فضيلة الشيخ محمد خاتون
في معرض كلام الإمام قدس سره عن المؤامرات التي تعرضت لها الثورة الإسلامية المباركة منذ انطلاقتها يتحدث عن الإعلام المعادي الذي لم يغب ولن يغيب عن مواجهة المد الإسلامي أبداً... فهو الجهة الأكثر قوة في المعركة وذلك لأنه يستهدف إضعاف الأمة الإسلامية من الداخل.
والإعلام بشكل عام وإن كان سلاحاً موجوداً منذ القدم ويمكن لأي جهة أن تستعمله في مواجهة الأعداء... إلاَّ أن تطور وسائله في العصر الحديث صار له أكثر لا يقاوم... فإن الوسائل القديمة للإعلام تقوم على أساس العنصر البشري الذي يثير الرماد في العيون ويسلّط الضوء على أوهام يجعلها تشبه الحقيقة وبالعكس... إلاَّ أن هذا يمكن أن يجابه بسهولة... أما في عصرنا الحديث فإن الإعلام يدخل إلى كل بيت شئنا أم أبينا بسبب تطور وسائله في هذا العصر... وكذلك فسوف تكون الحرب الإعلامية ضد الإسلام هي جزء أساسي في الحرب الكبرى التي يقوم بها أرباب الكفر في هذا العالم.
يقول الإمام قدس سره:
«من المؤامرات المهمة التي تبدو بوضوح في القرن الأخير.. الدعايات على نطاق واسع بأبعاد مختلفة لزرع اليأس من الإسلام في الشعوب.. تارة يقولون بسذاجة وبصراحة إن أحكام الإسلام التي وضعت قبل ألف وأربعمائة سنة لا تستطيع إدارة الدول في العصر الحاضر، أو إن الإسلام دين رجعي ويعارض كل أنواع التجدد ومظاهر التمدن.. وتارة يعمدون بحيث وشيطنة إلى الدفاع عن قداسة الإسلام فيقولون إن الإسلام وسائر الأديان الإلهية يهتمون بالمعنويات وتهذيب النفوس والتحذير من المراتب الدنيوية.. والحكومة السياسية وفن الإدارة مناقض لتلك الغاية وذلك الهدف الكبير والمعنوي...
ومع الأسف فإن هذه الدعاية بشكلها الثاني قد تركت أثرها في بعض الروحانيين والمتدينين الجاهلين بالإسلام فكانوا يرون التدخل في الحكومة والسياسة بمثابة المعصية والفسق ولعل البعض الآن كذلك، وهذه فاجعة كبرى كان الإسلام مبتلى بها، بالنسبة للفريق الأول يجب أن يقال، إما أنهم جاهلون بالحكومة والقانون والسياسة، أو أنهم يتجاهلون ذلك مغرضين... لأن تطبيق القوانين بمعيار القسط والعدل وعدم فسح المجال للظالمين والحكومات الجائرة وبسط العدالة الفردية والاجتماعية ومنع الفساد والفحشاء وأنواع الانحرافات، والحرية بمعيار العقل والعدل والاستقلال والاكتفاء الذاتي وقطع الطريق على الاستعمار والاستثمار والاستعباد، وإقامة الحدود والقصاص والتعزيرات طبق ميزان العدل والحيلولة دون فساد المجتمع ودماره، وسياسة المجتمع وهدايته إلى موازين العقل والعدل والإنصاف ومئات القضايا من هذا القبيل، لا تصبح قديمة بمرور الزمان على مدار تاريخ البشر والحياة الاجتماعية.
إذا كان من الواجب في مستهل الحياة الدنيا أن نطبّق العدالة الاجتماعية منعاً للظلم والنهب والقتل، فهل أصبح هذا النهج قديماً اليوم لأننا في قرن الذرة؟ وادعاء أن الإسلام معارض للتجدد على طريقة محمد رضا بهلوي المخلوع الذي كان يقول «هؤلاء يريدون أن يسافروا في هذا العصر بواسطة الحيوانات، هذا ليس إلاَّ اتهاماً أبله لا غير لأنه إذا كان المراد من مظاهر التمدن والتجدد الاختراعات والابتكارات والصناعات المتطورة التي تؤثر في تقدم البشر وتمدنهم... فلا الإسلام ولا أي دين توحيدي يعارض ذلك أبداً، ولن يعارض، بل إن العلم والصناعة مورد تأكيد الإسلام والقرآن المجيد.
وأما الفريق الثاني الذين يلعبون دوراً مؤذياً ويرون فصل الإسلام عن الحكومة والسياسة فيجب أن يقال لهؤلاء الجهلة إن نسبة أحكام القرآن الكريم وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الحكومة والسياسة لا تقاس بها أبداً نسبة الأحكام في سائر الأمور وبل إن كثيراً من أحكام الإسلام العبادية هي عبادية سياسية والغفلة عنها هي التي جرت هذه المصائب..
إننا أمام هذا النص المبارك للإمام المقدس رضوان الله عليه... نقف لنضع تجربة الإمام الرائدة أمامنا ونتصور في أذهاننا أن الإمام الذي قاد أعظم حركة شعبية في هذا التاريخ الماثل أمامنا يضع أمامنا خلاصة هذه التجربة وما تعرضت له في شتى مراحلها وهو عندما يتحدث عن الدعاية والإعلام المعاديين فإنه يتحدث بموضوعية ولا يقلل من شأن تلك المسائل وبالمقابل هو يريد المواجهة الصحيحة لذلك.
هنالك حقائق يمكن أن نقف عندها ونحن أمام هذا النص المبارك.
1- إن الدعاية المضادة للإسلام لا تتخذ منحى واحداً وإنما هناك مجموعة من القضايا تحاول إثارتها والهدف واحد وهو الوصول إلى إقامة سد منيع بين الناس وبين الخلاص على يد حاكمية الإسلام المحمدي الأصيل:
أ- هناك الدعاية التي تقوم على أساس أن الإسلام «قديم» وأن أحكامه وضعت لعصر لم تكن فيه الحياة الاجتماعية والسياسية على هذه الدرجة من التطور وبالتالي فنحن نحتاج إلى ما يدير الحياة العامة من خلال «رؤية حضارية» متطورة.
ب- تقوم الدعاية على أساس رجعية الإسلام الذي يحارب كل شيء يريد التقدم إلى الأمام عن سابق تصور وتصميم... وذلك تشبيهاً للإسلام بغيره من الأديان والعقائد التي تحافظ على القديم لأنه يحفظ مصالح «القيمين» عليها.
ج- وهناك الدعاية القائمة على أساس أشد خطراً من غيره فهو يمدح الإسلام ويضع مفاهيمه في أعلى مواضع التقدير والاحترام ظاهراً... ثم يعقب على ذلك بأن الإسلام الناصع لا يحق لنا أن نلوثه من خلال إنزال أحكامه ومبادئه الاجتماعية والسياسية إلى قلب المجتمع.
ويقول الإمام إن هذا النوع الثالث من أنواع الدعاية هو أشد خطراً من غيره باعتبار أن النوعين الأولين يمكن أن جرفا مجموعة من المبهورين بحضارة الغرب أو الذين في قلوبهم مرض... إلاَّ أن النوع الثالث قد يجرف جمعاً من المؤمنين الذين لا يمكن أن نصنّفهم في دائرة العداء بأي حال من الأحوال.
2- إن الرد على مختلف الدعايات المضادة للإسلام ينبغي أن يذكر على المواضع التي قصد أولئك المستكبرون إثارة الشبهات فيها:
أ- إن القول بأن الإسلام قديم في أحكامه ومبادئه هو كالقول بأن بقية العلوم قديمة... مع العلم أن مختلف العلوم تأخذ في حساباتها التجربة القديمة وتبني عليها... والقواعد العلمية والرياضية الأولى هي التي يبنى عليها في العلوم الحاضرة... مع العلم أن الرياضيات هي علوم بشرية قابلة للخطأ على الإطلاق... ولا يضر الإسلام شيء أنه جاء في عصر التخلف البشري لأن الضرر يلحق بالإسلام إذا أبقى الأمة في عصر التخلف... وأما عندما تصبح تجربة الأمة من خلال الإسلام هي تجربة رائدة فإن الأمر يصبح جديراً بإعادة النظر في كل إعلام مضاد.
ب- وأما القول بأن الإسلام رجعي وبأن البعض يستغلون الإسلام من أجل مصالحهم قياساً للإسلام على غيره فإن الذين يعتقدون بهذا الاعتقاد ما عليهم إلاَّ أن يقرأوا التاريخ الحاضر على الأقل ليعلموا من خلال قراءتهم أن الإسلام وحده هو الوسيلة التي اتخذت لمواجهة ألاعيب الاستكبار العالمي الذي يستهدف استغلال خيرات الشعوب، وبالتالي فإن التهمة التي (يرمى بها أو بهم) من خلال هؤلاء ترد عليهم.
ج- وأما القول بعظمة الإسلام في السماء وأن الأرض للناس ولا علاقة لحاكمية الله بها... فإن الذين يمكن أين ينبهروا بهذه المقولة لم يفهموا حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الاجتماعية والسياسية والعبادية.
هؤلاء يعتقدون بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء من أجل القيام ببعض الأعمال العبادية وتعليمها للبشر... ونحن نسأل هؤلاء كيف خاض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحروب ولماذا سقط الشهداء ولماذا أسس الدولة ودافع عنها وعيّن الولاة... ولماذا يكون أهل البيت (عليهم السلام) هم خلفاء له إذا كان الأمر لا يعني انعكاساً في حياة المسلمين السياسية والاجتماعية.
3- إن الذي يمكن أن يدفع كل ألاعيب الاستكبار العالمي هو المعرفة ولا سبيل إلى ذلك إلاَّ من خلال طلب العلم الذي من خلاله يماط اللئام عن حقائق الإسلام العظيمة... ولا يجوز أن يتحوّل الإنسان المسلم إلى مجرد إنسان يتلقى إعلام الآخرين بلا تدبر ولا تبصّر لأنه عندئذٍ يكون هدفاً سهلاً للدعايات المضادة كتلك التي مرت معنا وأشار إليها الإمام (قدس سره).