مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أخلاقنا: كيف نحمي قلوبنا؟(*)


الشهيد السيّد عبد الحسين دستغيب


يتصوّر بعض الناس، أنّه نتيجة قلّة العلم، تصبح الذنوب القلبيّة أموراً غير اختياريّة، ويقولون إنّ الحيلولة دونها ليست في وسع البشر. وبناءً عليه، فهي ليست مورداً للتكليف والعقاب الإلهيّين. وذهب بعض آخر في قوله إنّ الذنوب القلبيّة هي أمور أخلاقيّة، وحرمتها الشرعيّة غير معلومة. ولكن، ما هي صحّة هذه الأفكار؟

•كيفيّة التعامل مع الخواطر

يتصوّر القائلون بهذا الكلام أنّ الذنوب القلبيّة هي تلك الخواطر النشاز التي تخطر على قلب الإنسان دونما اختيار منه، ولا يستطيع منعها؛ فلا تكون هذه الخواطر مورداً للتكليف والعقاب.

في الحقيقة، إنّ الذنوب القلبيّة هي غير الخواطر، بل هي الأمور الثابتة في القلب، ويستطيع الشخص أن لا يدعها تستقرّ في قلبه، أو يستطيع إخراجها منه إذا كانت مستقرّة فيه. وفي ما يأتي بعض الأمثلة:

1. سوء الظنّ
مثلاً: إذا رأيتَ شخصاً مسلماً واقفاً في دكّان بيع الخمر، يخطر في قلبك أنّ هذا الشخص شارب خمر ويريد شراءه؛ هذه الخاطرة قهريّة وبدون إرادتك، ولكن بعد خطورها، تستطيع أن تفسح لها مجالاً في قلبك، وتسيء الظنّ بذلك الشخص وتعدّه فاسقاً، فتكون قد ابتليتَ بذنب قلبيّ هو ظنّ السوء بالمسلم. ولكنّك تستطيع أيضاً أنّ تعدّ –فوراً– هذه الخاطرة من الشيطان، فتحمل فعل المسلم على محمل حسن، كأن تقول: "لعلّ له عملاً آخر، أو لعلّه يريد أن يرى أحداً هناك"، وأمثال ذلك، ولا تدع شيئاً يستقرّ في قلبك.

2. الحسد
إذا رأيتَ نعمةً جديدةً على شخص، فيمرّ في خاطرك حسداً: "بمَ استحقّ هذا نعمة كهذه؟!". إذا أدركتَ فوراً أنّ هذه الخاطرة من الشيطان وأبعدتها عنك بنور الإيمان والعلم، وقلت لنفسك: "هذه النعمة أعطاها له الله، وقد رأى سبحانه المصلحة في ذلك"، فلا شيء عليك هنا، وتُغفر لك هذه الخاطرة. أمّا إذا جعلتَ تلك الخاطرة تستقرّ في قلبك بأمنية أخذ هذه النعمة من ذلك المسكين، فهنا قد ابتليتَ بذنب قلبيّ هو الحسد.

3. الحقد
أو مثلاً: إذا استأتَ من قول شخص أو فعله، فإنّك تشعر بأذى، وهنا، تستطيع إمّا أن تُعرض عن هذا الأذى وكأنّ شيئاً لم يكن، أو أن تقتصّ بالمثل؛ فإذا سمحتَ لعداوته بالاستقرار في قلبك وتصدّيتَ للانتقام منه بأكثر ممّا نالك منه، فهنا تُبتلى بالذنب القلبيّ، وهو الحقد وبغض المسلم.

إنّ الأمثلة الثلاثة: سوء الظنّ، والحسد، والحقد أشياء ثابتة في القلب، وهي تقع تحت الاختيار حدوثاً وبقاءً؛ أي إنّ الشخص يستطيع أن لا يدعها تستقرّ في قلبه، وبعد الحدوث، يستطيع أن يتخلّص منها. أمّا الخاطرة الابتدائيّة –لأوّل وهلة– فحتّى إذا كانت ممعنة في السوء، فلأنّها ليست اختياريّة، فلا إثم عليها.

•المرض القلبيّ والكفر
يعمل بعض المسلمين ببعض تعاليم القرآن الكريم، مثل الصلاة والصوم، ويُعرضون عن سائر تعاليمه، ومع ذلك، يعدّون أنفسهم أصحاب القلب السليم، معتقدين أنّ العذاب والعقوبة على الأمراض النفسيّة يختصّان بالكفّار فقط، وهكذا يسيطر عليهم الغرور، ويخيّم عليهم الجهل. 

سبب هذا التفكير الخاطئ يعود إلى أنّهم يتصوّرون أنّ مرض القلب هو الكفر فقط، في حين أنّ الكفر هو واحد من الأمراض الروحيّة، وثمّة أمراض أخرى يمتلئ القرآن الكريم بتعاليم معالجتها. ففي الحقيقة، إنّ مرض القلب يجتمع مع الإيمان؛ أي من الممكن أن يكون الشخص مؤمناً، ولكنّه قد يُبتلى بالأمراض النفسيّة الأخرى. 

•الظواهر والبواطن

يبتلى القلب، إذا كان خالياً من نور الإيمان، بأمراض يعبّر عنها القرآن الكريم بالعمى والصمم والبكم؛ أي أنّ هؤلاء قلوبهم صمّاء عن سماع الحقّ، وألسنتهم بكماء عن قول الحقّ، وأعينهم عمياء عن رؤية الحقّ.

قال تعالى: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى﴾ (عين قلبه عمياء)، ﴿فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى﴾ (الإسراء: 72). ويستفاد من هذه الآية وغيرها أنّ الظواهر في الآخرة تكون على طبق البواطن. 

إذاً، الشخص الذي لا يرى في الدنيا آيات الله بعين القلب، ولم يصدّق بالحقّ، ولم يعقد قلبه عليه، فهو لن يرى الله في الآخرة؛ أي لا عين له ليرى. والشخص الذي لم يسمع في الدنيا كلام الحقّ بأذن قلبه، فسوف لن يسمع غداً النغمة المحبّبة للجنّة وأهلها.

•الأموات الحقيقيّون
وقد عبّر القرآن أيضاً عن الذين لا إيمان لهم بالأموات: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ (النمل: 80). ويجب أن نعلم أنّ الإيمان بالنسبة للنفس بمنزلة الغذاء المناسب للبدن؛ فكما أنّه إذا لم يتناول الإنسان الغذاء المناسب تضعف جميع قواه النباتيّة والحيوانيّة وتتعطّل، ويؤدّي ذلك في النتيجة إلى الموت، كذلك النفس التي لا إيمان فيها، تُبتلى بالأمراض النفسيّة، ونتيجةً لذلك، تضعف إنسانيّتها، وتصبح محرومةً من الحياة الطاهرة والروحانيّة، وهكذا حتّى تخرج من عالم الإنسانيّة وتبتلى بالهلاك الدائم والموت الأبديّ.

•موت النفس بداية العذاب

ثمّة فرق كبير بين موت الجسد وموت النفس: موت الجسد هو نهاية الابتلاءات والآلام الجسديّة التي تصيب الإنسان، ولكنّ موت النفس هو بداية المعاناة من الآلام الموجودة فيها، وبداية الابتلاء بالطبائع القبيحة التي كسبتها، كما يقول تعالى: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ (الأعلى: 13). 

فليُعلم جيّداً، أنّ ثمّة حياة أخرى طاهرة غير الحياة الحيوانيّة، وعلى الإنسان أن يسعى للحصول عليها، وقد عُبّر عن ذلك في الروايات بـ(روح الإيمان)، وصاحبها يكون في أمن وسلامة دائمَين غير مشوبَين بالخوف والاضطراب، ويكون أيضاً في سعادة وسرور دائمَين لا حدّ لهما.


(*) مقتبس من كتاب: القلب السليم، الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب، ج1، ص46-50.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع