مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الافتتاحية | ما أفضل أعمال شهر رمضان؟

الشيخ بلال حسين ناصر الدين


لو سُئل أشخاص متعدّدون ما الأعمال التي يمكن أن يقوموا بها في شهر رمضان، فقد يقول أحدهم: تلاوة القرآن، وربّما يقول آخر: التصدّق، وقد يقول ثالث: صلة الأرحام وبرّ الوالدين.

وبهذا، تتنوّع آراء الناس في ما يرونه عملاً جبّاراً وعظيماً عليهم أن يقوموا به في هذا الشهر الكريم، إيماناً منهم بأهميّة هذا العمل نفسه، وبأهميّة فعله في شهر رمضان خاصّة. وهذا كلّه حسن جميل؛ فتلاوة القرآن والتصدّق وصلة الرحم وغيرها من الأعمال الطيّبة كلّها أعمال مطلوبة ومندوبة، إلّا أنّه لا ينبغي الغفلة عن أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أرشدنا في خطبته الشهيرة في استقبال شهر رمضان أنّ أفضل الأعمال في هذا الشهر هو الورع عن محارم الله، حيث قال في جوابه على سؤال أمير المؤمنين عليه السلام: "ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ"(1)، فقوله صلى الله عليه وآله وسلم هذا إنّما يدلّنا على أنّ الورع كأنّما هو على رأس كلّ الأعمال وأجلّها، وأنّه منه تنطلق عزيمة الإنسان للالتزام بالأعمال الطيّبة والاستمراريّة فيها. ولكن لماذا خصّص الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم هذا الأمر بالأفضليّة في هذا الشهر من بين كلّ الأعمال؟

يمكن القول إنّ ذلك يعود أوّلاً إلى أنّ الورع عن محارم الله يمثّل الجامع لسمات الإيمان الحقيقيّ، بل هو الترجمة الفعليّة لهذا الإيمان، إذ قد لا يوصف المؤمن بالإيمان الحقيقيّ والمطلق إلّا إذا التزم سلوكيّاً بما يؤمن به. أو قد يوصف إيمانه بالإيمان غير الكامل طبقاً لأفعاله وأعماله؛ بحيث إنّه يؤمن بأنّ هذا الذنب أو ذاك حرام، لكنّه يرتكبه، فهو في هذه الحال لا يكون مؤمناً حقّ الإيمان بقبح هذا الذنب أو ذاك وإلّا لما أقدم على ارتكابه. من هنا، فإنّ الورع، الذي هو الامتناع عن الإقدام على المعصية، إنّما هو علامة الإيمان الحقيقيّ والواقعيّ لدى الإنسان. 

أمّا الأمر الآخر الذي يعدّ سبباً من أسباب هذه المكانة للورع عن محارم الله، فهو أنّه بمثابة الخطوة العمليّة في عمليّة تهذيب النفس وتربيتها، فمن يمنع نفسه -مثلاً- عن النظر الحرام أو أكل المال الحرام من ربا وغيره في شهر رمضان، ولو كان ذلك بصعوبة وجهد، سوف يفتح الله له طريق المعونة على ترك ذلك الذنب بشكلٍ نهائيّ؛ فالحسن عادة والسوء عادة، كما يقولون، ومن اعتاد شيئاً سلكت به طرق أيّامه القابلة مسلكه. 

من هنا، فالمذنب العاصي، إذا ما وضع نصب عينيه نيّة الإقلاع في شهر رمضان عمّا يرتكبه من ذنوب مهما كانت متجذّرة في نفسه، فإنّه لا محالة سيكسر تجذّرها هذا، وسوف يتلاشى حديث نفسه بارتكابها شيئاً فشيئاً حتّى يكاد ينساها، وتصبح لديه ملكة الورع راسخةً حينها، فكيف إذا كان ذلك الامتناع مقروناً بأعمال جليلة أخرى، كالصيام وتلاوة القرآن وغير ذلك من أعمال الخير؟ فلا محالة سيضفي المرء حينها على روحه ونفسه صبغة معنويّة تجلّله في كلّ حركة منه وسكنة.

1.الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 155.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع