مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

مقابلة: في خدمة العقيلة (1)

 


من مختلف بِقاع الأرض قدِموا ليحاموا عن حرم العقيلة زينب عليها السلام، ومواجهة مشروع أراد تغيير جغرافيّة المنطقة وديموغرافيّتها، حتّى نُقشت أسماؤهم على جدران ذلك المقام الشريف بالأحمر القاني، وبات لكلّ واحد منهم قصّة وعبرة.

إلى تلك البقعة المباركة كانت الوجهة، إلى جوار العقيلة عليها السلام، حيث جالسنا عدداً من الإخوة المجاهدين، ليقصّوا علينا بعضاً من حكايا أولئك الذين رخصت أرواحهم دون سيّدتهم عليها السلام، فأطربوا أسماعنا بقصص البطولة، والعنفوان، والتضحية، التي أزاحت عتمة ليل قاتم شديد السواد، لتشرق شمس الحريّة والأمان مجدّداً فوق سماء المقام.

•من حرم العقيلة
من مرقد الطاهرة العقيلة زينب عليها السلام بدأنا جولتنا، حيث كان لنا لقاء مع مدير المرقد الزينبي الشريف الأستاذ محسن حرب؛ ليحدّث مجلة بقيّة الله عن بركات المرقد، وصمود المجاهدين للدفاع حوله، وذكريات الأزمة واستهداف الأعداء له، ونعمة الله تعالى بالنصر، ومشاريع التوسعة الحالية بعد النصر المؤزّر: "هذا المكان الشريف المقدّس عانى الكثير خلال الأزمة التي استمرت سنوات عدّة، واستُهدف بالكثير من قذائف التكفيريين. والحمد لله بقي صامداً وشامخاً وعالياً، حتى انتهت هذه الأزمة بخير، وانتصر فيها الحقّ على الباطل؛ لأن محور الحقّ، لا بدّ أن ينتصر في النهاية". 

وعن حركة الزوّار، يقول الأستاذ حرب: "من الطبيعي أنّ حركة زوار المقام قد تأثرت في هذه الأزمة، فعندما اشتدت ظروف الحرب القاهرة انخفض عدد الزوار، ولكن بقي هذا المكان الشريف ملاذاً للناس وعلى مدار الأيام. وبعدما بدأت الأزمة تنحسر، ولم تكن قد انتهت بالطبع، كان يأتي عدد كبير من الزوّار في بعض المناسبات، تجاوز عددهم أحياناً مئة ألف زائر خلال المناسبة. شعرنا في بعض المناسبات بأننا عدنا إلى ما قبل الأزمة، من حيث الأعداد، حتى أنّك ترى أن الصحن الشريف مليء بالزوار. لقد جاءت بداية الحملات لتتحدى هذا الحصار، وبالتالي كسره. 

بعد هذه الفترة جاءت موجة كورونا، التي ساهمت أيضاً بتراجع عدد الزوّار، ولكن الآن والحمد لله خلال السنة الأخيرة، بدأ الزوار يعودون من مختلف الدول العربية والإسلامية؛ ومنها باكستان، حيث خُصص خطّ جوي مباشر من باكستان إلى دمشق". 

•رغم أحقادهم
بقي مرقد العقيلة شامخاً، على الرغم من أنّه كان مستهدفاً، يقول الأستاذ حرب: "أذكر في ليلة من ليالي أربعين الإمام الحسين عليه السلام، حيث كانت باحة المقام تعجّ بالزوار، يومها كانت بعض القذائف تطلق علينا من الغوطة الشرقية، فأصابت إحدى هذه القذائف حافّة الساعة البترونية الموجودة في واحدة من جهات باحة المقام، لكنّها انفجرت في الهواء، ولو كانت القذيفة أصابت الساعة بفارق بضعة سنتيمترات لهوت الساعة على الزوّار، ولكن من كرامات السيدة عليها السلام أنّ أحداً من زوّارها لم يُصب بأذى". وفي حادثة أخرى يذكرها الأستاذ حرب كشاهدٍ على طمأنينة القائمين على خدمة المقام وأنّهم يفضلون أن يبقى المقام ملاذاً للزوّار بقدر ما يمكن، يقول: "عندما كان المقام مستهدفاً، ترددنا بين فتح أبوابه أمام الزوّار أو إغلاقه في أثناء مناسبة مهمة. كان عدد الزوار كبيراً يومها، وبدأت القذائف تصل إلى محيطه، ترددنا حينها، إلى أن نادت سيدة ثمانينيّة أحد الإخوة، وقالت له: لا تغلقوا المقام، لا تغلقوا الحرم. وهي لا تعرف شيئاً عن الموضوع، ولا عن ترددنا، كلّ ما تعرفه هو أصوات القذائف، فبالتالي تم إقرار أن يبقى الحرم مفتوحاً. ومضت المناسبة دون أن يتأذى أي زائر".

•ملهمة المجاهدين
وتابع قائلاً: "ولا ننسى أنّ تهديد التكفيريّين بنسف المقام، وترديدهم لكلمة (سترحلين)؛ أي السيّدة زينب عليها السلام، كان له أثر بالغ على المجاهدين للتضحية بأرواحهم دفاعاً عن مقام العقيلة زينب عليها السلام، وقد ساهم بشكل كبير في رفع معنويات المجاهدين. فعندما تأتي أفواج وتزور المرقد الشريف، ويستمعون إلى الخطباء والمجالس الحسينية هناك، عند صوت الحسين عليه السلام وشهادة كربلاء، تشتد عزيمتهم أكثر وأكثر، وينطلقون إلى ساحات القتال وهم يؤمنون بالنصر، وتجثو أمام أعينهم حقيقتان لا ثالث لهما: الشهادة أو النصر. كان تشييع الشهداء يحصل ليلاً، فبعد إغلاق الحرم، تُحضر الجثامين، فيطوف بها الإخوان حول الحرم ثلاث مرّات. كان اللقاء اليوميّ للمجاهدين مؤثّراً جدّاً، إذ كانوا يودّعون بعضهم بعضاً، لأنّهم كانوا لا يدرون إن كانوا سيبقون على قيد الحياة أم لا!". ويتابع الأستاذ حرب واصفاً العدو المقابل للمجاهدين: "إنّ الفكر التكفيري لهؤلاء جعل الناس تنبذهم جميعاً؛ لذلك فهم ساهموا في نفي أنفسهم، في موت فكرهم، وإباحة القتل والذبح وتكفير الآخرين، أفكار مرفوضة وشاذة؛ ولذلك لا يمكن لأي عاقل القبول بها، حاولوا إزالة معالم التاريخ والحضارة من عدة مناطق، بالتالي أيّد الله المجاهدين ضد هذا الفكر بنصر مؤزّر".

•شهداء المقام
كانوا يحظون بخدمتها في حياتهم، لكنّ بعضهم فاز بالشهادة. يقول الأستاذ حرب: "بقي جميع الخدم خلال الأزمة يقومون بواجبهم، ويستقبلون الزوّار، والحمد لله لم يُغلق الحرم إلا لأيام معدودة جداً، وقد أصيب الكثير من الإخوة خدم العقيلة؛ لأنّ القذائف كانت شبه يوميّة، ومن الشهداء الذين ارتفعوا: الشهيد محمّد حسين الأفغانيّ، ثاني أقدم خادم للحرم، وقد ظلّ بخدمة حرم العقيلة لأكثر من 40 عاماً، وأصيب مع بداية الأحداث في سوريا بمرض عضال. كان الشهيد محمّد قد أمضى جزءاً كبيراً من حياته في ذلك المكان المقدّس، وكان يتحسّر عند تشييع أيّ شهيد، فيتمنّى لو كان هو مكانه، وكان يدعو الله ويتوسّل بالعقيلة عليها السلام أن ينال الشهادة، وقد نالها فعلاً". يوضّح أحد الإخوة من خدّام الحضرة كيفيّة استشهاد محمّد حسين: "في أحد الأيّام، أطلق الإرهابيّون سبعة صواريخ نحو المقام، كتجربةٍ لتحديد الإحداثيّات قبيل استهدافه. نتيجة ذلك، طُلب من الجميع أخذ الحيطة والحذر في تحرّكاتهم. وقد كان الأخ محمّد حسين موجوداً عند المئذنة الغربيّة يتقدّم نحو الحضرة المباركة عندما سقط صاروخ في الصحن الزينبيّ، فأصيب رأسه وجسده بإصابات عدّة، ما أدّى إلى استشهاده على الفور". يتابع الأستاذ حرب: "أمّا الشهيد السيّد محمّد عليّ شاه (من أفغانستان)، فولد في منطقة السيّدة زينب عليها السلام، وكان شابّاً خلوقاً وشهماً، وقد نال الشهادة أثناء تأدية عمله الجهاديّ في المتراس في الحديقة. والشهيد المهندس أنس روماني كان مدير الحرم، وقد استشهد في شهر رمضان، بعدما سقط صاروخ وهو خارج من المقام، فنال الشهادة، وقد سُمّيت مكتبة المقام باسمه".

•أجمل مما كان
لأنّ همّة المنتصرين عاليَة، يذكر الأستاذ حرب أنّ ثمّة عملية ترميم للمقام الشريف وتوسعة، تناسب المرحلة القادمة، وقد أشار إلى أنّه تمّ تجديد الكثير من الأمور والبنيّة التحتية للمقام الشريف من حيث الأمور الكهربائية، خلال السنوات السابقة. أمّا بالنسبة إلى توسعة المقام، فقد وضّح مستخدماً خريطة معلقةً على الجدار في مكتبه: "تمّت توسعة القسم الشمالي من الصحن الشريف حالياً، وسيبلغ حجم المقام الشريف بحدود 1600 متر مربع، تتصل مع الحرم مباشرة، مقابل مساحته الحالية التي تبلغ 400 متر مربع فقط، هذه المرحلة الأولى. أمّا المرحلة الثانية، فتتضمن بناء سقف لجزء من هذا الصحن الشريف. ثمّ عندما تُنجز توسعة القسم الجنوبي، نعود لاستكمال التسقيفة فوقه. وفي نهاية مخطط التوسعة، ستتصل الأقسام المسقّفة بالحرم؛ ليكون حرماً واحداً بحجم أربعة أضعاف حجمه اليوم. سنعمل إن شاء الله من أجل توسيع أكبر؛ ليتّسع بشكل أفضل للزائرين".

•"الخطأ خطئي" 
وعن قصص محبي زينب عليها السلام والمدافعين عن حرمها، يروي الإخوة الذين يحظون بخدمة العقيلة، عن شهيد محور المقاومة، الشهيد القائد قاسم سليمانيّ، أنّ الحراسة كانت شديدة على الطرقات المؤدّية إلى المقام خلال سنوات المعارك ضدّ التكفيريّين؛ ففي أحد الأيّام، أراد الحاج قاسم عبور أحد الحواجز، ولكن لدى مرور سيّارته، تبيّن أنّ سائقه نسي كلمة المرور. وعندما علم الإخوة بذلك، أسرعوا نحوه، لكي يسهّلوا له عمليّة مروره، وراحوا يقدّمون له الاعتذار لأنّه بقي منتظراً هناك، فأخبرهم أنّ الخطأ خطؤه، وأنّ أمن المقام يؤدّون عملهم بالشكل الصحيح، لدرجة أنّه مسرور جدّاً بتلك الإجراءات الصارمة، التي تجعله مطمئناً على سلامة المقام. وحينما دخل الضريح، بدأ يبكي شوقاً للعقيلة عليها السلام وحبّاً لها. ويوم استشهاده، كان قد أوصى الإخوة بضرورة المواظبة على زيارة السيّدة زينب عليها السلام.

•يغسل المقام بدموعه 
وكذلك بالنسبة إلى الحاج أبو مهديّ المهندس، فقد ذكر أحدهم أنّه كان إنساناً رائعاً وغير متكلّف، يزور المقام ليلاً، ويرمي بنفسه فوق الضريح لمدّة من الوقت، ثمّ يقوم إلى الصلاة والزيارة بخشوع، والدموع تملأ عينيه.

•المقام والزوّار أولويّة 
ثمّ ننتقل بعد ذلك إلى قائد آخر، ترك بصماته هناك، حيث الوجهة والقِبلة، إنّه الشهيد السيّد ذو الفقار. يقول أحد الإخوة (الأخ ج.): "كنت المعنيّ بالتشريفات والمراسم، وإذ به يلفت نظري ذات يوم إلى ضرورة الاهتمام بكلّ زائر للحرم، والتعامل معه على أنّه ضيف شرف، لأنّه كان ينظر إلى كلّ زائر للحرم في تلك الظروف القاهرة، على أنّه يحاول كسر الحصار، ويتحدّى الإرهابيّين، فضلاً عن أنّه يتمتّع بنفسيّة وعقليّة مجاهد ومقاوم".

السيّد ذو الفقار كان صاحب عقلٍ استراتيجيّ واستثنائيّ، وله صفات وسلوكيّات خاصّة؛ فعندما كان يريد الدخول إلى المقام، كان يقف عند باب الحضرة، ينزع سلاحه ويضعه جانباً، ويخبر الجميع بضرورة القيام بذلك، ومن ثمّ يدخل إلى الحرم. وهذا التصرّف كان نتيجة احترامه للسيّدة زينب عليها السلام ومقامها، ولقداستها ولكرامتها. وكان دائماً يقول عنها: "إنّها شرف ونبض الإمام عليّ عليه السلام".

كما كان السيّد ذو الفقار يحضر إلى الحرم دون مرافقين، ويؤدّي الصلاة ويقوم بالمستحبّات كما لو كان زائراً عاديّاً.

لم تنتهِ الجولة في خدمة العقيلة، والتتمّة في العدد القادم إن شاء الله.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع