مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها

الشيخ د. أكرم بركات


الحبُّ هو انجذاب قلب الحبيب بسبب كمالات في المحبوب، ينطلق من الفطرة التي أودعها الله في الإنسان وتشدُّه نحو الكمال. لذا، عبّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حبّه للسيّدة خديجة عليها السلام بقوله: "رُزقت حبَّها"(1). فما هي تلك الكمالات التي جذبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خديجة الكبرى، حتّى حازت على تلك المكانة العظيمة لها عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام؟ 

•مكانتها عند الله تعالى
وردت أحاديث عديدة تبيّن مقام السيّدة خديجة عليها السلام عند الله عزّ وجلّ، منها:

- "نزل جبرائيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأله عن خديجة عليها السلام، فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أنَّ ربّها يقرئها السلام"(2).

- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة عليها السلام وهو يواسيها برحيل أمّها: “إنّ جبرائيل عليه السلام عهد إليّ أنّ بيت أمّك خديجة في الجنّة بين بيت مريم ابنة عمران، وبين بيت آسية امرأة فرعون، من لؤلؤ جوفاء، لا صخب فيه ولا نصب”(3).

•مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
كثيرة هي المواقف التي بيّنت مكانة السيّدة خديجة عليها السلام عند النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، منها:

- أنّه كان صلى الله عليه وآله وسلم يتحدّث عن السيّدة خديجة عليها السلام بافتخار أمام المسلمين، فقد ورد أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال في المسجد: "يا معشر الناس، ألا أدلّكم على خير الناس جدّاً وجدّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال صلى الله عليه وآله وسلم: الحسن والحسين عليهما السلام، فإنّ جدّهما محمّد، وجدّتهما خديجةُ بنت خويلد”(4).

- أنّه كان صلى الله عليه وآله وسلم يهتمّ بمن كان له علاقة بالسيّدة خديجة عليها السلام، فقد ورد أنَّ عجوزاً دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فألطفها، فلما خرجت سألته عائشة من هذه؟ فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّها كانت تأتينا زمن خديجة، وإنّ حسن العهد من الإيمان”(5). 

•مكانتها عند أهل البيت عليهم السلام
كانت السيّدة خديجة محلّ افتخارٍ للأئمّة عليهم السلام في انتسابهم إليها، وقد تجلّى ذلك سواء في مواقفهم أو في أدعيتهم وزياراتهم:

- في كربلاء، وقف الإمام الحسين عليه السلام يخاطب القوم: "هل تعلمون أنَّ جدتي خديجة بنت خويلد أوَّلُ نساء هذه الأمّة إسلاماً؟"(6).

- في زيارتنا للإمام الحسين عليه السلام علّمنا أهل البيت عليهم السلام أن نسلّم عليه قائلين: "السلام عليك يا بن خديجة الكبرى"(7). 

- ورد في زيارة القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف عن الشيخ سعيد بن القسم بن روح: "تسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى أمير المؤمنين عليه السلام بعده، وعلى خديجة الكبرى وعلى فاطمة الزهراء وعلى الحسن والحسين وعلى الأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً إلى صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف"(8).

•مآثرها
للسيّدة خديجة عليها السلام العديد من المآثر التي جعلتها تحتلّ مكانةً عظيمةً، نذكر منها: 

1. بصيرتها: تجلّت بصيرتها في اكتشافها المبكر لكمالات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقد ورد "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قبل البعثة، كان متوجّهاً نحو منزل السيّدة خديجة ليخبرها عن نتاج التجارة التي موّلتها، "فبشَّرها بما رزقها الله تعالى من تجارتها، ففرحت بذلك فرحاً شديداً ورأت فيه الزوج الكفؤ"(9). وبسبب بصيرتها هذه، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبرها بما يحدث معه، فقد ورد أنّ أوّل تواصل من جبرائيل عليه السلام برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرها به(10)، فكانت المصدِّقة له في ذلك.

2. اهتمامها بما يهتمّ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كانت السيّدة خديجة قبل البعثة تهتمّ وتتفاعل إيجاباً مع اهتمامات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان حينما يصعد إلى جبل حراء تواكبه بالطعام والشراب، معينة له في ما يقوم به. وقد زاد اهتمامها لما يهتمّ به بعد البعثة الشريفة، فقد روي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "افتقد عليّاً عليه السلام، فاغتمّ لذلك غمّاً شديداً، فلمّا رأتْ ذلك خديجة قالت: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فشدّت على بعيرها ثمّ ركبت، فلقيت عليّ بن أبي طالب... فإذا بعليّ قد جاء، فتعانقا. قالت خديجة: ولم أكن أجلس إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائماً، قالت: فما افترقا متعانقين حتّى ضربت عليّ قدماي"(11).

3. تصديقها المبكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب كثرة ذكره للسيّدة خديجة عليها السلام، فأجاب: "صدّقتني إذ كذّبني الناس،..."(12). لقد كانت السيّدة خديجة أوّل امرأة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل ورد أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بُعِثَ يوم الاثنين، وأنّ السيّدة خديجة عليها السلام آمنت في ذلك اليوم نفسه. وورد عن الإمام علي عليه السلام: "ما كان يصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غيري وغير خديجة"(13). 

4. مواساتها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمال: أكمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثه السابق: "صدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمال إذ حرمني الناس"(14). وثمّة تفسير لقوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ (الضحى: 8)، بمعنى: وجدك فقيراً، فأغناك بمال خديجة(15). لقد كانت السيّدة خديجة عليها السلام صاحبة ثروة كبيرة، فقد كانت تملك -فيما ورد– آلاف الإبل، ومئات الأواني من الذهب والفضّة وغير ذلك، وقد بذلت كلّ أموالها في سبيل دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى بقيت تنام هي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كساءٍ واحد لم يكن لها غيره.

5. حملها لمشكاة الأئمّة عليهم السلام: أكمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثه السابق: "صدّقتني إذ كذّبني الناس، وواستني بمال إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها"(16). لقد أكرم الله تعالى السيّدة خديجة بأن اختارها رحماً طاهراً للحوراء الإنسيّة السيّدة الزهراء عليها السلام، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لمّا عرج بي إلى السماء، أخذ بيدي جبرائيل عليه السلام فأدخلني الجنّة، فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي،... ففاطمةُ حوراء إنسيّة، فكلّما اشتقتُ إلى رائحة الجنّة شممتُ رائحة ابنتي فاطمة"(17).

وعندما هجرتها نسوة مكّة، كنَّ لا يدخلْنَ عليها، فاستوحشت خديجة عليها السلام لذلك، إلى أن "دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فسمع خديجة تحدِّث فاطمة عليها السلام، فقال لها: يا خديجة، من تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني. قال صلى الله عليه وآله وسلم: يا خديجة، هذا جبرائيل يخبرني أنّها أنثى، وأنَّها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنَّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها، وسيجعل من نسلها أئمّة، ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

فلم تزل خديجة عليه السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال، كأنّهنَّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ لمّا رأتهنّ، فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة، فإنّا رسل ربّك إليك، ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم، وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم أخت موسى بنت عمران عليه السلام، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء"(18).

6. اختيار بيتها للانطلاق في الإسراء: من مآثر السيّدة خديجة عليها السلام أيضاً أنّ الله تعالى اختار بيتها(19) ليكون مكان الانطلاق في إسراء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم موسِّعاً من المسجد الحرام ليضمّ بيتها إليه، فقال عزّ وجلّ: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾ (الإسراء: 1).

تلك خديجة سيدة نساء عصرها، وكانت أهلاً لتكون أمّ سيدة النساء قاطبةً، وجدةً لأوصياء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان حبّها رزقاً خاصاً.


1.صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، ج 7، ص 134.
2.بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 16، ص 8.
3.شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي، ج 3، ص 17.
4.الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 522.
5.روضة الواعظين، النيسابوري، ص 269.
6.الأمالي، مصدر سابق، ص 222.
7.مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 720.
8.منتهى الطلب، العلامة الحلّي، ج 2، ص 893.
9.الهداية الكبرى، الخصيبي، ص51-52.
10.الصلاة في الكتاب والسنّة، الشيخ الريشهري، ص 137.
11.مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، الكوفي، ج 1، ص 304.
12.روضة الواعظين، مصدر سابق، ص 269.
13.شرح أصول الكافي، المازندراني، ج 7، ص 144.
14.روضة الواعظين، مصدر سابق، ص 269.
15.بحار الأنوار، مصدر سابق، ج 16، ص 138.
16.روضة الواعظين، مصدر سابق، ص 269.
17.الأمالي، مصدر سابق، ص 546.
18.المصدر نفسه، ص 690-692.
19.المجموع، النووي، ج 9، ص 248.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع