آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
بعد الوقوف عند مسألة زمان قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف والمظاهر العامّة لعصر الظهور، كما ورد في العدد السابق، نورد في ما يأتي تفاصيل حول ظهوره الشريف. فكيف يحصل الظهور المبارك؟
•"أنا بقيّة الله"
يُستفاد من الروايات الواردة عن العترة الطاهرة عليهم السلام أنّ شمس الجمال المهدويّ ستطلع من مدينة مكّة عند الكعبة، فيقف بين الركن والمقام، ويدعو جبرائيلُ عليه السلام الناسَ إلى بيعته التي هي بمنزلة بيعة الله، كما أنّه عجل الله تعالى فرجه الشريف ينادي الناس بقوله: "أنا بقيّة الله" مخاطباً جميع البشريّة. قال الباقر عليه السلام: "فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة... وأوّل ما ينطق به هذه الآية: ﴿بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (هود: 86). ثمّ يقول: أنا بقيّة الله في أرضه"(1). كما ورد أيضاً عن الباقر عليه السلام: "كأنّي بالقائم يوم عاشوراء، يوم السبت، قائماً بين الركن والمقام، بين يديه جبرائيل عليه السلام ينادي: البيعة لله"(2).
كما ورد في روايات أخرى أنّ الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف يتّكئ على الحجر الأسود، فيعرّف نفسه، وهو لا يتنافى مع الروايات المذكورة آنفاً. قال الصادق عليه السلام: "... وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره"(3).
ونُقل أيضاً عن الصادق عليه السلام أنّ الحطيم (ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة) مهبط جبرائيل عليه السلام بين يدي الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حال الظهور، كما بيّن عليه السلام أنّ جبرائيل عليه السلام هو أوّل من يبايع الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف: "إذا أذن الله عزّ وجلّ للقائم في الخروج، صعد المنبر، فدعا الناس إلى نفسه، وناشدهم بالله، ودعاهم إلى حقّه، وأن يسير فيهم بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويعمل فيهم بعمله. فيبعث الله جلّ جلاله جبرائيل عليه السلام حتّى يأتيه، فينزل على الحطيم، ويقول: إلى أيّ شيء تدعو؟ فيخبره القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف، فيقول جبرائيل عليه السلام: أنا أوّل من يبايعك"(4).
ثمّ إنّ مكّة ليست محلّ الظهور فحسب، بل هي مبدأ قيامه عجل الله تعالى فرجه الشريف، إذ بعد ظهوره يعيّن حاكماً على مكّة، ثمّ يُقدم على أداء رسالته العالميّة: "يبايع القائم بمكّة على كتاب الله وسنّة رسوله، يستعمل على مكّة، ثمّ يسير نحو المدينة..."(5).
• لماذا الكعبة؟
لعلّ السرّ في ظهور الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف عند الكعبة هو أنّ الكعبة محور قيام عموم الناس، امتثالاً لأمر الحقّ، واجتناباً للباطل، وحرباً على الظلم والجور: ﴿جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاس﴾ (المائدة: 97). إنّ أساس هذا القيام والمقاومة الشعبيّة في مقابل الظلم قوام حياة الكعبة (وجودها) واستمرار أمرها، كما أشار إلى ذلك الإمام الصادق عليه السلام قائلاً: "لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة"(6).
وعلى هذا الأساس، تُعدُّ حياة الكعبة بقاءً للدين. كما أنّ حياة الدين ممّا يوجب حياة البشر حياةً عقليّةً طيّبة. كما أنّ بزوال الكعبة زوال الدين، فيموت الناس معنويّاً بموت الدين. ولعلّه إلى هذا المعنى تشير الآية الشريفة: ﴿جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاس﴾ (المائدة: 97). فلا غرابة أن يكون هذا المعنى سرّ بدء القيام العالميّ لإمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف من عند الكعبة. والوجه فيه، أنّ الكعبة محور قيام وقوام المجتمعات الإنسانيّة، وظهور الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف وثورته قيام إلهيّ يشمل كلّ العالم ويعمّ المجتمعات البشريّة كلّها.
ومن الجدير ذكره أنّ الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف سينال الفيض الإلهيّ الخاصّ، فيصلح الله أمر قيامه: "وهو قائمنا أهل البيت عليه السلام، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلةٍ واحدةٍ"(7)، "وهو الذي يُطوى له الأرض، ويُذلّ له كلّ صعب، يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر؛ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض"(8).
وحسبما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، فإنّ الأرض تُطوى له، فيصبح تمام العالم وكأنّه في كفّ يده، فيطّلع على كلّ ما يحدث في العالم: "إذا تناهت الأمور إلى صاحب هذا الأمر، رفع الله تبارك وتعالى له كلّ منخفض من الأرض، وخفّض له كلّ مرتفع منها، حتّى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته. فأيّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها؟"(9).
اللهمّ عجّل لوليّك فرجه.
(*) من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود – الباب الثالث: من الظهور إلى المدينة الفاضلة – الفصل الأوّل – بتصرّف.
1.كمال الدين، ج 1، ص 447، الباب 32.
2.الغيبة، الطوسي، ص 453؛ وبحار الأنوار، المجلسي، ج 52، ص 290، الباب 26.
3.الكافي، الكليني، ج4، ص 185.
4.الإرشاد، المفيد، ج 2، ص 382-383.
5.بحار الأنوار، (م. س.)، ج 52، ص 308، الباب 26.
6.الكافي، (م. س.)، ج 4، ص 271.
7.كمال الدين، الصدوق، ج 1، ص 433-434، الباب 30.
8.بحار الأنوار، (م. س.)، ج 51، ص 157، الباب 9.
9.كمال الدين، (م. س.)، ج 2، ص 392، الباب 58.