كان الغزالي - العالم الإسلامي المشهور - من أِهالي طوس، وهي قرية تقع بالقرب من مدينة مشهد، وفي ذلك الوقت، أي في القرن الخامس الهجري، كانت مدينة نيشابور مركزاً للعلم والمعرفة حيث كان روّاد العلم يقصدونها من جميع الأنحاء.
كان الغزالي من جملة من جاء إلى نيشابور وجرجان لطلب العلم وكسب الفضل، وقد حاز فعلاً على جانب عظيم منهما على يد أساتذة بارعين. وكانت طريقة الغزالي في الدرس أن يدوّن ما يلقيه عليه الأستاذ على ورقة حتى لا ينساه، فتكونت لديه من هذا الطريق مجموعة من المخطوطات كتبها خلال فترة الدراسة ولمّا عزم على الرجوع إلى وطنه جمع هذه المخطوطات ووضعها في محفظة وسار مع القافلة يريد وطنه، فشاء القدر أن يخرج على القافلة قطاع طرق ليسلبوا كل ما في القافلة من مال. فلما وصل دور الغزالي شاهدوا محفظة المخطوطات فأرادوا أخذها منه فتوسل إليهم الغزالي أن يدعوها له، فظنّوا أن في داخلها متاعاً ذا قيمة، فلما فتحوها وجدوا فيها كتباً وأوراقاً، فسألوه ما هذه؟ وما انتفاعك بها فأجابهم: إنها تنفعني ولا تنفعكم.
- وما الذي تستفيده من أوراق كهذه؟
* إنها ثمرة عدة سنين من الدراسة وإذا أخذتموها مني فستضيع معلوماتي كلها وستذهب أتعابي هباء.
- أحقاً أنّ كل ما تعلمته هو في هذه الأوراق؟
- نعم...
فقالوا له إن العلم الذي يكون قابلاً لشرقة ليس بعلم فتركت هذه الكلمة أعمق الأثر في نفسه وأحدثت تغييراً في استعداده وذكائه. إذ أنه كان إلى ذلك الحين كالببغاء في تعلمه، يسجّل كلّ ما معه عن أساتذته على الأوراق، ولكنه أخذ بعد سماعه لهذه الكلمة يدرّب ذهنه على التفكير ويعوّده على الحفظ، فكان يدوّن الدروس والمسائل المهمة في دفتر ذهنه بدلاً من تسجيلها على الورقة. يقول الغزالي عن تأثره بتلك النصيحة الثمينة: إنّ من سن النصائح التي نورّت حياتي الفكرية تلك التي سمعتها من قطاع الطرق.
السالك والمريد
قال عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام: يا بُنَّ احفظ عني أربعاً وأربعاً، لا يضرك ما علمتَ معهنَّ: إنَّ أغنى الغِنى العقل، وأكبر الفقر الحُمق، وأوحش الوحشة العجب، وأكرم الحسب حسنُ الخُلقِ.
يا يُنيَّ إيَّاكَ ومصادقة الأحمق، فإنَّه يريد أ ينفعك فيضرَّك، وإيَّاك مصادقة البخيل، فإنه يقعد عنك أحوج ما تكون إليه وإيَّاك ومصادقة الكذَّاب، فإنَّه كالسَّرابِ يقرِّبُ عليك البعيد، ويبعد عليك القريب.
وقال عليه السلام لقائل قال بحضرته استغفر الله: ثكلتك أمك! أتْدري ما الاستغفار؟ إنَّ للاستغفار درجة العليِّين، وهو أمسٌ واقعٌ على ستة معانٍ: أوَّلها النَّدم على ما مضى والثاني العزمُ على ترك العوْدِ إليه أبداً، والثالث أن تؤدِّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله عز وجل أملس ليس عليك تبعة، والرَّابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيَّعتها فتؤدي حقها، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السُحتِ فتذيبه بالأحزام حتى تُلصقَ الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحمٌ جديدٌ، السادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أطقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله.