الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب قدس سره
القسم الثالث من ذكر الله، الذكر اللسانيّ، والواجب منه الصلوات الواجبة أي الصلوات الخمسة في اليوم والليلة، وصلاة الميت، وصلاة الطواف والقضاء عنه أو عن والديه بالتفصيل المذكور في الرسائل العمليّة.
وقد ذُكرت أهميّة الصلاة وعظمتها وثوابها وشدّة عقوبة تركها في كتاب “الذنوب الكبيرة”.
والدليل على أنّ الذكر اللسانيّ الواجب هو الصلاة الواجبة أنّه تعالى يقول في سورة الجمعة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ﴾ (الجمعة: 9)، وفي سورة طه يقول: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (طه: 14).
* أذكار مستحبّة
الذكر المستحبّ أيضاً أنواع، مثل: التهليل: الشهادة بوحدانيّة الله، والتحميد: حمد الله والثناء عليه، والتسبيح: الشهادة بتنزيه الله، والتكبير: الشهادة بعظمة الله. ومختصر ذلك كلّه: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وكذلك قول: لا حول ولا قوّة إلّا بالله. ومن ذكر الله أيضاً: الدعاء ومناجاة قاضي الحاجات جلّت عظمته، وكذلك الصلاة على محمّد وآل محمّد، وتلاوة القرآن المجيد.
* لا حدّ للذكر
ينبغي أن يعلم أنّه ليس لذكر الله حدّ، وكلّما انشغل الإنسان بالذكر أكثر، كلّما كانت فائدته أكثر. يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا* وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ (الأحزاب: 41–42).
كما أنّ الفلاح الدائم والسعادة الحقيقيّة يتحقّقان عن طريق زيادة الذكر، يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (الجمعة: 10).
وقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام من أنواع الصلوات المستحبّة والأدعية والمناجاة وأقسام الذكر ما لو أراد إنسان أن يقضي جميع ساعات ليله ونهاره بالذكر لأمكنه ذلك.
* صلاة الليل والمقام المحمود
لا يفوتنا التأكيد هنا أنّ أفضل الصلوات المستحبّة وأكثرها أثراً النوافل اليوميّة، خصوصاً نافلة الليل التي هي إحدى عشرة ركعة ووقتها النصف الثاني من الليل إلى طلوع الفجر. والآيات والروايات كثيرة حول فضيلة القيام بالأسحار وصلاة الليل والاستغفار بالأسحار.
وخلاصة القول إنّ كلّ شخص يبلغ أيّ مقام في عالم العبادة، فإنّ ذلك ببركة القيام بالأسحار، كما يستفاد ذلك من الآية الشريفة: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ (الإسراء: 79)؛ أي إنّ عليك واجباً إضافيّاً عسى أن يبعثك ربّك مقاماً محموداً، وهو المقام الذي يحمدك عليه جميع الخلق، أي مقام الشفاعة الكبرى. ويستفاد من هذه الآية أنّ صلاة الليل كانت واجبة فقط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم توجب على أمّته تسهيلاً عليهم، بل هي مستحبّ مؤكّد، فإذا ما سهر الناس حتّى الصباح ولم يصلّوا صلاة الليل فلا يستحقّون العذاب لذلك، ولكنّ تفويتها يتسبّب في حرمان لا يمكن أن يُجْبر، وهو حرمان من الوصول إلى المقامات والدرجات التي أساسها أن يصبح الإنسان من شيعة آل محمّد.
عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: “ليس من شيعتنا من لم يصلّ صلاة الليل”(1). وعن الإمام الباقر عليه السلام: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يبيتَنّ إلّا بوتر”(2).
* القرآن يثني على القائمين بالأسحار
أثنى الله سبحانه على القيام بالسحر وصلاة الليل في مواضع عدّة من القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ* فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة: 16–17).
«ما أخفي لهم»: أي ما ادّخر لهم جزاءً بما كانوا يعملون، من ذلك القيام بالسحر وصلاة الليل. وفي مكان آخر يقول تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾ (الزمر: 9).
ويعلم من هذه الآية الشريفة جيّداً أنّ الإتيان بصلاة الليل والتضرّع بين يدي الله خوفاً وأملاً، هما علامة العلم والمعرفة والتعقّل، كما أنّ عدم الاعتناء بذلك علامة الغفلة وعدم التعقّل.
* 26 خصوصيّة لصلاة الليل
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «صلاة الليل مرضاة الربّ، وحبّ الملائكة، وسنّة الأنبياء، ونور المعرفة، وأصل الإيمان، وراحة الأبدان، وكراهية الشيطان، وسلاح على الأعداء، وإجابة للدعاء، وقبول الأعمال، وبركة في الرزق، وشفيع بين صاحبها وبين ملك الموت، وسراج في قبره، وفراش تحت جنبه، وجواب مع منكر ونكير، ومؤنس وزائر في قبره إلى يوم القيامة.
فإذا كان يوم القيامة كانت الصلاة ظلّاً فوقه، وتاجاً على رأسه، ولباساً على بدنه، ونوراً يسعى بين يديه، وستراً بينه وبين النار، وحجّة للمؤمن بين يدي الله تعالى، وثقلاً في الميزان وجوازاً على الصراط، ومفتاحاً للجنّة»(3).
ذُكرت في هذا الحديث ستٌّ وعشرون خصوصيّة لصلاة الليل، أهمّها جميعاً نور المعرفة؛ فمن أراد المعرفة واليقين، يجب أن لا يفرّط في القيام في السحر وصلاة الليل، بل يداوم على ذلك ويواظب حتّى يصل إلى ما يريد إن شاء الله.
* كيفيّة صلاة الليل
هي ثماني ركعات بنيّة صلاة الليل، كلّ ركعتين معاً كصلاة الصبح، تقرأ فيهما بعد الحمد أيّ سورة أردت، بعد ذلك ركعتان بنيّة الشفع، وبعد السلام ركعة بنيّة الوتر، وإذا كان ثمّة متّسع من الوقت تستغفر في قنوت الوتر سبعين مرّة أو مئة أو تقول ثلاثمئة مرّة «العفو»، وتطلب المغفرة لأربعين مؤمناً فهو حسن جدّاً.
*مقتبس من كتاب: القلب السليم، ج 1، ص 236- 245.
(1) وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 8، ص 163.
(2) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 330.
(3) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 6، ص 335.