مع الإمام الخامنئي | كلّنا مَدينون للنبيّ الأعظم* نور روح الله| هكذا كانت حياة الرسول* مع إمام زماننا | حين تزفّ السماء نبأ الظهور (2): في مكّة السيّد محسن شهيداً على طريق القدس مقاومتُنا بعينِ الله صُنعت حاجّ محسن! إلى اللقاء عند كلّ انتصار* أبو طالب: قائدٌ في الميدان والأخلاق المقاومة الإسلاميّة: ثقافتنا عين قوّتنا الشهيد على طريق القدس بلال عبد الله أيّوب تسابيح جراح | جراحاتي لا تثنيني عن العمل

حُذيفة اليمان: اختار النصرة على الهجرة

ظافر قطيع


هو الصحابي الجليل حذيفة بن حسيل اليمان. وإنما قيل اليمان لأن حسيل بن جابر أصاب دماً في قومه فهرب إلى المدينة وحالف بني عبد الأشهل من الأنصار، وكانوا من اليمن، وأمه امرأة من الأوس من بني عبد الأشهل واسمها الرباب 1.
هاجر حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم معلناً إسلامه فخيّره الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بين الهجرة والنصرة فاختار النصرة. ومعنى النصرة أنه إمّا أن ينتقل إلى المدينة فينضم إلى جماعة المسلمين حربُه حربُهم وسلمهُ سلمُهم أو أن يبقى حيث هو وله من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينصره إن اعتُدي عليه وأن ينصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن طلب الرسول منه ذلك.


*جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
عندما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخروج إلى بدر بلغ ذلك حذيفة فأراد الخروج ولكنه لم يستطع أن يشهد بدراً. يقول حذيفة: "خرجت أنا وأبي حُسيل، فأخذَنا كفّار قريش وقالوا: "إنكم تريدون محمداً؟" قلنا: "ما نريد إلّا المدينة". فأخذوا منّا عهد الله وميثاقه لننصرفنّ إلى المدينة ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه الخبر، فقال: "انصرفا، نفي بعهدهم ونستعين بالله عليهم"2.
شهد حذيفة أُحُداً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقُتل أبوه حسيل يوم أُحُد. قتله المسلمون وهم لا يعرفونه. وكان حسيل قد أسلم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال حذيفة للقوم: لِمَ قتلتم أبي؟ فقالوا: والله ما عرفناه. فقال: يغفر الله لكم. وأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تُدفع ديَّته فتصدّق حذيفة بديَّته على المسلمين3.
وشهد حذيفة الحرب بنهاوند، وأخذ الراية بعد مقتل النعمان بن مقرن، أمير ذلك الجيش. وكان فتح همذان والرّي والدّينور على يديه، كما شهد فتح الجزيرة، ونزل نصيبين، وتزوّج فيها. وكانت فتوحه كلها سنة 22 للهجرة4.


*قصته يوم الأحزاب
في يوم الأحزاب، عندما أحاط المشركون بالمدينة وتآمر اليهود من داخلها وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، في خضم ذلك اليوم الحافل أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة ليلاً ليأتيه بخبر الكفّار. فيقول حذيفة: "والله لقد [كنّا] مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخندق... ثم التفت إلينا وقال: مَنْ رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، ويشرط له الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إن يرجع أدخله الله الجنة؟ فما قام رجل. ثم صلّى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [شطراً] من الليل ثم التفت فقال: مَنْ رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع فأسأل الله أن يكون رفيقي في الجنّة؟ فما قام رجل من شدّة الخوف والجوع وشدّة البرد. فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن لي بدّ من القيام، فقال: يا حذيفة اذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تُحْدِثَنَّ شيئاً حتى تأتينا. فذهبت ودخلت في القوم والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقرّ لهم قدراً ولا ناراً ولا بناءً. فقام أبو سفيان بن حرب، فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ جليسه.

قال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي كان جنبي فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان ابن فلان. ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما تطمئنّ لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فإني مرتحل. ثم قام إلى جمله وهو معقول [في أرضه]، فجلس عليه، ثم ضربه فوثب به على ثلاث، فما أطلقه من عقاله إلا وهو قائم. ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ ألّا تحدث شيئاً حتى تأتيني، لقتلته بسهم. قال حذيفة: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قائم يصلّي فلمّا سلّم أخبرته الخبر5.
وأنزل الله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (الأحزاب: 9).


*نقل أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
كان حذيفة صاحب سرّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنافقين، قد أعلمه بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. يقول حذيفة: لو كنت على شاطئ نهر وقد مددت يدي لأغترف فحدّثتكم بكل ما أعلم ما وصل يدي إلى فمي حتى أقتل 6.
وقد روى حذيفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تَدْعُونه فلا يستجاب لكم7، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم وتجتلدوا بأسيافكم ويرث دنياكم شراركم 8.

سئل حذيفة: أيّ الفتن أشدّ؟ فقال: أن يعرض عليك الخير والشر فلا تدري أيّهما تركب.
كان حذيفة بن اليمان رحمه الله زاهداً في الدنيا، صائناً لنفسه عن مشتهياتها وزخارفها في نفس الوقت الذي كان فيه من يحوط الدين ليبلغ به الدنيا.
كان الخليفة الثاني إذا استعمل عاملاً كتب عهده: وقد بعثت فلاناً وآمره بكذا. فلما استعمل حذيفة على المدائن كتب في عهده: أن اسمعوا له وأطيعوا وأعطوه ما سألكم. فلما قدم المدائن استقبله أهل الأرض والدهاقين 9 فلما قرأ عهده قالوا: سلنا ما شئت، قال: أسألكم طعاماً آكله وعلف حماري ما دمت فيكم. فأقام فيهم ما شاء الله.


*وفاته
لما حضرته الوفاة قال: هذه آخر ساعة من الدنيا، اللهمّ إنك تعلم أني أحبك فبارك لي لقاءك.
وكانت وفاته سنة 36هـ في أول خلافة علي عليه السلام. وكان رحمه الله عارفاً بقدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقدر أهل بيته عليهم السلام فقد نقل القرطبي أن ابني حذيفة صفوان وسعيداً قد قُتلا يوم صفّين وكانا قد بايعا عليّاً بوصية أبيهما بذلك 10.


1.أسد الغابة، ابن الأثير، ج1 ص468؛ والاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ج1 ص393.
2.مسند أحمد، أحمد بن حنبل، ج5 ص395.
3.الاستيعاب، م.س.
4.م.ن، ص394.
5.جامع البيان، ابن جرير الطبري، ج21، ص153.
6.كنز العمال، المتقي الهندي، ص131.
7.الترمذي الحديث رقم 2174.
8.الترمذي الحديث رقم 2175.
9.الدهقان: يطلق على رئيس القرية وعلى التاجر وعلى من له مال وعقار.
10.الاستيعاب، مصدر سابق، ج1 ص394.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع