مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

عالم الدين ودوره في المجتمع‏

عالم الدين ودوره في المجتمع‏ على أساس تجربة الإمام الخميني المقدس‏

بقلم: الشيخ خضر نور الدين(*)


في بداية هذا البحث كان لا بد من الانطلاق من الحديث النبوي المشهور "العلماء ورثة الأنبياء" ثم سنتظرق إلى مسلك الإمام الخميني المقدس نفسه من خلال فهمه لدوره كعالم، وفي القسم الأخير نذكر الأمور التي لا بدَّ للعالم أن يهتم بها للوصول إلى أهدافه العليا في المجتمع.

* "العلماء ورثة الأنبياء":
طبيعي أن يرث العالم دور الأنبياء لا أملاكه وأمواله أو أي شي‏ء آخر، فالعالم مسؤول عن المجتمع بعد النبي حيث أننا نعتقد أن الأنبياء أرسلهم الله عز وجل مبشرين ومنذرين وهداة ومصلحين ومذكرين ومحاربين للكفر والظلم وحكام عدل.
 ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِين﴾ٍ (الجمعة: 2).
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُور﴾ٍ  (إبراهيم: 5).
 ﴿يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾  (المائدة: 16).
 ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيز﴾ٌ  (الحديد: 25).
 ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة: 213).
 ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾  (النساء: 165).


وقبل التعرض إلى مضمون الآيات الكريمة كان لا بد من الإشارة إلى أن إرسال الأنبياء من قبل المولى عز وجل كان لطفاً منه ومحبة لعبده الإنسان المخلوق المكرم والمدلل والمطلوب له أن يسير في طريق التكامل ليصل إلى مقام الخلافة لله (إني جاعل في الأرض خليفة) فالعنوان الأساس لدور الأنبياء هو صياغة وصناعة الإنسان ليكون نعم المخلوق المستخلف على الأرض والتفاصيل الأخرى إن كانت فيما يعني أموره وأحواله في الدنيا أو مصيره في الأخرى يجب أن تصب في هذا الإطار العام.

الإخراج من الظلمات إلى النور والهداية وإبعاده عن الطاغوت وتعليمه و... كل هذا يصب في خانة التربية والرعاية للإنسان ليكون في مجتمعه الإنسان الفاعل بحرارة الإيمان وبنية التقرب إلى الباري المعبود حتى ولو على حساب ماله وأملاكه وعياله ونفسه مع استئناس نتيجة الارتباط الذي يوجد مع الله عز وجل. فيندفع الإمام الحسين عليه السلام عندما يرى الأمانة التي ورثها عن أخيه وأبيه وجده عليهم السلام للاستشهاد بمحبة وطيبة عندما رأى أن ذلك يؤدي الغرض وهو بقاء الإسلام على الرغم من التحريف، فبعد استشهاد أهل بيته وأنصاره واقتراب ساعة لقائه مع ربه مضرجاً بدمائه كان وجهه كالبدر لشدة إشراقه لاستئناسه بقيامه بتكليفه.

وباختصار وظيفة النبي دفع الإنسان باتجاه الفطرة التي فطره الله عليها ودعوة المجتمع وتقويته وتثبيته لغلبة القيم الإنسانية التي أرادها الله عز وجل كطريق للخلافة. (فذكر إنما أنت مذكر لست لعيهم بمسيطر) ومن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان الأئمة عليه السلام ومن بعدهم يأتي العلماء، فمسؤوليتهم بحسب الحديث مهمة جداً بل خطرة وينظر إليهم الله عز وجل ليرى ما يفعلون.

* الإمام الخميني قدس سره العالم القدوة:
إن أي متتبع لسيرة هذا العالم الكبير يستطيع الوصول إلى نتيجة مفادها أنه قام بدور الأنبياء وكان نعم المصداق للحديث الشريف، وما الثورة الفكرية والسياسية والاجتماعية العامة التي انتصرت بفعل هذا العالم العظيم إلا نتاج لجهد بذله قدس سره بدأه بمجاهدة نفسه وصياغتها وتكاملها ورقيها الروحي والمعنوي وأتمه بمواجهة الطاغوت بعد أخذه بمجتمعه باتجاه النور الإلهي فكان له النصر، وحقاً يمكن القول أن الخميني قدس سره قام بمعجزة غير عادية في هذا الزمن البائس حيث كان الإسلام يعيش الاحتضار على رغم وجود حركات وأحزاب وهيئات وجمعيات كانت تُعنى بشؤون الإسلام.
ولا شك ولا ريب أن شخصيته قدس سره لعبت دوراً أساسياً في نهضته المباركة، ومن هنا كان لا بد من التوقف عندها للاستفادة منها، وما أحوجنا اليوم إلى مقومات شخصيته.
- اهتمامه بالعلوم الحوزوية حتى بلغ مرتبة الاجتهاد.
- اهتمامه بالعلوم الإلهية (فلسفة ، قرآن...).
- اهتمامه ببناء شخصيته من خلال العمل على تزكيتها.
- اهتمامه بحبه للناس والعمل لرفع الظلم عنهم.
- اهتمامه بمتابعة الأوضاع السياسية العالمية وخاصة ما يهم العالم الإسلامي و إيران.
- اهتمامه بالاستفادة من أي طاقة خير لمواجهة الطاغوت.
- اهتمامه برسم الأولويات في العمل.
- اهتمامه بترشيد الأمة قبل الثورة، وبعدها لتتحمل المسؤولية بوعي.
- اهتمامه بالشباب كعنصر مهم وأساس في عملية التغيير.
- اهتمامه بالعيش بشكل يواسي شعبه.
- اهتمامه بإيجاد عاطفة عنده يتعاطى من خلالها مع المستضعفين.
- اهتمامه بقول الحق ولو كان مكلفاً.
- اهتمامه بعوائل المجاهدين والشهداء والمساكين.
وبشكل عام استطاع هذا الرجل لتكون كلمته مسموعة أن يصل إلى قلوب الناس قبل عقولها، فقاتلت بين يديه طواعية ومحبة، وعندما رجل بكته قلوب الملايين في إيران وخارجها لما احتل من مكانة غير عادية في قلوب المستضعفين والمظلومين.
نعم لا يكفي العلم أو الاطلاع إلى معاجز يقومون بها ليؤمن بهم الناس وليصدقوهم وليكونوا في خدمتهم. أما الإمام الخميني قدس سره استطاع كل ذلك وحقق دولة السماء التي كانت حلم الأنبياء من دونها، ومن هنا أؤكد على ضرورة التعلم منه بحيث تكون سيرته ونهجه وتعاليمه وأحكامه وقراراته النموذج الذي يتبع، وهذه المسائل تحتاج إلى مطولات لا يسعها البحث والمريد باستطاعته متابعة ذلك من الكتب التي كتبت عنه وله.

* الأمور المطلوبة من العالم اليوم:
بعدما مرّ معنا أن العالم وارث للنبي ودوره مهم وبعد تفصيل مقومات شخصية الإمام الخميني المقدس التي ساهمت في تأثيره للقيام بالدور المطلوب أشير إلى أن امتلاك تلك المقومات مفيد لأي طالب علم ينطلق ليتحمل مسؤوليته في الحياة أمام الله. وبسبب ما نراه من اضطراب ومشاكل داخل حياة من يتصدون لطلب العلم ويدرسون ليكونوا علماء الأمة نرى التفاوت البين فيما بينهم، وقلما نجد الشخصية المطلوبة، ومن هنا نرى الضياع في الأمة، وكما في الأحاديث إذا صلح العالم صلحت الأمة وإذا فسد فمن الطبيعي أن تفسد الأمة، لأن الناس والعوام منهم خصوصاً يحتاجون إلى المرشد والموجه والمربي، والناس لا يؤخذون بالكلام فقط إنما يتطلبون الصدق في التعاطي بحيث يكون درس العالم من خلال مسلكه ومنهجه وخصوصاً في القضايا السياسية والاجتماعية بعد المسائل الأخلاقية، فإذا ما وجد وعاظ السلاطين، وما أكثرهم، وإلى جانبهم المتزيون بزي العلماء الذين يعبرون إلى الدنيا من خلال هذا الزي بالإضافة إلى البعض الآخر غير المبالين. كل هذا والأمة تنتظر من تمشي وراءه لتتخلص من الطواغيت الجاثمة على صدرها وبعد أن عانت طويلاً من الرجالات الذين باعوا واشتروا، وما حصل في إيران وفي لبنان دليل على انتظار الأمة وإخلاصها للعالم المخلص الناصح المحب. ومن هنا تزداد مسؤولية العلماء اليوم، فهم الأمل الباقي للناس، وإليهم تشد الأعين. ولذلك على كل ساعي للعلم أن يلتفت إلى عظم مسؤوليته، وكلما تعاظمت المسؤولية صعب الطريق وكثرت الشروط، وهذا منها:
1 - تحصيل علمي يكفي على الأقل لتبليغ الأحكام والمفاهيم بالشكل السليم بعيداً عن ثقافة الوهم والظن والاحتمال.
2 - متابعة أوضاع الناس واهتمامه بشؤونهم الاجتماعية وحل مشاكلهم حتى ولو كان ذلك على حساب وقته وراحته.
3 - الاقتراب من الناس عاطفياً وإقامة علاقات ترابية بعيداً عن ديدين الزعامات حتى ولو تعاطى معه الناس على أساس ذلك.
4 - متابعة الأحداث السياسية ووضع الناس في أجوائها منعاً من تأثير أصحاب المصالح الشخصية.
5 - توضيح التكاليف الشرعية للناس بشكل لا يراعي المصالح الشخصية لنفس العالم أو للناس.
6 - العمل على تشكيل جمعيات أو لجان أو مؤسسات ليسد الفراغ القائم نتيجة إهمال الأنظمة للفقراء والمساكين والمعوزين.
7 - التصدي لكل طاغوت صغيراً كان أم كبيراً لكي يتجرأ الناس على مواجهته بعد تكسير الهالة التي يحيط نفسه بها.
8 - التركيز على إيجاد أجواء روحية للناس يستطيع من خلالها رفعهم إلى المستوى الإيماني المطلوب حتى يندفعوا للتضحية بالمال أو بأي شي‏ء آخر.
9 - العمل على جذب كل الطاقات والقطاعات وليأخذ من كل منهم ما يفيد المصلحة العامة ويوصل للهدف وبنفس الوقت يُعمل على رفعهم إلى المستوى المطلوب.
10 - عرض سيرة الأولين وأخذ العبر منها خصوصاً سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار والتوقف عند أمرين: الأول كربلاء وما فيها من معاني، والثاني الانتظار في زمن الغيبة.

وأخيراً ألفت النظر إلى أن أجواء الناس عندنا في لبنان قريبة جداً من الدين بفعل المقاومة وفكرها والتزامها وإخلاصها، وما نراه في المناسبات الدينية وخصوصاً في عاشوراء أكبر شاهد، فالخير في الناس موجود كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "الخير في أمتي إلى يوم القيامة"، على العلماء أن يبحثوا عنه ويعملوا على إنمائه، وليكن كما أشرت الإمام الخميني المقدس هو النموذج والمنطلق، والله الموقف على أساس الحديث المشهور "يا علي اهدِ الناس لئن هدى الله بك رجلاً واحداً خيرٌ مما طلعت عليه الشمس".

(*) عضو المجلس السياسي في حزب الله.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع