مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

التعبئةُ...ثقافةُ حياة- مقابلة مع سماحة السيد هاشم صفي الدين


حوار: الإعلاميّ حسن سليم


يقول سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله: "قد يكابد عالِم أو طالب علم عشرين عاماً أو حتّى أربعين أو خمسين عاماً؛ ليصل إلى الله عزّ وجلّ وإلى العرفان الحقيقيّ، بينما التعبويّ يمكنه أن يصل إلى هذه المقامات العظيمة بخمسة عشر أو عشرين يوماً في ميدان الجبهة والقتال وتحمّل المسؤوليّة".

عن السرّ الذي يحمله العمل التعبويّ في تنمية روح الحياة، واتّصال الشباب بالله، كان هذا الحوار مع رئيس المجلس التنفيذيّ في حزب الله، سماحة السيّد هاشم صفي الدين، بمناسبة إطلاق أسبوع العمل التعبويّ. وفي ما يأتي تفاصيل هذا الحوار.

- لماذا طلب الإمام الخميني قدس سره تأسيس التعبئة؟ ومن هو التعبويّ؟
ممّا لا شكّ فيه أنّ أحد أهمّ الإسهامات التي قدّمها الإمام الخمينيّ قدس سره للأمّة الإسلاميّة بعد انتصار الثورة المباركة في إيران هو التعبئة، تعامل معها الإمام قدس سره منذ اليوم الأوّل على أنّها مسؤوليّة تنطلق من توجيهات القرآن الكريم: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى﴾ (سبأ: 46). وهذا يعني أنّ هذه المسؤوليّة تقع على عاتق المجتمع ككلّ، أي عامّة الناس الذين يعتقدون أنّهم ينتمون بعقيدتهم وفكرهم وثقافتهم وشعاراتهم وأهدافهم إلى هذا الإسلام المحمّديّ الأصيل. التعبويّ هو إنسان ثوريّ يحمل الحماسة والروح الجهاديّة، ولكن هذا لا يكفي؛ إذ يجب أن يلتزم بالمسؤوليّة الشرعيّة، وبتعاليم الوليّ القائد، وبكلّ ما هو مطلوب من أجل الدفاع عن الدين والأمّة انطلاقاً من قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (المائدة: 56).

- ما هي ضرورة وجود العمل التعبويّ؟
العمل التعبويّ هو ضرورة لازمة بالنسبة إلينا. قد عبّر سماحة الإمام الخامنئيّ دام ظله أكثر من مرّة، بأنّ هذه الفكرة الإبداعيّة والابتكاريّة للإمام الخمينيّ قدس سره هي أمر ضروريّ لتبقى الأمّة حيّة وحاضرة. ويعتبر سماحته أيضاً أنّ التعبويّين هم حفظة هذا الدين، وأنّهم الذين يتحمّلون الأعباء الكبرى التي ينوء بحملها الآخرون. وهذا يعني أنّهم خطّ الدفاع الأوّل والأخير عن هذه الثورة والمقاومة والأهداف والقضايا. والتعبويّ لا يتعب ولا يكلّ ولا يملّ، ويتطلّع دائماً للإقدام والعطاء والمثابرة، ولا ينتظر أيّ مقابل. فحينما يتحدّث الإمام الخمينيّ قدس سره عن هموم الناس، يقول: "إذا صدر أيّ خطأ أو انحراف أو ضعف من المسؤولين -لا سمح الله- أو إذا قصّرت النخب السياسيّة أو الاجتماعيّة أو غيرها في تحمّل مسؤوليّاتها، فإنّ التعبويّين هم من يصحّحون المسار". وهذا يعني أنّهم الحصن والأمن والأمان والطريق الممهّد للسلام الموعود لكلّ المستضعفين.

من هنا، فإنّ التعبئة هي فكرة شاملة، تسعى إلى تشكيل جيش المستضعفين في العالم الإسلاميّ كلّه، والجميع في هذا العالم مدعوٌّ ليكون في عِداد التعبويّين المجاهدين الثوريّين الحماسيّين؛ لأنّ جوهر الإسلام يكمن في العمل التعبويّ، وكذلك روح الالتزام بالولاية والنهوض والثورة والمقاومة.

- يُصرّح الإمام الخامنئي دام ظله أنّ قدوة الشباب في لبنان هم المجاهدون والشهداء أصحاب الروح التعبويّة، كيف ارتبطت نشأة حزب الله في لبنان بالروح التعبويّة؟
بداية حزب الله هي بداية تعبويّة، أي أنّ المجموعات الأولى التي تشكّلت هي مجموعات من المجاهدين الذين حملوا السلاح للدفاع عن أرضهم وأعراضهم ومقدّساتهم، ومن الاستشهاديّين الذين قدّموا أرواحهم في سبيل الله عزّ وجلّ. وقد تشكّل حزب الله في المعسكرات والدورات العسكريّة والثقافيّة حاملاً هذه الروح الحسينيّة، وهذا العشق للإمام صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف والوله به. وقد تجلّى التشكيل التعبويّ في المواقع المختلفة والمتعدّدة على مدى السنوات الماضية إلى يومنا هذا. وإنّ أحد أهمّ أسباب توفيقات حزب الله وانتصاراته وعظمته وصموده وحصانته أنّه اعتمد على هذا الفكر التعبويّ؛ فهو يبني أفراده ليكونوا تعبويّين يتحلّون بروحيّة الإقدام والتضحية والبذل. وإنّ الروحيّة الجهادية والتعبوية هي التي صنعت هذه المقاومة وكلّ انتصاراتها الكبيرة.

يفخر حزب الله بأنّه حزب تعبويّ بكلّ مجموعاته وفصائله وتشكيلاته ووحداته ومؤسّساته. وهذا من أبرز عوامل الأمان والتحصين للمستقبل، وسبب البشرى تلو البشرى. بعض الناس تُدهشهم حالة الثقة والقوّة التي يكون عليها سماحة الأمين العام (حفظه الله)، عندما يتحدث دائماً عن النصر المكتوب على جبين المقاومة الإسلاميّة، ونقول لهم: إنّ مصدر هذه القوّة ثقته بالتعبويّين وبروحيّتهم وبثقافتهم وبتجربتهم التي تتربّى عليها الأجيال جيلاً تلو آخر.

أعتقد أنّ مسار التعبئة في حزب الله لم يتبدّل منذ البداية إلى اليوم، بدليل أنّه لو لم يكن كذلك لما أمكننا أن نصل إلى كلّ ما وصلنا إليه من توفيق وتسديد. وإنّ كلّ البركات التي نحن فيها هي بفضل الروح التعبويّة عند الرجال والنساء وعوائل الشهداء والجرحى والأسرى وكلّ المضحّين. ومع ذلك، وبعد مضيّ سنوات طويلة، ونتيجة التحدّيات الكثيرة في هذا العصر، قد تتعرّض هذه الروحيّة لاختلال ما أو استهداف أو ضعف، وهذا ما يتطلّب منّا بذل جهود أكبر من أجل الحفاظ على ما حقّقناه لأجل ضمان المستقبل، وأن نحمي هذه الروحيّة ونحافظ عليها، ونعرّف الجيل الجديد كيف تكوّنت، حتّى يسير على النهج نفسه، وأن نعمّم ثقافة التعبئة ونعمّقها في القلوب والنفوس؛ لنستمرّ في تخريج أعداد كبيرة وهائلة من التعبويّين، وهذا قد تحقّق بحمد الله عزّ وجلّ.

- من أين يستلهم التعبويّ المعايير التي تحدّد دوره في المجتمع؟ وبمَ يتميّز عن غيره؟
المعايير يحدّدها الإسلام، من خلال الدفاع عن الدين، وتحمّل المسؤوليّة تُجاه الأمّة، والإقدام والمثابرة. أمّا ما يُميّز التعبويّ عن غيره، فهو أنّه إنسان لا يتعب ولا يكلّ ولا يملّ، ولا ينتظر أن يدفعه الآخرون إلى القيام بواجبه، بل يبادر بنفسه للقيام بذلك. التعبويّ متطوّع ومقدام للدفاع عن الدين، وهو صاحب بصيرة، يعرف كيف يشخّص الأمور ويحدّد المطلوب منه، طبعاً بالرجوع إلى القيادة الحكيمة. التعبويّ يحمل روحاً جهاديّة عالية، مستعدٌّ للتضحية بشكلٍ دائم في سبيل الله. ومن سماته التواضع لأنّه لا يطلب مكسباً ولا منصباً ولا جاهاً، بل غاية ما يطلبه هو رضى الله عزّ وجلّ، والشهادة ذوداً عن الدين والقيم الإسلاميّة. كلّ هذه المعايير تكوّن الفرد التعبويّ وتجعل الأمّة في سياق حركة دائمة لإنتاج هؤلاء التعبويّين؛ للاعتماد عليهم في تحديد مصيرها. أمّا على مستوى مقاومتنا في لبنان، فهؤلاء التعبويّون الذين حملوا هذا الفكر وهذه العقيدة، كانوا منشأ الخير كلّه، والأهمّ من ذلك، أنّ هدفهم أن يكونوا جنوداً مخلصين لصاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وممهّدين لدولته. ومن يكون لائقاً بهذا المقام، لن يتخلّى عنه أبداً ولن يستبدله بمباهج الدنيا ومناصبها كلّها.

- تحتاج الروحيّة التي يتحلّى بها الشابّ التعبويّ إلى دعائم تعزّزها وتطوّرها. ما هي أبرز هذه الدعائم؟
أهمّها العقيدة، وهي منشأ الانخراط في العمل التعبويّ بمعناه الواسع؛ فحينما تكون العقيدة محرّكاً، ويكون الإيمان دافعاً، فالتعبويّ يملك قوّةً كافية. وهذه القوّة تحتاج إلى تحصين وحماية وسلامة على مستوى النفس والسلوك وتحديد الخيارات والأولويّات، لكنّ الأهمّ وجود القيادة التعبويّة التي تحمل هذا النفس، التي تتصدر صفوف التعبويّين في التضحية والمعرفة ورفع هذه الشعارات وتطبيقها. عندها تبعث القيادة في النفوس القدرة على التحمّل والصبر.

- ما هو الهدف الاستراتيجيّ الذي تطمحون للوصول إليه من خلال إطلاق أسبوع العمل التعبويّ؟
الهدف الأساسيّ بالنسبة إلينا هو أن نعطي لمفهوم التعبئة العناية والرعاية والمتابعة اللازمة وما يحتاجه من برامج الثقافة والمعرفة، وأن نفتح الأبواب أمام الأجيال الجديدة لتثبيت الروحيّة التعبويّة في ثقافتهم ووعيهم، ليكونوا قادرين على تحمّل التحدّيات التي تنتظرهم في القادم من الأيّام، بالتالي، تحقيق الانتصارات والإنجازات.

- إذا كان مفهوم العمل التعبويّ بهذه السعة، فما هو ميدان العمل التعبويّ في حزب الله؟
التعبئة بمعناها العام تشمل كلّ متفرّغ ومتقاعد، وكلّ جمعيّة أو أيّ إنسان متطوّع يعمل في أيّ موقع كان رجلاً أو امرأة، كلّ من ينتمي إلى هذه المسيرة عقيدةً ومعرفةً والتزاماً وسلوكاً هو تعبويّ، فالعمل التعبويّ ليس مقتصراً على فئة دون أخرى أو على جهة دون أخرى. نعم، مقتضيات العمل تستلزم التعدّد والتنوّع؛ فتارةً نحتاج إلى مقاتلين، فيكون للعمل التعبويّ صفة التشكيل القتاليّ، وتارةً أخرى تكون التعبئة في خدمة الناس والمجتمع فتمارس دوراً خدماتيّاً واجتماعيّاً، أو قد يتطلّب الأمر من بعض أفرادها التخصّص في المهن الحرّة في مجالات صناعيّة وزراعيّة وغيرها. ولا ننسى الحضور في المساجد والحسينيّات؛ لأنّ التعبويّ هو ابن المسجد، بحيث يشارك في الأدعية والمناسبات الدينيّة والجهاديّة في مختلف المدن والقرى، حسب الحاجات والمقتضيات. إنّ ميزة العمل التعبويّ أنّه يمتدّ إلى مجالات كثيرة ومتنوّعة، ولكنّ ما يربط كلّ هذا الامتداد بعضه ببعض هو روحيّة خاصّة؛ فحينما تكون في الجبهة تكون تعبويّاً إذا تحلّيت بروحيّة العطاء والإخلاص والبذل، كذلك إذا كنتَ عاملاً في مصنع ما أو تمارس عملاً خدماتيّاً أو اجتماعيّاً، أو طالباً في الثانويّة أو الجامعة، تكون تعبويّاً إذا حملت هذه الروحيّة، والقيمة المعنويّة التي يستمدُّ العمل التعبويّ منها قيمته.

- ذكرتم أنّ الاعتقاد بالولاية من الأمور الأصيلة للحركة التعبويّة، فما مدى تأثيرها؟
التعبويّ يُطيع الوليّ وينفّذ ما يطلبه منه مباشرةً ودون أيّ تردّد، إيماناً واعتقاداً بأنّ طاعة الوليّ ترضي صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وتوصل المُكلّف إلى آخرة سليمة وسعيدة، رغم كلّ الأثقال والأعباء، وهذه ميزة العمل التعبويّ. لذا، لا شكّ في أنّ المتردّد في القيام بالتكاليف يجب أن يُصحّح انتماءه التعبويّ.

- هل من كلمة أخيرة توجّهونها للشباب عامّة وللتعبويين خاصةً؟
ندعو شبابنا إلى أن ينخرطوا جميعاً في العمل التعبويّ، كلّ من موقعه ومكانه وعمله ومسؤوليّته الفرديّة والشخصيّة والأسريّة والاجتماعيّة. هذا الباب متاح ومفتوح لكلّ الناس. والأهمّ أن يكون التعبويّ راضياً ومستعدّاً للتضحية والعطاء. هذه هي التعبئة التي أرادها الإمام قدس سره . وأسأل الله تعالى أن أكون منهم وأن أوفّق لأكون خادماً معهم لهذه المسيرة، وهذه نعمة كبيرة، وأن يوفّق كلّ إخواني وأحبّائي التعبويّين، وأن يكونوا ممّن يعتقدون بهذه القيم؛ لأنّ خير الدنيا والآخرة هو في أن يحافظ الإنسان على روحيّته التعبويّة ومسلكه وتواضعه وحضوره في المسجد، وأن يكون مستعدّاً للحضور في الجبهات حينما يتطلّب الأمر ذلك، ويكون في خدمة الناس ففي ذلك رضى الله سبحانه وتعالى.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع