آية الله الشيخ حسين مظاهري
إنّ التوافق الأخلاقيّ بين أفراد الأسرة الواحدة بشكلٍ كامل 100% لا يمكن أن يتحقّق؛ فالزوجة لا تتوافق مع زوجها 100%، ولا الأمّ مع عروس ابنها، ولا البنت مع أمّها، ولا الأب مع ابنه، بسبب وجود الاختلاف في الأذواق، ممّا يبعث على بروز اختلاف -ولو بسيط- بين الجميع، أرادوا ذلك أم أبوا.
يقول علماء النفس: إنّ الاختلاف المُشاهد في البيت بين أفراد الأسرة الواحدة أمرٌ طبيعيّ، وإنّ عدم الوفاق 100% يرجع سببه إلى أنّ الإنسان هو أحد المخلوقات المستقلّة.
لا نعلم مدى صحّة هذه العبارة، ولكنّ الذي نعلمه وندركه هو أنّ بين أفراد البشر اختلافاً ملموساً ومحسوساً. فما الذي نفعله، إذاً، لبلوغ توافقٍ أخلاقيّ نسبته عالية؟
* اختلاف الأذواق والرغبات
إذا كان التوافق بين الزوجين يصل إلى 70%، فالأمر حسن وجيّد، وينبغي لهما أن يشكرا الله تعالى على تلك النعمة العظمى. وإذا كان لا يتعدّى نسبة 5%، يجب أن نقول إنّ هذه النسبة جيّدة هي الأخرى أيضاً، ولو بلغت نسبة الوفاق بين أمّ الزوج والزوجة هذه النسبة، فستعمر الأرض بساكنيها، وكذا الأمر بالنسبة للوالد والولد. إنّ الشيء الذي نغفل عنه دائماً هو عدم وجود توافق أخلاقيّ 100%؛ ولذا ترى الغالبيّة العظمى من البشر يرومون توافقاً أخلاقيّاً 100%، وهذا لا يمكن أن يصل إليه البشر؛ لاختلاف أذواقهم ورغباتهم كما ذكرنا سلفاً. لكن ثمّة عاملان مهمّان وأساسيّان يمكن أن يتدخّلا لرفع تلك النسبة، وهما: المحبّة والعفو.
* المحبّة أساس الوفاق
إذا سادت المحبّة والودّ والوئام بين الزوج وزوجته، وبين الأب وابنه، وبين البنت وأمّها، وبين الزوجة وأمّ زوجها، فلن نشاهد 30% أو 50% من الاختلافات التي يمكن أن تحصل فيما لو لم تكن تلك المحبة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "حبّك للشيء يُعمي ويُصمّ"(1).
فالمحبّ على ما يبدو لا يرى أخطاء حبيبه، ولا يتأتّى له أن ينطق بها على لسانه، بل يبرّر أخطاء حبيبه إلى درجةٍ غير معقولة، بل يدافع عن ذلك الحبيب حينما يخبره الناس بما يفعل ويقول. ومن مظاهر تلك المحبّة التي تديم الوفاق:
1- تبرير أخطاء الحبيب: ليلى والإناء
ثمّة قصّة عن قيس وليلى، ولا أعلم إذا كانت حقيقية أم خياليّة، ولكنّها تفيد في أخذ العبرة. يُقال إنّ ليلى كانت قد طبخت طبخةً بسبب نذر نذرته، وما إن سمع قيس أنّها فعلت ذلك، وأنّ الناس بدأوا يتسابقون إلى دارها، حتّى بعث إناءً له من فخّار مع صديق؛ ليجلب به شيئاً من ذلك الطبخ. ذهب صاحبه إلى منزل ليلى، فناولها الإناء وقال لها: "إنّه من قيس"، وما إن سمعت باسمه حتّى رمت الإناء جانباً لينكسر، عندما وصل الخبر لقيس، قال: "لما كسرت ليلى الإناء لو كانت تميل لغيري"؛ أي لو كانت ليلى تحبّ فرداً آخر غيري، لما كسرت إنائي، وما كسرها إنائي إلّا لشدّة حبّها لي، حيث كانت تريد أن تراني حاملاً إنائي آتياً إليها، ولم ترغب في رؤية غيري يحمله إليها.
فالسيّدة التي تعشق زوجها، لا يتأتّى لها أن ترى سيّئاته، بل حتّى سيّئاته تراها حسنات؛ ولذا نشاهدها تدافع عنه بقوّة، وتدافع عن كلّ ما يمكن أن يكون له مساس بزوجها، من قريب أو من نسيب أو ما شابه ذلك. وهذا ما يُلاحَظ عند بعض السيّدات اللواتي يعشقنَ أزواجهنّ، حيث تراهنّ يشكرن الباري تعالى كثيراً على نعمة وجود الزوج على الرغم من شدّته وخشونته، ويبررنَ تلك الشدّة والخشونة بأنّها حبّ شديد لهنّ من أزواجهنّ.
2- الكلمة الجميلة
إنّ التودّد والتلطّف بالكلام، واستخدام العبارات الرقيقة والجميلة، مسألة مهمّة جدّاً، حيث يمكن أن تفعل تلك العبارات أشياء لا يمكن تصوّرها، حيث ترى الزوجة زوجها جميلاً وهو في الواقع قبيح، وتراه أعلم الناس، في الوقت الذي لا يختلف فيه عنهم كثيراً.
ويمكن القول إنّ الكلام الجميل والعبارات الرقيقة، يكون مثلها كمثل الفلفل والمخلّلات في الطعام، حيث تضفي على مجمل الحديث رونقاً خاصّاً، وتكسبه طعماً يتذوّق لذّته الطيِّبة من يسمعه، فينعكس أثره في القلب؛ لتنمو زهرة يانعة، يفوح عطرها ويشمل حتّى المتحدّث. وعلى العكس من ذلك، نشاهد كلمة خبيثة أو تجريحاً قد لا يعنيه قائله، يفعل فعله في القلب كالسهم المنطلق من قوس عدوّ، فيقضي حينها على المحبّة، التي لن ترجع كما كانت ثانية، إلّا بصعوبة.
3- حُسن المعاملة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما اصطحب اثنان إلاّ كان أعظمهما أجراً وأحبّهما إلى الله عزّ وجلّ أرفقهما بصاحبه"(2).
لقد أولى الإسلام العظيم أهميّة بالغة لمسألة المعاملة بين الزوجين، ومنها طاعة الزوجة لزوجها، وحُسن معاملة الزوج ورفقه بزوجته، حيث لم يصنع الشارع المقدّس عملاً أكثر أجراً وثواباً للمرأة من حُسن تبعّلها، وللرجل حُسن خلقه مع زوجته. قال الإمام الباقر عليه السلام: "ما مِن امرأة تسقي زوجها شربة من ماء إلا كان خيراً لها من عبادة سنة..."(3).
وقال أيضاً عليه السلام: "أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيّام، أغلق الله عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنّة، تدخل من أيّها شاءت"(4). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "جلوس المرء عند عياله أحبّ إلى الله تعالى من اعتكاف في مسجدي هذا"(5).
وجاء في الخبر أنّ الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان قد بشّر الرجال والنساء المتزوّجين بفتح الله أبواب الجنّة لهم، وإلحاقهم بمقام الأنبياء والأوصياء والصالحين إذا التزموا بخدمة بعضهم بعضاً، وفق ما جاء في شرعته (سلام الله تعالى عليه): ﴿وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء: 69).
* صبر واحتساب
في المقابل، ثمّة الكثير من الأحاديث التي تنهى عن سوء الخُلق بين الزوجين وتذكر تداعياته، منها:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان له امرأة تؤذيه، لم يقبل الله صلاتها ولا حسنة من عملها حتّى تعينه وترضيه، وإن صامت الدهر.. وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً"(6).
وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: "من صبر على سوء خلق امرأته واحتسبه، أعطاه الله تعالى بكلّ يوم وليلة يصبر عليها من الثواب ما أعطى أيوب عليه السلام على بلائه، وكان عليها من الوزر في كلّ يوم وليلة مثل رمل عالج"(7).
وقال كذلك صلى الله عليه وآله وسلم: "من صبرت على سوء خلق زوجها، أعطاها مثل [ثواب] آسية بنت مزاحم"(8).
وفي العدد المقبل بإذن الله، تتمّة الموضوع.
(*) مستفاد من كتاب: الأخلاق البيتيّة، الفصل العاشر.
1- الوافي، الفيض الكاشاني، ج 26، ص 163.
2- الكافي، الكليني، ج 2، ص 120.
3- ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 1186.
4- (م. ن.).
5- (م. ن.).
6- (م. ن.).
7- (م. ن.)، ج 2، ص 1187.
8- (م. ن.).