مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مع الخامنئي: الجهاد في حياة الإمام السجّاد عليه السلام (1)

 


تميّزت مرحلة الإمام السجّاد عليه السلام أنّها كانت مرحلة مؤلمة وصعبة جدّاً؛ فهو من ناحية كان عليه استكمال أهداف أبيه الحسين عليه السلام وثورة كربلاء، ومن ناحية أخرى، واجه نوعين رئيسَين من الفساد: أخلاقيّ وسياسيّ؛ مضافاً إلى الانحطاط الفكريّ.

* الإمام السجّاد عليه السلام في مواجهة

1-فساد أخلاقيّ
لقد غرق وجهاء قريش، فضلاً عن عامّة الناس، في الفحشاء؛ إذ تحوّلت مكّة والمدينة، اللتان كانتا مهبط الوحي ومسقط رأس الإسلام، إلى مركز للفساد والفسق بعد انتشار أسوأ أنواع الشعر وأكثره مجوناً، مضافاً إلى انتشار الغناء والرقص على نطاق واسع.

2- فساد سياسيّ
أمّا سياسيّاً، فقد تشبّث كبار الشخصيّات بفضلات الحياة المادّيّة لرجال الحكومة آنذاك. مثلاً: محمّد بن شهاب الزهريّ؛ الشخصيّة التي كانت تُعدّ من العظماء، ومن تلامذة الإمام السجّاد عليه السلام. وقد استطاع الإمام عليه السلام أن يفضح حقيقة هؤلاء من خلال رسالة كتبها لتكون حجّة للتاريخ، وتبيّن العلائق المادّيّة التي كانوا يتمسّكون بها.

وثمّة الكثير من أمثال محمّد بن شهاب؛ حيث نقل العلّامة المجلسيّ عن ابن أبي الحديد ما يهزّ المشاعر؛ فقد نُقل في البحار عن جابر أنّ الإمام السجّاد عليه السلام قال: "ما ندري كيف نصنع بالناس، إن حدّثناهم بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحكوا"؛ أي إنّهم لا يكتفون بالرفض وإنّما كانوا يضحكون استهزاءً، "وإن سكتنا لم يسعنا"(1). ومن ثمّ يذكر ابن أبي الحديد أسماء عدد من الشخصيّات ذلك الزمان ورجاله، ممّن كانوا أتباعاً لأهل البيت عليهم السلام ثمّ انحرفوا فيما بعد، وبعدها ينقل رواية عن الإمام السجّاد عليه السلام: "ما بمكّة والمدينة عشرون رجلاً يحبّنا"(2)! هكذا كان الوضع في زمان الإمام السجّاد عليه السلام.

3- انحطاط فكريّ
على الصعيد الفكريّ، ساد العالم الإسلاميّ انحطاطٌ فكريٌّ، كان نتيجةً للابتعاد عن التعاليم الدينيّة خلال عشرين سنة. ولشدّة ضعف التزام الناس بالتعاليم الدينيّة والإيمان، وابتعادهم عن الحقائق وتفسير القرآن عن لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خلال العشرين سنة التي تلت عام 40هـ، ضعُف أساس الإيمان عند الناس، وعمّ الخواء العقائديّ نفوسهم.

في ظلّ ذاك الوضع، وعلى هذه الأرض الصحراويّة، بدأ الإمام السجّاد عليه السلام بعمله. فماذا يجب على الإمام عليه السلام فعله ليحقّق هدفه؟

* مسؤوليّات جسام
وقعت على عاتق الإمام السجّاد عليه السلام ثلاث مسؤوليّات:

1- تعريف الناس بالعلوم الدينيّة: يجب على الإمام عليه السلام أن يُعرّف الناس على العلوم والمعارف الإسلاميّة، التي لا يمكن بدونها قيام حكومة إسلاميّة؛ فعندما يُعمل على تعريف الناس بالمعارف الدينيّة، يصحّ الأمل بإقامة مثل تلك الحكومة.

2- تعريف الناس بمسألة الإمامة: ابتعدت عن أذهان الناس مسألة الإمامة في تلك الحقبة؛ لذا كان من الضروريّ توضيحها لهم لتقبلها أذهانهم. فماذا تعني الإمامة؟ وما هي شروطها؟ إنّ توضيح هذا الأمر ضروريّ؛ لأنّ الناس آنذاك كانوا يرَون في عبد الملك بن مروان إماماً، في حين كان زعيم المجتمع فقط.

ففي ذلك الزمان (صدر الإسلام)، كان كلّ الموافقين والمخالفين للأئمّة عليهم السلام يقولون في الإمام إنّه قائد الأمة؛ أي حاكم الدين والدنيا، إلّا أنّه لم يُفهم موقع الإمام كذلك خلال القرون الثلاثة الأخيرة؛ فقد كان حينها للمجتمع وللأمّة فرد مسؤول عن جباية الأموال، وإعلان الحروب، وتأمين الاستقرار، وإدارة أمور الشعب، ودوائر الدولة ومؤسّساتها، وهو الذي يشكّل الحكومة ويُدعى بالحاكم، وأيضاً لها (أي للأمّة)، شخص آخر يحلّ ويفصل في أمور الناس الدينيّة، ويصحّح عقائد الشعب، ويعلّمهم دينهم وصلاتهم وغيرها، وهو ما يُسمّى بالعالِم؛ فأصبح الإمام بمثابة العالِم في المراحل القريبة. فالخليفة هو الذي يفصل بين الناس، والإمام هو الذي يصلح دينهم وأخلاقهم. هكذا كان فهم الإمامة محدوداً خلال القرون الأخيرة. ولكنّ هذا المعنى كان يختلف عن معناه خلال فترة صدر الإسلام؛ فكان الإمام يعني قائد الأمّة وزعيمها الدينيّ والدنيويّ، فبنو أميّة ادّعوا هذا المنصب، وكذلك من بعدهم بنو العبّاس، حيث كانوا يدّعون أنّ الإمامة بهذا المعنى الواسع لهم.

إذاً، فالأمّة، وفي زمن الإمام السجّاد عليه السلام، كان لها إمامٌ زعيم وهو عبد الملك بن مروان، لذلك كان على الإمام السجاد عليه السلام آنذاك أن يُبيّن للناس معنى الإمامة وشروطها ووجهتها، وما هي الأمور المفروض توفّرها في الإمام، وما هي الأمور التي بفقدانها لا يمكن أن يكون الشخص إماماً.

3- إعلان نفسه إماماً: مضافاً إلى ما سبق، كان على الإمام عليه السلام أن يعلن نفسه إماماً للأمّة.


1- بحار الأنوار، المجلسي، ج 6، ص 259.
2- شرح نهج البلاغة، ابن الحديد المعتزلي، ج 4، ص 104.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع