حوار: حسن الطشم
اللقاء مع المسؤول الثقافي المركزي في حزب الله يعني الوقوف على النبع الذي نغتذي من أشلائه روح الثقافة الإسلامية الحيّة، الفاعلة والمتفاعلة مع بيئتها ومحيطها وقد تكون مسألة "ولاية الفقيه" من أكثر المواضيع الثقافية سخونة اليوم بالنظر إلى ما أثير حولها من السجالات والنقاشات على وسائل الاعلام وعلى مختلف المستويات السياسية والفكرية وحتى الشعبية.
لذلك أردنا هذا الحوار الصريح مع فضيلة الشيخ محمد خاتون استجلاءً للكثير من الشبهات والأسئلة البريئة منها وغير البريئة.
* متى وكيف نشأت نظرية ولاية الفقيه؟ وهل تشكل أساساً من أساسات الإسلام؟ ولماذا امتاز الشيعة عن غيرهم من المسلمين بهذه النظرية؟
ـ إننا نعتقد أن ولاية الفقيه هي امتداد لولاية الإمام المعصوم عليه السلام وعندما ما تكون امتداداً لولاية الإمام فهي قديمة قدم ولاية الإمام التي هي بنفسها امتداد لولاية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ذلك فليس هناك شيء جديد اسمه ولاية الفقيه بدليل أن فقهاء الشيعة عبر التاريخ، اعتقدوا بهذه الفكرة وليس الإمام الخميني قدس سره أول القائلين بها كما يعتقد البعض.
اختلاف الفقهاء كان على درجة ضيق واتساع هذه الولاية ففي حين نادى البعض بالولاية المطلقة للفقيه قصرها البعض الآخر على المسائل القضائية فحسب.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من السؤال "ولاية الفقيه" تشكل أساساً من أساسات الإسلام لأنها امتداد لولاية المعصوم باعتبار أنها تمس الجانب العقائدي هذا من جهة، ومن جهة أخرى هي من أسس الإسلام لأن الحل لكل مشاكل الأمة الإسلامية يكمن في إقامة الحكم الإسلامي والفقيه يمثل الرمز الأول لهذا الحكم.
أما فيما يتعلق بالشق الثالث من السؤال فلأن الشيعة لم يقصروا عصر النص على عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما امتدّ عصر النص بنظرنا إلى عصر الأئمة (عليهم السلام) وهنا نستطيع القول بأن الذي دعا إلى إقامة الأمر في زمن ما بعد النبي هو عينه الذي دعا إلى إقامة هذا الأمر في مرحلة غيبة الإمام عليه السلام وهذه النظرية قال بها الشيعة انطلاقاً من احتياج الأمة الدائم لمن يدبر أمرها في أي عصر من العصور فإن كان العصر عصر النبي فهو يقوم بالأمر وإذا كان العصر عصر الإمام فهو يتولى القيام بذلك وإلاّ فعلى الأمة أن تبحث عن شخص القائد وليس عن عنوانه لأن العنوان قد شخصه الله تعالى ونطق به النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (عليهم السلام) وحددوه بالولي الفقيه الجامع للشرائط.
* ما هي صلاحيات الولي الفقيه؟
ـ يختلف الفقهاء في الصلاحيات المفوضة إلى الولي الفقيه فمنهم من يقول بأن صلاحياته محدودة ومعينة ومنهم من يقول بأنها صلاحيات مطلقة بمعنى أن كل ما ثبت للإمام عليه السلام ثبت للفقيه والإمام الخميني رضي الله عنه يقول في "تحرير الوسيلة" إن الفقيه هو كالإمام إلا في البدء بالجهاد وهذا يعني أن كل ما يستطيع الإمام المعصوم أن يقوم به يستطيع الفقيه القيام به إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن معظم القضايا التكوينية تدخل نطاق ولاية الإمام المعصوم أما الفقيه فقد أسندت إليه الأمور الاعتبارية كما عبر الإمام الخميني قدس سره في كتاب الحكومة الإسلامية وليس الإمام الخميني قدس سره بأول القائلين بالولاية المطلقة للفقيه فهناك الكثير من الفقهاء تحدثوا بهذا الأمر.
* مثل من؟
ـ مثل الشهيد الأول رضوان الله عليه صاحب اللمعة، والشهيد الثاني والشيخ النراقي وصاحب الجواهر الذي يقول: من أنكر ولاية الفقيه كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئاً. أما الإمام الخميني فهو أول من ترجم هذا الأمر لأنه أول من أقام حكومة إسلامية في العصور المتأخرة.
* ألا تعتقدون أن اختلاف الفقهاء في هذه المسألة الحساسة قد يثير بلبلة وتشويشاً لدى العامة؟
ـ هناك مصطلح اسمه الحاكم الشرعي وقد يعتبر كل فقيه حاكماً شرعياً في حالة عدم وجود نظام إسلامي إلا أنه عندما يكون هناك نظام إسلامي فإن الفقيه الذي تصدى وأقام ذلك النظام هو الفرد الذي يعتبر الحاكم الشرعي وبالتالي ينقاد بقية الفقهاء إليه وحتى لو لم يكن هناك نظام فإن ثمة عبارة تذكر عادة في الرسائل العملية وهي أن حكم الحاكم نافذ حتى على الفقهاء الآخرين.
* ولاية الفقيه تفويض شعبي أم إلهي؟
ـ الله سبحانه وتعالى أعطى الشرعية للولي الفقيه وهو الذي فوّض إليه القيام بالأمر، إلا أنه حتى يكون أمر الولي الفقيه نافذاً لا بد من تهيئة طرف شعبي هذا الطرف هو الذي يجعل من أوامر الفقيه أوامر ناجزة بمعنى إن الشعبية بتعاطي القاعدة التي يستطيع الفقيه من خلالها إقامة النظام الإسلامي، لكنها لا تستطيع إعطاؤه الشرعية لأنه لم يأخذ شرعيته منها أصلاً بل أخذها من الله سبحانه وتعالى والناس يفعلون ما أمر به الله سبحانه وتعالى من الاحتضان والتمهيد.
* "تجربة الجمهورية الإسلامية"
* بالانتقال إلى الجمهورية الإسلامية كونها تمثل التجربة العملية لمشروع ولاية الفقيه لماذا لم تجرِ في عهد الإمام الخميني قدس سره النقاشات والسجالات الدائرة اليوم حول ولاية الفقيه؟
ـ كانت تجري مثل هذه النقاشات في حياة الإمام قدس سره وإن بدرجة أخف مما هي عليه الآن، إلا أن الحرب المفروضة على الجمهورية لم تسمح لهذه النقاشات أن تطفو على السطح لأن دوي المدافع كان أعلى من صوتها أما وقد بردت فوهات المدافع فمن الطبيعي أن تتناهى إلى أسماعنا أصوات الذين عارضوا حتى الإمام الخميني قدس سره.
*"المعارضة"
* إلى أي مدى يمكن الحديث عن معارضة فكرية أو سياسية في ظل ولاية الفقيه؟
ـ مرةً نتحدث عن شرعية معارضة ومرةٍ أخرى نتحدث عن واقع معارضة. فإذا كان السؤال متى تكون المعارضة شرعية للولي الفقيه هنا يفترض بنا النظر إلى أصل المسألة والاعتراف بأنه لا بد للناس من نظام معين وأصلح من يقوم بذلك هو الولي الفقيه فإذا تصدى الفقيه للأمر فلا بد من طاعته ولا شرعية لأي معارضة إلاّ في حدود معينة كأن يخطئ الفقيه ويخرج عن الأصول والمباني الإسلامية التي يجب الالتزام بها فحينئذٍ يأتي دور مجلس صيانة الدستور الذي له صلاحية العزل عند افتقاد الشرائط اللازمة للولاية. وهذه المسألة فرضية إلى أبعد الحدود ذلك أن المجالس المساعدة للولي الفقيه تجعل أي أمر يصدر عنه في غاية الدقة ومرة نتحدث عن واقع وجود المعارضة، واقعاً المعارضة موجودة ولم يخلُ أي وقت على الإطلاق من معارضة حتى في زمن النبي ثمة من معارضة في معركة أحد وهم أشخاص معروفون وفي معركة بدر وحنين وفي غزوة الأحزاب.
* ألا يمكن الحديث هنا عن مستويات للمعارضة فقد تكون المعارضة فكرية مثلاً تدلّل على خصوبة وغنى في التراث الفكري؟
ـ نعم، هذا الكلام سليم وهذا ما حدث فعلاً في حياة الإمام حيث نشر البعض آراء مخالفة للإمام الخميني قدس سره في الصحف وكان الأمر طبيعياً لأن ذلك لم يكن ليؤثر على المصلحة العليا للنظام. إنما عندما يكون منشأ المعارضة أهداف ومآرب شخصية ويعبر عنها بالتدخل في الأمور التنفيذية فهذا يعني أن هناك أكثر من طرف يسعون إلى تطبيق النظام وهذا هو الضياع بعينه.
* حتى هنا يمكن الحديث معارضة للسياسات التنفيذية إذا كان منشأ هذه المعارضة الغيرة والحرص على النظام؟
ـ بهذا المعنى المعارضة ليست مقبولة فحسب بل مطلوبة ونحن لا نوافق على تسميتها بالمعارضة، بل هي من قبيل النصيحة التي هي واجبة على سائر العلماء وحتى عامة الناس، ولكن يجب أن تكون عبر الطرق والقنوات السليمة وليس عشوائياً.
* نقاشات واسعة ستشهدها الساحة السياسية والفكرية في إيران حول ولاية الفقيه برأيكم هذه السياسات ناتجة عن ضبابية في الرؤية أم أنها طبيعية إزاء قضية بهذه الأهمية وهذه الحساسية؟
ـ قضية نظام الحكم عبر التاريخ هي القضية الأكثر سخونة ولطالما اشتعلت على مائدتها حروب ونسجت تحالفات وسقطت أنظمة لذلك النقاشات والسجالات لم ولن تتوقف وقد ذكرنا قبل قليل أن النبي عورض في بعض التفاصيل والإمام علي عورض في التفاصيل وفي أصل ولايته. أما عن السجالات الدائرة في إيران اليوم فهي ناتجة بنظرنا ناتجة عن علم ومعرفة واجتهاد وليس عن غموض وجهل لكننا نستطيع القول وبكل ثقة أن مبدأ ولاية الفقيه أثبت نجاحه بعد أكثر من 19 سنة على انتصار الثورة الإسلامية واستطاع أن يعبر بالجمهورية أصعب المراحل الحرجة خلال الحرب وبعدها وأثناء عاصفة الصحراء والعواصف السياسية التي تهب على هذه الثورة الفتية من كل الجهات.
* فضيلة الشيخ بالعودة مرةً أخرى إلى الوضع الداخلي في الجمهورية الإسلامية. وفقاً للدستور يقوم الناس بانتخاب ما يزيد على 80 بالمائة من علماء الدين المجتهدين في إطار منافسة انتخابية مفتوحية بانتخاب مجلس الخبراء الذي يقوم بدوره باختيار القائد فهل يمكن اعتبار الآلية التي يصل من خلالها القائد إلى موقعه آلية ديمقراطية؟
ـ حقيقةً ليس هناك آلية محدّدة في اختيار مجلس الخبراء للقائد، فلو عدنا إلى النّصوص فلن نجد آلية محدّدة لذلك. من الممكن أن يكون الأئمة قد تناولوا هذا الموضوع إلا أنه لم يصلنا شيء محدد حول هذا الموضوع. ولكنه يمكن القول بأن الأمة التي يجب عليها طاعة الولي الذي نصبه الله تعالى بناءً على التزامها بالإسلام لا بد لها من طريقة لتشخيص هذا الولي في عصر غيبة المعصوم، فالمواصفات والشرائط المطلوبة في الولي لا يلتفت إليها عامة الناس، فلذلك كان لا بد من اختيار مجلس من الخبراء والمجتهدين تكون له هذه الصلاحية أي صلاحية تحديد الفقيه الذي يمتلك الشرائط الكاملة والتامة للولاية. وهذه الصيغة هي أكمل ما يمكن تصوره من أجل إيصال الفقيه الجامع للشرائط إلى ذلك المقام.
* هل يحق لمجلس الخبراء عزل القائد متى توفرت لديه القناعة بأنه فقد أحد شروط القيادة ولماذا لا تحدد المدة الزمنية التي يمارس القائد مهامه خلالها؟
ـ الولي الفقيه، هو الذي يفرض نفسه في الواقع وإن لم يكن كفؤاً فلن يستطيع الاستمرار في موقعه لأن مجلس الخبراء يملك صلاحية عزله إذا ما تأكد من عدم أهليته للقيام بدوره كما يجب في إدارة شؤون الدولة الإسلامية وهذا في الواقع فارق أساسي بين النظام الإسلامي والأنظمة الأخرى، ويبين آلية وصول الولي الفقيه إلى موقعه بين الأشكال الانتخابية في أنحاء العالم حيث يتسع شكل الحكم ويضيق حسب رؤية القيم عليه أما الولي الفقيه فلا يستطيع أن يعمل إلا بأحكام الإسلام المدونة أما فيما يختص بالجزء الثاني من السؤال فإننا نسأل السؤال بطريقة عكسية، لماذا تحدد المدة الزمنية طالما أن الضمانة التي هي مجلس الخبراء موجودة وهي كفيلة بعدم بقائه شهراً واحداً في الحكم إذا تبين أنه ليس أهلاً للقيادة.
* إذا كان دور الولي الفقيه يتركز في جزئه الأساسي في تقرير السياسات العامة التي على أساسها يتم العمل بالسياسات التنفيذية الثقافية والاقتصادية والعسكرية فما هو إذاً دور أجهزة الدولة كالوزارات والإدارات وغيرها؟
ـ تقوم أجهزة الدولة بتنفيذ السياسات العامة برئاسة رئيس الجمهورية وليس الولي الفقيه. الولي الفقيه هو القيم والمشرف على حركة رئيس الجمهورية والنظام بشكل عام ويعطي شرعية لهذا النظام ويمهد له سبيل النجاح.
* عَبْرَ؟
عبر تلبية احتياجات رئيس الجمهورية غير المتاحة له كرئيس جمهورية مثلاً الصلاحيات التي أعطيت للشيخ رفسنجاني بعد انتهاء الحرب. هذه الصلاحيات بحاجة إلى أحكام اجتهادية ولا يملك إعطاءها غير الولي الفقيه.
* هل يعني تركيز الرئيس خاتمي الدائم على احترام الدستور والقوانين وضع الحكومة والدولة في مواجهة الثورة الاصلاحية والولاية؟ وهل يحمل الرئيس خاتمي مشروع بيريسترويكا على الطريقة الإيرانية؟
ـ في واقع الأمر أثيرت ضجة اعلامية كبيرة حول هذه المسألة كان القصد الايحاء بأن السيد خاتمي هو من خارج عقلية ولاية الفقيه لكن الحقيقة التي لا يعرفها هؤلاء أن السيد خاتمي ليس إلا ابنا من أبناء الثورة ولم يخالف أي مبدأ من المبادئ التي طرحها الإمام الخميني قدس سره والسيد القائد من بعده ولهذا قدر له أن يبقى في سدة الرئاسة وإلا لو كان الأمر كما صدّره الاعلام فكيف يستطيع البقاء في موقعه طالما أن الولي الفقيه ممسك بزمام الأمور وبيده كل مفاتيح قوة النظام أصلاً لا يمكن لأي شخص الترشح للانتخابات إذا كان معادياً لمبادئ الثورة والنظام.
أما في ما يتعلق بالشق الثاني من السؤال فإن الفارق بين البيرويسرويكا السوفياتية والإيرانية هو الاختلاف بين شخصي كلٍّ من غورباتشوف ليس في حقيقته بيريسترويكا التي تعني إعادة البناء وإنما هو نسف البناء وهذه العبارة ملطفة عمّا كانت في الواقع.
أما السيد خاتمي فهو كما ذكرنا من داخل الثورة ومن المؤمنين بفكر الثورة أما ما فعله غورباتشوف في "بيرويسترويكيته" فكان من الخارج.
* لكن غورباتشوف كان شيوعياً؟
ـ هذا صحيح لكن انفتاحه على الغرب لم يكن من الشيوعية بشيء فغورباتشوف خالف أبسط مبادئ الشيوعية التي كتبها ماركس وهيغل خالف الشيوعية في نظرته إلى الغرب إلى رب العمل إلى الرأسمال...
بينما السيد خاتمي هو ابن الإسلام وانفتاحه لا يتنافى مع تعاليم الإسلام وحتى هو لم يسمِّ ما يفعله إعادة بناء لأن البناء بنظره قويم ولا يحتاج إلى إعادة بناء.
* بعد انتخاب السيد خاتمي رئيساً للجمهورية تمَّ تعيين الشيخ رفسنجاني رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام، تحدّث بعض المراقبين عن اعادة صياغة البيت الإيراني من جديد فما هو رأيكم؟
ـ يمتلك الشيخ رفسنجاني خبرة غير عادية على المستوى السياسي والإداري والتنموي كان ينبغي الاستفادة منها خصوصاً أن حجم المتابعات التي يضطلع بها رئيس الجمهورية يجعله مستغرقاً في الأمور الإجرائية لذلك عُيِّن الشيخ رفسنجاني رئيساً لمجلس تشخيص مصلحة النظام التي يمد النظام بمجموعة كبيرة من المعطيات التي بها يستمر ويتجنب المخاطر التي تتهدده وهذا ما يصب في مصلحة السيد خاتمي والنظام بشكل عام.
(*) المسؤول الثقافي المركزي لحزب الله.