مع الإمام الخامنئي | احفظوا أثر الشهداء* لماذا غاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف حتّى الآن؟ فقه الولي | من أحكام الإرث (1) آداب وسنن | تودّدوا إلى المساكين مفاتيح الحياة | أفضل الصدقة: سقاية الماء* على طريق القدس | مجاهدون مُقَرَّبُونَ احذر عدوك | هجمات إلكترونيّة... دون نقرة (1) (Zero Click) الشهيد السيّد رئيسي: أرعبتم الصهاينة* تاريخ الشيعة | عاشوراء في بعلبك: من السرّيّة إلى العلنيّة الشهيد على طريق القدس المُربّي خضر سليم عبود

في بعض آداب التكبير وأسراره



السيد عباس نور الدين


التكبير من أهم وأعظم الأذكار الربانية في الصلاة وسائر العبادات، وظاهره قول الله أكبر، ومعناه كما جاء في حديث عن الإمام الصادق عليه السلام أن الله أكبر من أن يوصف. وحيث أن الله سبحانه وتعالى قد وصف نفسه في محكم كتابه، وقد وصفه أولياؤه بالأوصاف الجمالية والجلالية، فالتكبير يشير إلى حقيقة عميقة تمثل لب لباب المعارف الإلهية وغاية غايات العبادات الربانية.

ونظراً لعظمة هذا المورد ودقته، سنفرد له في هذا المجال باباً خاصاً، نبيّن فيه إن شاء الله أهم ما ينبغي معرفته في ما يتعلق بالعبادة والتوجه القلبي.
وقد مرّ أن عبادة كل عابد حيث أنها عبارة عن توجه القلب إلى المعبود، وبما أن التوجه ينبع من المعرفة، فقيمة العبادة بقدر المعرفة. وهذا ما أكدته الآيات الكريمة والنصوص الشريفة. قال الله تعالى:  ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور﴾ٌ.

على أن المعرفة المشار إليها ها هنا في معرفة المعبود سبحانه. والعابد هو الذي يسري هذه المعرفة في كل وجوده، وتكون عبادته هي هذا السريان والمجاهدة لتحقيقه، حتى يتحول كل وجوده إلى شاهد للحق تعالى، فيصل إلى جوهر العبادة.

فمن المهم، بل الضروري إذاً، أن نعرف الله تعالى ونعمق هذه المعرفة في نفوسنا حتى ننال حلاوة المناجاة ولذة العبادة ونقطف ثمرتها. ويسوقنا هذا التفكر إلى طرح السؤال التالي: وهو إلى أي مدى يمكننا معرفة الله تعالى؟
فإذا ثبت وجود إله لهذا العالم، هل يمكننا التعرف إليه وإلى أي مدى نستطيع أن نتوغل في معرفته؟

وهنا دار جدال ونزاع طويل بين مجموعة من المتكلمين والفلاسفة. وقد جرت بعض المناقشات حول روايات ونصوص مقدسة تناولت هذا الموضوع. وانقسم المتنازعون إلى فئات.
فمنهم من قال بأننا يمكننا أن نعرف الله كما هو الله. أي نعرفه معرفة تامة. وبعبارة أخرى ندرك كنه ذاته. لأن ذاته ليست إلا صفاته. والإنسان قادر على إدراك الصفة، وهو مأمور بذلك.
ومنهم من أنكر ذلك بالمطلق، واعتبر أن الإنسان غير قادر على معرفة الله، ولا صفاته. وغاية ما يستطيعه هو التعبير باللفظ دون المعنى عنه سبحانه. فإذا قال أن الله عالم. كما وصف نفسه. فهذا يعني أنه غير جاهل. ونحن لا نستطيع أن ندرك حقيقة صفاته. وقد سميت هذه الفئة عند البعض بالمعطلة. أي الذين عطلوا مسعى الإنسان لمعرفة الله تعالى.
وفئة ثالثة قالت بإمكانية معرفة صفات الله دون ذاته. لأن للذات مقاماً لا يدركه أحد من العالمين، ولا يحيطون به علماً.

أما البراهين المتينة والدراية القوية للأحاديث والنصوص الشريفة فإنها تثبت أن الله تعالى في مقام ذاته لا تكثّر فيه ولا تجزّؤ ولا تعدّد له. فهو بسيط الحقيقة، تعالى عما يصفه المشبّهون. وهو الواحد الأحد. لا يتصور له أي ثانٍ أو شبيه. وذاته الواحدة البسيطة هي كل كمال ووجود. وله الكبرياء الأعلى. فلا شريك له في الوجود والكمال. وإن هذه الذات قد تجلت وظهرت في خلق هذا العالم [ما سوى الله]. قال أمير المؤمنين عليه السلام: "إن الله تجلى لخلقه بخلقه". وشتّان ما بين التجلي والتكثر. أو التجلي والتنزل. فلا نقصان ولا تكثر في الذات حين التجلي. ولا انتزاع أو تجزؤ عند الظهور. فهو الواحد الأحد دوماً وأبداً. قال الإمام الصادق عليه السلام: "كان الله ولم يكن معه شيء. ولم يزل وليس معه شيء". في إشارة إلى مقام ذاته المقدسة، التي لا مجال معها لأي شيء. وكل ما سواه مظهر له وتجلٍ لكماله، عزّت صفاته.

فصفاته وأسماؤه مظاهر ذاته، وليست كنه ذاته. كما اشتبه على بعض المعتزلين: ولا يحيطون به علماً. وغاية ما يدركه الإنسان في معرفة ربه معرفة صفاته؛ قال الله تعالى: {سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين}. على أن لمعرفة صفاته درجات. فكل مخلوق في الوجود هو مظهر صفاته وأسمائه. ولا يوجد أحد من العالمين إلا وهو مطلع على مظاهر صفاته التي هي مخلوقات هذا الكون في كل أرجائه.
على أن هذه المظاهر تتفاوت من حيث الدلالة والإشارة إلى الصفات الإلهية. فكلها آيات، إذا عرف الإنسان كنهها دلته على خالقها وعرّفته صفاته تعالى. ولكن معظم الناس غافلون عن دلالتها: {يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}. لهذا لا يمكن نعتهم بأنهم يعرفون ربهم. لأن معرفة الرب تبدأ بمعرفة صفاته في مقام الإطلاق. ومعرفة مظاهر صفاته في مقام المحدودية هي الاحتجاب والجهل.
وإذا أدرك الإنسان صفات الرب في مقام الإطلاق، وعلم أنه على كل شيء قدير، وأنه بكل شيء عليم، فقد خلع ربقة الجهل ودخل في حرم المعرفة.

وبعدها يعبر مراتب عديدة في معرفة صفات الحق. وأعلى هذه الدرجات والمراتب مرتبة التجلي الأعظم وهو مقام جمع الأسماء. فلا يرى تكثّر فيها. كأن يرى القدير عين العليم، والحكيم عين الرحيم وكلها عين بعضها البعض، ولا تكثّر في الحيثيات.
فإذا وصل إلى هذا المقام من المعرفة يصبح مستعداً للمقام الأسنى، وهو أن يدرك أنه غير قادر على معرفة كنه الذات فيقول حينها: الله أكبر من أن يوصف. ويعلم معنى كلام مولى الموحدين وسيد العارفين (عليه السلام) "وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه".
والعبادة كلها قائمة على هذا الأصل وهو التوجه إلى الذات بعين العجز عن إدراك الذات: سبحان من لم يجعل طريقاً إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.

وقد اشتبه الأمر على فئة في أيامنا هذه. فقال أصحابها إننا نعبد الأئمة (عليهم السلام) في صلاتنا. مستندين في ذلك على اعتبار أن العبادة عين المعرفة أو هي تعبير عن المعرفة، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) هم المظاهر التامة لأسمائه وصفاته. كما جاء في الأحاديث: "نحن أسماء الله الحسنى". وليست هذه الشبهة إلا من خلط المعقول بالمنقول، والتوغل في كلمات العرفاء دون مقدمات صحيحة والدخول في هذا العالم بقدم الأنانية. لأن معرفة الصفات في الحقيقة هي التي توصل الإنسان إلى هذه المعرفة الجوهرية التي يعبر عنها أكمل خلق الله (صلّى الله عليه وآله): "إلهي ما عرفناك حق معرفتك" (وبالطبع من المتوقع أن تقوم هذه الفئة بتأويل هذا الحديث الشريف).

فالصلاة التي هي ثناء جامع تبدأ بالتكبير الذي حقيقته إظهار العجز عن معرفة كنه الذات. وهو توجه إلى الذات دون سواها. ولا معبود سواه. ومن توجه إلى غير الذات، فلا الله عبد، ولا صفاته عرف. لأن معرفة الصفات في مقام الإطلاق يساوي تماماً معرفة أن للذات مقاماً لا يحيط به أحد. وأن ذات الله هي الحق. وما سواه مخلوق له سبحانه وتعالى عما يصفه الملحدون.

وإذا فهمت. أخي القارئ. معاني ما تلونا عليك، تكون قد أدركت أصلاً عظيماً من الأصول العرفانية، ومبدأً جوهرياً تقوم عليه جميع العبادات. وهو معنى التوحيد وكمال الإخلاص.
على أنه لا ينبغي أن نشتبه في أن للمعرفة من جهة أخرى درجات. فهناك المعرفة الاصطلاحية التي هي جمع المصطلحات والألفاظ وتنظيمها بشكل صحيح. ويجيد الإنسان هذا الفن بحيث قد يعمى عليه أنه لا يعلم شيئاً. ورب عالم قد قتله جهله. فإذا كنا قادرين على التحدث كالعرفاء وذكر كلماتهم بشكل صحيح فهذا لا يعني أننا فهمناها. ولعل مقتل الكثيرين من طلاب العلم يكمن هنا. وقد ذكر أن العلم هو الحجاب الأكبر.
وهناك المعرفة العقلية التي يصل إليها بالبرهان والدليل. وهي التي تنفي الشبهات العلمية فيما يتعلق بالموضوع المبحوث عنه، وهي مقدمة لمعرفة أرقى هي المعرفة القلبية اليقينية.

والعبادة الحقة هي توجه القلب. وما لم تصل المعرفة إلى القلب لا تكون العبادة حقيقية. ومجرد استحضار المعاني لا يكفي. نعم، يستخدم العابد في مقام المجاهدة معارفه العقلية لإيصالها إلى مقام القلب ونيل شرف العبادة.
وعليك أن تعرف في نفسك أي درجة من المعارف حصل حتى لا تقع في الاحتجاب. والله الموفق.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع