسطًا وعدلاً بعد أن تُملأ جوراً وظلماً.

* ظروف الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تختلف عمّن سبقه
قد يسأل سائل: لماذا لم يتّبع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف سيرة آبائه فيُسقط الخوف كما أسقطوه، ولم يختفوا عن الأنظار كما اختفى هو؟

الجواب واضح في الفارق الكبير بين ظروفهم وظروفه، ودورهم ودوره، والمهمّة المنوطة بهم والمهمّة المنوطة به؛ فإنّ خلفاء الجَور في زمن آبائه كانوا على علم أنّ الأئمّة عليهم السلام لا يملكون القدرة على إسقاط عروشهم ولا يعزمون على سلّ السيوف في وجوههم، فهم في أمانٍ منهم على أنفسهم وعروشهم، وأين هذا من مهمّة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهو الذي سيخرج بالسيف ويقضي على وجودهم، ويطهّر الأرض من رجسهم، وينشر العدل في الأرض؟ وهذا القائد بدون شكّ سيكون هدفاً مقصوداً، ولن ينتهي دور الظالمين إلّا بالقضاء عليه والانتهاء من وجوده. وبما أنّه عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الأخير في سلسلة الإمامة ولا إمام بعده، فلو قُضي عليه لم يكن ثمّة بديل عنه، بينما الأئمّة الذي تقدّموه كان لكلّ واحد منهم بديل عنه ووارث له، لو تجرّأ الظالمون على قتله.

وهكذا، فإنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي لا بديل عنه، قد ادّخره الله ليكون على يديه تحرير العالم وبسط العدل في الأرض ورفع راية الإسلام، فيحكم هذا الدين العالم ليعيش الناس في سعادة كاملة ووئام تامّ، وتتحقّق أحلام الأنبياء وتطلّعات الأئمّة الهداة.

(*) مقتطف من كتاب «الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف عدالة السماء»، ص 74-78.
(1) الاحتجاج، الشيخ الطبرسي، ج 2، ص 140.
(2) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 90.
(3) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 90.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع