صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

نظرة في أسباب الغيبة



الشيخ مالك وهبي‏


ورد في النصوص المعتبرة جملة من الأحاديث حول غيبة الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف، وتشير بعضها إلى الأسرار الكامنة وراء هذه الغيبة التي ابتليت بها الأمة.

فمن تلك الأحاديث ما رواه الشيخ الكليني في أصول الكافي بسند صحيح عن زرارة أنه قال: سمعت أبا عبد اله عليه السلام يقول: أن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قلت: ولم؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر. وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول : مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر، غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.
ومنها ما رواه الكليني أيضاً بسند لا بأس به عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا بد له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة.
ومنها ما رواه الكليني أيضاً بسند معتبر عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، الغيبة الأولى لا يعلم بمكانه فيهما إلا خاصة شيعته والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه.

والمستفاد من هذه الروايات أمور عديدة تقتصر في الحديث على جملة منها:
1 - تحدثت هذه الروايات عن أن الإمام عليه السلام يخاف القتل وأنه أحد أسباب غيبة الإمام عليه السلام.
2 - كما تحدثت عن أن الغيبة تهدف إلى امتحان الشيعة وتمحيصهم.
3 - كما تحدثت أيضاً عن أن الإمام عليه السلام ليس لوحده بل يرافقه ثلاثون شخصاً، ويطلع على مكانه في عصر الغيبة الكبرى خاصة أوليائه.

وإذا أردنا ترجمة هذه الأمور الثلاثة وسبر عمقها سيتجلى لنا مفهومان أساسيان:
المفهوم الأول: غيبة الإمام عليه السلام عقوبة من الله تعالى صبّت على الأمة بعدما خذلت أئمتها وتخاذلت عن نصرتهم، وقد بلغ الخذلان أشد مراتبه عندما اقتربت ولادة الحجة عليه السلام.
فالأمة ومنذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعرضت عن أمير المؤمنين عليه السلام ثم استيقظت في فترة من الزمن وسعت بيديها ورجليها نحو أمير المؤمنين عليه السلام ليستلم الحكم، ثم عندما استلم الحكم وسار بهم على كتاب الله وسنة نبيه ووفق قوانين العدل ضاقت بهم الأرض ولم يتحملوا هذا العدل فظهر القاسطون والمارقون والناكثور، ثم لم يصبر اتباعه عليه السلام معه على الحرب فخذلوه وتجلى هذا الخذلان بعدم اجتماعهم في المعسكرات عندما كان يناديهم للجهاد، حتى قتل عليه السلام واستشهد، ثم استلم الحكم الإمام الحسن عليه السلام وخذله الناس حتى اضطر للصلح مع معاوية، وعندما أدركوا خطأهم سارعوا إلى الإمام الحسن عليه السلام يطلبون منه الثورة فلم يكن يقبل حتى استشهد عليه السلام وهو يعلم ما انطوت عليه نفوسهم.

ثم استلم الإمامة الإمام الحسين عليه السلام وأصروا عليه بالثورة إلى أن مات معاوية فكانت ظروف الثورة أوضح والقتال أجدى لكن ما إن اقتربت ساعة الحسم حتى تركوه وحيداً في حربه إلا قلة من خلص الأولياء، وتبين كذب أولئك الناس حتى في دعوتهم للإمام الحسن عليه السلام لأن من هرب من القتال أمام يزيد يكون أسرع هروباً من القتال أمام معاوية خاصة وأن يزيد كان واضح الكفر، كما أنه لم يكن يملك حيلة أبيه.
واستمرت الأمة في خذلانها أيام الأئمة الباقين السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام).

وإذا كان أمير المؤمنين عليه السلام قد وجد قلة من أنصاره أو جد الإمام الحسين عليه السلام سبعين رجلاً فإن الحجة خيف عليه من القتل وهو في بطن أمه فغاب الغيبة الصغرى وهو جنين.
فالإشارة في الروايات إلى أن أحد أسباب غيبة الإمام عليه السلام هو خشية القتل هي إشارة غير مباشرة إلى مستوى الخذلان الذي بلغته الأمة.
ورغم أن هذا الخذلان المتسلسل كان في الشيعة من يزعم أنه خير ناصر وأن عدد الأنصار كثر فكانت الغيبة كصدمة للأمة حتى تعود من خذلانها وأنها إن أرادت لإمامها أن يظهر بينها فعليها تربية نفسها على الاستعداد لبذل كل شي‏ء في سبيل الله وطاعة وليه القائم عليه السلام.
وكانت صدمة ليعرف المدعون الحجم الفعلي للأنصار إذ ظخهر المبطلون والمدعون والكاذبون وبان الخلل في المجتمع الإيماني.
ولذا كانت الغيبة ابتلاء للمجتمع المؤمن حتى يخرج من هذا البلاء مستعداً للتضحية ولنصرة الإمام عليه السلام، فنصير ممن يحب الله لنا مجاورة الأئمة عليه السلام، وقد ورد في بعض الأخبار عنهم عليه السلام "إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم".
وهذا الذي ذكرناه هو أحد ما ورد في بعض الأحاديث من انتفاع الشيعة بالإمام عليه السلام "كانتفاعهم بالشمس إذا غيبها السحاب"، والسحاب غيوم متصاعدة من الأرض فهي ذنوبنا التي أخفت إمامنا عنا فحتى الشمس قد لا نراها لما أحاط بها من ضباب نتحمل نحن مسؤولية إزالته بالعمل الصالح وتربية النفس على إظهار نور الشمس لا العمل على إخفائه.

المفهوم الثاني: أن الإمام عليه السلام رغم غيبته فنحنن غير غائبين عنه فهو يرانا وإن كنا لا نراه يراقب حركتنا ويشرف على مسيرتنا وربما يتدخل دون أن نشعر بتدخله.
وهذا المعنى نستطيع استخلاصه من وجود الثلاثي معه ومن اطلاع خاصة أوليائه على مكانه، فإنه لا شك في أنهم يشكلون واسطة غير منظورة بيننا وبينه، كما يمكن استخلاصه من حديث الشمس، فإن الشمس وإن غيبها السحاب يبقى لها حالة الإشراف على الأرض ويبقى نورها ينفذ من قلب السحاب ليصل إلى الأرض، كما يمكن استخلاصه من التواقيع التي وردت في عصر الغيبة الكبرى إلى الشيخ المفيد، وغيره ومن اللقاءات التي نقلت إلينا.

ولذا علينا أن نعيش حالة الإشراف هذه ونحن نخوص عملية تربية النفوس وتهذيبها بغرض الوصول إلى الإمام عليه السلام أو ظهوره.
ولذا فإن خير انتظار للفرج هو تربية النفوس على الطاعة وعلى التضحية فذلك يعجل من ظهوره عليه السلام ولذا كان انتظار الفرج من أفضل العبادات.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع