مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقابلة: الإمـام عجل الله تعالى فرجه وصناعة الشباب الواعي


لقاء مع سماحة الشيخ محمّد جعفر الطبسي
حوار: هيئة التحرير


نتوق إلى اليوم الذي تمتدّ فيه صروح العدل المهدوي، ويبسط سلطانه على الأرض، حين يصبح ذلك الأمل المؤمّل واقعاً، حين تظهر الغرّة المباركة، وحين يتم توفّر الناصر القويّ، الذي خضع لتربية مهدوية راسخة.

عن قوّة الناصر والمعين، عن الشباب أنصار المستقبل والممهّدين لدولة آخر الزمان، دولة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، عن المسؤوليّة المرتبطة بهم، والآمال المعقودة عليهم، كان هذا الحوار مع المحقّق وأستاذ السطوح العليا في الحوزة العلميّة في قم المقدّسة، سماحة الشيخ محمّد جعفر الطبسيّ (حفظه الله).

* يسرّنا في البداية أن نرحّب بالأستاذ الفاضل، وأن نشكركم على تلبية دعوتنا لهذا اللقاء المبارك. يروى أنّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف سوف يخرج على هيئة شابّ أربعينيّ. ما سرّ ذلك؟ وإلى أيّ مدى يرتبط شبابه بحركته؟
ورد في بعض الروايات أنَّه حينما يظهر الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، سيكون في عمر إنسانٍ شابّ. وبعض الروايات تقول إنّ عمره عجل الله تعالى فرجه الشريف سيكون أربعين عاماً. كما تعلمون، فإنّ سنّ الشباب هو سنّ النشاط والتحوّل في أعمال الإنسان، ولعلّ السرّ في ذلك أمران: الأمر الأوّل، وكأنّ الباري سبحانه وتعالى يريد أن يبيّن قدرته تعالى في الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ فيُرجعه على هيئة شابّ، كأنّما ما مرّ الزمان عليه. والأمر الثاني، أنَّ دولته عجل الله تعالى فرجه الشريف هي دولة التغيير والتبديل، فحينما يظهر عجل الله تعالى فرجه الشريف، سيغيّر الأحوال والأوضاع، بحيث يخضع كلّ شيء له. بعض الروايات تذكر أنّ الأرض تخرج بركاتها له، وهذا يعني أنَّ الأرض لم تخرج كلّ بركاتها إلى الآن. وتذكر روايات أخرى أنّ أهل السماء يفرحون لظهوره، وحتّى الطير في الجوّ يرضى بخلافته. والجدير بالذكر أنّ أصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، كما هو مشهور، ثلاثمائة وثلاثة عشر، وأكثرهم من الشباب، ما يعني أنَّ العدالة الإلهيّة تقوم ببركة الشباب الذين يطوفون حول الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. طبعاً، لا نستطيع الجزم بذلك لأنّه احتمال.

* ما هي خصائص هذه الحركة العالميّة المباركة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف التي لا تنحصر بدولةٍ معيّنة أو بأمّة معيّنة دون أخرى؟
تقول الروايات الواردة عند الشيعة والسنّة أنَّ الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يظهر ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، فما معنى الأرض هنا؟! هذه الأرضيّة التي هيّأها الله سبحانه وتعالى للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف لم تتهيّأ لأيّ نبيّ من الأنبياء عليهم السلام. وورد في حديثٍ عن الإمام الباقر عليه السلام، وهو يفسّر قوله تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعًا﴾ (البقرة: 148) أنّه قال: "يعني أصحاب القائم الثلاثمائة والبضعة عشر رجلاً، وهم والله الأمّة المعدودة، يجتمعون في ساعة واحدة، قزع كقزع‏ الخريف"(1). ما معنى قزع كقزع‏ الخريف؟ يعني أنّ الله سبحانه وتعالى يهيّئ أسباب الظهور في جميع أنحاء العالم في لحظةٍ واحدة. إضافةً إلى ذلك، فهو خلاصة الأنبياء والأوصياء، فقد ورد في بعض الروايات أنَّ الباري سبحانه وتعالى جمع فيه عجل الله تعالى فرجه الشريف جميع صفات الأنبياء عليهم السلام. والمستفاد من ظواهر الروايات أنَّه عجل الله تعالى فرجه الشريف تجلٍّ وظهورٌ لكلّ هذه الكمالات التي كانت في مائة وأربعة وعشرين ألف نبيّ وغيرهم من الأوصياء عليهم السلام، فجمعها الله تعالى كلّها في رجلٍ واحدٍ هو الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* يعدّ جيل الشباب من أبرز العاملين في طريق التمهيد للظهور المبارك. فما هي أكثر المعارف المهدويّة التي تهيّئهم لخدمة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
إنّ المباحث التي ترتبط بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كلّها مهمّة ومحوريّة، ولكن أهمّها الاعتقاد بولادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ وأنّه حيٌّ يرزق. كما يجب معرفة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ولا نقصد هنا المعرفة الباطنيّة؛ لأنّنا لا نستطيع أن نصل إلى كنه ذلك، بل المراد هو المعرفة الظاهريّة، ثمّ يأتي الاعتقاد الحقيقيّ أن ولايته ولاية تكوينيّة. ولا ننسى الالتزام بالسلام عليه عجل الله تعالى فرجه الشريف، فنقول: "السلام عليك حين تقعد، السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقرأ وتبين، السلام عليك حين تصلّي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام عليك حين تكبّر وتهلّل، السلام عليك حين تحمد وتستغفر، السلام عليك حين تمسي وتصبح"(2)، وبذلك يمكن لكلّ إنسان أن يشيّد هذه العلاقة بإمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* يؤكّد الامام الخامنئيّ دام ظله على أهميّة جهاد التبيين. فكيف يمكن أن يستفيد الشباب من العقيدة المهدويّة للمساهمة في جهاد التبيين؟
بعد تحقيق المعرفة الظاهريّة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، يجب استغلال هذه المعرفة في التحدّث مع الشباب الذين لديهم الكثير من الأسئلة حول المسائل المهدويّة ويتعطّشون للحصول على إجابات عنها. ويمكن كذلك القيام بجهاد التبيين في قضيّة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من خلال تبيين المفاهيم المهدويّة والحقائق المرتبطة بها، وذلك بالاستعانة بالكتب المعتبرة والروايات القويّة المؤكّدة، ومن هذه الكتب نذكر: كتاب "كمال الدين وتمام النعمة" للشيخ الصدوق رحمه الله، الذي ألّفه قبل ألف عام، وكتاب "الإمامة والتبصرة" لوالد الشيخ الصدوق رحمه الله، الذي عاش في زمن الغيبة الصغرى، وكتاب "الغَيبة" للشيخ الطوسي رحمه الله، وغيرها. فعلى الشباب أن يُقبلوا على مطالعة هذه المصادر.

* كيف يُمكن للشباب المؤمن أن يجعل مسألة الايمان بالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وبالقضيّة المهدويّة محرّكاً لهم ليتقدّموا ويتطوّروا على الأصعدة كافّة، وحتّى يكونوا ممهّدين حقيقيّين؟
إنّ مسألة التقدّم والتطوّر نحو الأمام ينبغي أن تكون على جميع الأصعدة؛ فإذا أفنى الشابّ عمره في طاعة الله عزّ وجلّ، وفي إتيان الواجبات وترك المحرّمات والمعاصي، يستطيع أن يتقدّم نحو الأمام، وإلّا يبقى في ظلام دامس. ومن يعصي الله تعالى في عصر الغيبة الكبرى، لا خير في حياته كلّها. ولا ينبغي أن ننسى رواية الإمام الصادق عليه السلام التي تقول: "لا خير في لذّة من بعدها النار"(3). باختصار، لكلّ من يسأل: "ما هي واجباتنا في عصر الغيبة الكبرى؟"، أقول لهم: اتركوا المعصية، فبذلك تصلون إلى قمّة المعارف المهدويّة، واحذروا من أوكار الشيطان التي باتت كثيرة في عصرنا الحاليّ، وصلّوا الصلاة في أوّل وقتها، فإنَّ هذا الأمر يُفرح قلب إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهذّبوا أنفسكم، فإنَّ تهذيب النفس في عصر الغيبة الكبرى أمرٌ مهمّ للجميع، وخصوصاً للشباب؛ فإذا ما هذّب الإنسان نفسه، سوف يصير على سلّم الارتقاء نحو تلك المقامات المعنويّة، ويصل إلى ما يريده، فالله تعالى يقول: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ (الطلاق: 2-3). هذا من الجانب المعنويّ، أمّا من الجانب المادّيّ، فعليكم بالتعلّم، والعمل، والنشاط، وعدم الكسل.

* من المعلوم أنّ من يرتكب خطأً أو ذنباً عليه أن يستغفر الله ويتوب منه. ولكن لو لم يتحقّق ذلك في عصر الغيبة، هل تُقبل التوبة بعد ظهور الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
المستفاد من ظواهر الآيات القرآنيّة والنصوص المرويّة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام، أنَّ باب التوبة مفتوحٌ أمامنا دائماً، وما هو متاح في عصر الغيبة، سيكون كذلك في عصر الظهور. ففي الحديث أنّ "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"(4). والرواية هذه لم تقيّد التوبة بزمان محدّد، ما يعني أنَّ هذا الباب الذي فتحه الباري عزّ وجلّ أمام الجميع يبقى مفتوحاً دائماً ولا يُغلق حينما يظهر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. ومن الطبيعيّ أنّ من تاب قبل الفتح ليس كمن تاب بعده. ولكن لا ينبغي أن ننسى أنَّهُ من شدّة رحمة الله تعالى، فإنَّ إبليس الرجيم يطمع يوم القيامة برحمته، وهذا معناه أنّ الرحمة الإلهيّة واسعة.

والمطلوب من التوبة أن تكون توبة نصوحة، وهو ما أشارت إليه الروايات؛ والتي تعني التوبة من الذنب وعدم العودة إليه، ما يدلّل باعتقادي، أنّ الله التوّاب الغفور الرحيم، يريد من خلال تلك التوبة النصوح أن يسدّ باب نشر المعصية بين الناس، وذلك بعدم العودة إلى الذنب أو المعصية مجدّداً. وهنا، على الشابّ المنتظر، أن يلتفت إلى أنَّهُ عندما يعصي ويُذنب، فإنَّ إمام زمانه عجل الله تعالى فرجه الشريف يشهد بذلك، إذ إنّ أعمال العباد تُعرض على الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مرّتين في الأسبوع، يوم الاثنين ويوم الخميس، بحسب الرواية التي نقلها المرحوم الشيخ عبّاس القمّيّ رحمه الله. فإذا أيقن الشابّ أنّ أي ذنب يذنبه هو في محضر الله تعالى وفي مرأى من صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن الطبيعيّ أن يشعر بالخجل إزاء ذلك.

تشير الروايات والنصوص إلى أنّ ثمّة نحو خمسين امرأة من بين قادة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الثلاثمائة والثلاثة عشر. ما هو برأيكم دور المرأة المؤمنة والمجاهدة سواء في عصر الغيبة أو ما بعد الظهور؟
طبعاً، نحن لا نفرّق بين المرأة والرجل على مستوى تهذيب النفس. أمّا وجود خمسين امرأةً من بين أنصار الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيدلّ على دور المرأة المهمّ في حركة الظهور، مثلما كان لها دورها في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. كما تتحدّث بعض الروايات عن النساء اللاتي يرجعن في الرجعة مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. وهنا، أنقل لكم هذه الرواية المسندة عن المفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "يُكَرُّ مَعَ‏ الْقَائِمِ‏ عليه السلام ثَلَاثَ عَشْرَةَ امْرَأَةً. قُلْتُ: وَمَا يَصْنَعُ بِهِنَّ؟ قَالَ: يُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيَقُمْنَ عَلَى الْمَرْضَى، كَمَا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم. قُلْتُ: فَسَمِّهِنَّ لِي. فَقَالَ: الْقِنْوَاءُ بِنْتُ رُشَيْدٍ، وَأُمُّ أَيْمَنَ، وَحَبَابَةُ الْوَالِبِيَّةُ، وَسُمَيَّةُ أُمُّ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَزُبَيْدَةُ، وَأُمُّ خَالِدٍ الْأَحْمَسِيَّةُ، وَأُمُّ سَعِيدٍ الْحَنَفِيَّةُ، وَصُبَانَةُ الْمَاشِطَةُ، وَأُمُّ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّةُ"(5).

فإذاً، للمرأة مقام ودور عظيم في القضيّة والنهضة المهدويّة، وعليها أن تعمل وتجدّ لتحقيق ذلك، من خلال زيادة المعرفة بإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وتهذيب النفس، والالتزام بما يأمر به الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

ختاماً: جزيل الشكر لسماحة الشيخ لتلبيتكم دعوتنا، على أمل أن نوفّق دائماً للقائكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- الشيخ الكليني، الكافي، ج 8، ص 313.
2- الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 316.
3- الشيخ الصدوق، الأمالي، ص 587.
4- الشيخ الكليني، مصدر سابق، ج 2، ص 435.
5- الطبري، دلائل الإمامة، ص 484.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع