مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

علوم: أي تقلبات مناخية سيشهدها العالم؟


الأرض بين ظاهرتين: "التسخين" و"النينو"


بعد أن هدأت عاصفة الحروب الباردة أضحى العالم يواجه حاضراً ومستقبلاً، خطراً جديداً ساهمت المدنية الحديثة والتطورات الصناعية الهائلة في إيجاده، وهو ناجم عن التلوث الصناعي والتغيرات المناخية والتقلبات الجوية التي بدأت تشدّد الخناق على الكرة الأرضية إلى درجة أضحى العالم فريسة تعتصرها عوامل طبيعية شاذّة متمثلة "بالتسخين العالمي" و"النينو".
وكنّا قد تطرقنا في العدد الماضي لظاهرة "التسخين العالمي" وفيما يلي سنتطرّق إلى:

* ظاهرة "النينو"
تعرّضت المناطق الغربية في الولايات المتحدة ومناطق جنوب شرق آسيا وسواحل شبه القارة الأوقيانية وبعض مناطق الشرق الأوسط هذه السنة إلى تغيرات مناخية لم تشهدها أي مناطق أخرى في العالم. فبعد جفافٍ استمر 219 يوماً متتالية تعرّضت معظم سواحل ولاية كاليفورنيا للفيضان، بينما لحق دمار واسع النطاق بساحل "أكابولكو" في المكسيك، إلى الجنوب من كاليفورنيا بعدما ضربه إعصار "نورا" برياحه وأمواجه العاتية، ومع ذلك فإنّ علماء الأرضاد الجوية والمناخ يقولون إنّ ما شهدته هذه المنطقة أشبه بنزهة مقارنة بما سيصيبها في وقت لاحق من هذا العام أو العام المقبل! أيضاً تساقطت الثلوج هذا العام ولأول مرّة منذ عشرات السنين على مناطق عديدة في الشرق الأوسط منها صحراء النقب والصحراء العربية، وسبب المشكلة هنا "النينو" وهو تيار من المياه الدافئة الساخنة التي تتكوّن كلّ سنة قبالة ساحل بيرو.

 وكلمة "النينو" اسبانية وتعني "الطفل". وقد أطلق عليه سكان بيرو الكاثوليك هذا الاسم نسبة إلى السيد المسيح عليه السلام، لأنّ التيار يبدأ في التكوّن في فترة أعياد الميلاد. وتشير توقعات الأرصاد الجوية إلى أنّ هذا التيار سيكون أضخم تيار من نوعه في التاريخ هذه السنة، إذ أنّ كتلة من المياه الساخنة، التي تزيد درجة حرارتها ست درجات على المعتاد، ويبلغ طولها حوالي عشرة آلاف كيلومتر ستنطلق إلى الشمال والجنوب محدثة اضطرابات وتقلّبات هائلة ممّا سيؤدّي إلى حدوث فيضانات وعواصف في كثير من أنحاء العالم، وتتوقع دراسة حكومية أميركية أن يتسبب هذا الإعصار في دمار تزيد كلفته على 20 مليار دولار أميركي، ومقتل ثلاثة آلاف شخص في مختلف أنحاء العالم، وأدّى هذا التيار إلى حدوث جفاف في أستراليا وتأخير هطول الأمطار الموسمية في جنوب شرق آسيا مما جعل الغابات في أندونيسيا وماليزيا تحترق وتغطّي سحباً من الدخان في تشرين الأول الماضي، وعلى النقيض من ذلك شهدت صحراء أتاكاما في شمال تشيلي التي لا تعرف المطر في العادة، فيضانات شديدة وعواصف لم يسبق لها مثيل. وتقول الإدارة الوطنية للمحيطات والمناخ في أميركا أنّ "النينو" يحدّد نماذج المناخ في ثلاثة أرباع العالم، ومن ذلك مثلاً أن يؤدّي إلى حدوث رياح في طبقات الجو العليا فوق المنطقة التي يتكوّن فيها، ثمّ تزداد شدّة هذه الرياح ودرجة اضطرابها مع عبورها أجواء الأطلسي إلى البحر الأبيض المتوسط.

وعلى رغم أنّ العلماء لا يعرفون كلّ أبعاد هذه الظاهرة بصورة دقيقة، فإنّهم يعتقدون بأنّها تعزى إلى ارتفاع درجة حرارة مياه المحيط، ممّا يولد رياحاً قوية تولد بدورها تيارات مائية ساخنة فوق سطح مياه المحيط، لتحدث الأعاصير وما ينجم عنها من دمار. ولما كانت المياه الباردة تحتوي على نسبة أوكسجين أعلى مما تحتويه المياه الساخنة فإنّ عدد الأسماك فيها يفوق كثيراً عددها في المياه الساخنة، بل وغالباً ما تهرب الأسماك من التيارات الساخنة في الوقت الذي يتكاثر فيه عدد الحشرات التي تفضّل الجو الساخن كالبعوض، وغيره من الحشرات الناقلة للأمراض، ولهذا السبب فإنّ المناطق التي تصاب بالأعاصير والفيضانات غالباً ما تعاني بعد ذلك مباشرة من انتشار الأمراض المُعدية مثل الكوليرا والتيفوئد والملاريا وما إلى ذلك.

ومن الأضرار الأخرى التي تنجم عن تلك الأعاصير انخفاض كميات المحاصيل الزراعية كالقمح والذرة والشاي والبن والسكر والأرز وغيرها. على سبيل المثال تقول السلطات في استراليا أنّها تتوقّع أن يصل محصول القمح هذه السنة إلى 16 مليون طن فقط بسبب الجفاف مقارنة بحوالي 24 مليوناً العام الماضي، ولما كانت هذه الأعاصير مثل "النينو" تصل ذروة قوتها وتدميرها مرة كلّ سنتين إلى سبع سنوات فإنّها تؤدّي إلى انخفاض المحاصيل وارتفاع الأسعار.

* تغيرات وتوقعات مناخية:
من المنتظر أن يؤدّي تيار "النينو" الحالي إلى تغيّرات كبرى في مناطق مختلفة من العالم تمتدّ من باكستان إلى القارة الأميركية، كارتفاع درجة حرارة مياه المحيط الهادئ بمعدّل 9 درجات مئوية فوق معدلها العادي ممّا سيؤدّي إلى هجرة أسماك "التونة" نحو الشمال باتجاه شواطئ كاليفورنيا، وظهور بوادر جفاف إضافية في أندونيسيا، وتشهد مناطق باكستان شمال غربي الهند جفافاً غير عادي، فيما تتساقط أمطار غزيرة على تشيلي. أمّا مناطق أميركا الوسطى فتشهد حال جفاف نسبي، بينما تعزى أسباب الجفاف في كوريا الشمالية ومناطق من الصين إلى "النينو". وتهدّد قلّة هطول الأمطار حركة المواصلات البحرية عبر قناة بنما، لأنّ انخفاض مستوى المياه فيها يفرض تفريغ حمولة السفن خارج نطاق القناة قبل السماح لها بالرسو فوقها، ممّا يزيد تكلفة الشحن البحري ويؤدّي إلى ارتفاع أسعار البضائع.
وتنذر الأحداث والتغيرات الجوية التي وقعت خلال الأشهر الماضية بما يمكن أن تكون عليه التغيرات العنيفة المقبلة، فالجفاف في أندونيسيا كان أشدّ من المعتاد. ويتوقّع أن يمتدّ تأثيره إلى أستراليا، كما أنّ حالة الجفاف التي شهدتها باكستان ومنطقة شمال غربي الهند تشير إلى تأثير "النينو" هذا العام وما يمكن أن يحدث خلال العام المقبل. تجدر الإشارة إلى أنّ "النينو" الذي ظهر العام 1982 و 1983 أدّى إلى اضطرابات جويّة أغرقت بأمطارها وسيولها الطينية مناطق في كاليفورنيا وجنوبي الولايات المتحدة، وأدّت الاضطرابات إلى أكثر من ألف حالة وفاة وتسبّبت في خسائر اقتصادية ضخمة، لذا يتوقّع خبراء الأرصاد الجوية أن يحدث "النينو" الجديد اضطرابات جوية لم يشهدها العالم منذ 150 عاماً.
من جهة أخرى يتوقع العلماء أن يساهم "نينو" في إجهاض الأعاصير المدمرة المتوقّع حدوثها. لكنّه لن يتمكّن من تحقيق ذلك في الشتاء الحالي الذي ما زال يتوقع أن يكون مصحوباً بأمطار غزيرة في كاليفورنيا وبقيّة أرجاء القارة الأميركية الجنوبية، ولا يستبعد خبراء الأحوال الجوية أن تعود أسباب الطقس الممطر البارد في أوساط القارة هذا الصيف إلى تأثير ظاهرة "النينو"، بينما يؤكّد هؤلاء أهمية هذه الظاهرة الطبيعية كمؤشر جيد للتغيرات الجوية المتوقعة خلال الأشهر أو السنين المقبلة.

الوضع في المنطقة العربية:
لم تسلم بعض الدول العربية من التقلبات المناخية الشاذة التي يمكن ردّها إلى ظاهرة "التسخين العالمي" إذ عانت تلك الدول من ارتفاعٍ ملحوظٍ في درجات الحرارة خلال الصيف وهبوط أمطار وثلوج في غير أوقاتها، كما حدث في لبنان وسورية وفلسطين والأردن وصحراء النقب والصحراء الكبرى حيث تساقطت فيها الثلوج لأول مرة، وشهدت الكويت ارتفاعاً كبيراً في درجة الرطوبة وهبوط أمطار غزيرة جداً لم تشهد مثلها منذ 60 عاماً، ويحتمل أن يستمر هطول المطر فيها خلال فترات متقطعة بين شباط وأيار 1998، وعانت الصومال من السيول والفيضانات نتيجة هطول أمطار غزيرة غير عادية، بعدما كانت تعاني أصلاً من الجفاف، وشهد السودان سيولاً مائية جارفة واتفاعاً في درجات الحرارة، كما هطلت في المملكة العربية السعودية أمطار غزيرة غير متوقعة.

* حلقة زمنية معيّنة؟
يدرس الدكتور عبد المنعم عبد الرحمن رئيس الهيئة المصرية للأرصاد الجوية ظاهرة التغيرات المناخية الحاصلة في البلدان العربية ودول العالم الأخرى عمّا إذا كانت التقلّبات الجويّة في البلاد العربية ناتجة عن ظاهرة "النينو" أم هي محصلة لمشكة "التسخين العالمي"؟ فيستنتج بأنّ الربط بين "النينو" وما يحدث في البلدان العربية غير صحيح، إذ أنّ هذه الظاهرة ما زالت مقتصرة على المناطق القريبة من المحيط الهادئ مثل بيرو وتشيلي وكولومبيا والولايات المتحدة وبنما، كما أنّها تؤثّر إلى حدّ ما على أستراليا والصين والفيلبين وتايلاند والهند وباكستان وأجزاء من القارة الأفريقية، أمّا ما يحدث حالياً في بعض البلدان العربية فهو مجرّد تغيرات مناخية شاذّة تعود إلى احتمال دخولنا في حلقة زمنية معينة ترتفع فيها درجة الحرارة بصورة غير طبيعية، وقد يلي دخولنا في حلقة زمنية أخرى تنخفض فيها درجة الحرارة بشكل غير طبيعي أيضاً. فالجفاف وقلّة الأمطار أو غزارتها ظواهر معروفة ومتكرّرة منذ القدم تؤكدها المعلومات المتوافرة منذ العام 1900، وكذلك الفيضانات والسيول والزلازل كلّها ظواهر طبيعية.

العالمي النابعة من تراكم غازات الدفيئة في الأجواء وما تسببه من دمار وخراب للبيئة، ويقول أن ما تشهده بعض الدول العربية من تقلبات مناخية قد يعود إلى دخولها في حلقة من الارتفاع السريع والمفاجئ في درجة الحرارة، قد يليه انخفاض سريع ومفاجئ فيها. ويؤكّد إلى أنّ ما يحصل عموماً من تأخر المواسم المعهودة وهطول الثلوج في غير أوقاتها والمعاناة من الجفاف والقحط وهبوط معدّل الأمطار أو غزارتها، وما ينجم عن ذلك من فيضانات وسيول إضافة إلى الحرائق المفاجئة وانخفاض عدد أشجار الغابات هو نتيجة "للتسخين العالمي".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع