أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الآداب المعنوية للصلاة: في آداب اللباس



ع. ن.


يقول الإمام الخميني قدس سره: "فاللازم أن نلاحظ الحالات القلبية حتّى في الأمور العادية، ومنها اتخاذ اللباس، وأن نحافظ على القلب. وحيث أن للنفس والشيطان حبائل مستحكمة وتسويلات دقيقة جداً، وحيث أنّ الإحاطة بها خارجة عن قدرتنا، فلا بدّ أن نقوم في مقابلها بقدر وسعنا ونطلب التوفيق والتأييد من الحقّ تعالى في جميع الحالات".

* (آداب الصلاة)
إنّ ملاحظة ورعاية أحوال القلب في تقلبه وتغيره من الشروط الأساسية للسفر المعنوي، لأنّ القلب الذي يمثل هوية الإنسان الأصيلة هو المسافر، وأنّ صورته النهائية هي التي تمثل مصير صاحبه يوم القيامة:  ﴿يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ  إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيم﴾ٍ
فعلى السالك أن يكون مع قلبه كالطبيب الشفيق مع مريضه، يراقب كلّ أحواله، ويلتفت إلى تقلباته، كي لا يقع دفعة واحدة في وادي الهلاك والبوار. وما أكثر أن يحدث أنّ أحدنا يكتشف فجأة أنّ قلبه أصبح قاسياً مظلماً فاقداً لبهجة العبادة الروحانية، وهذا يعود إلى عدم مراقبته والحفاظ عليه مما حوله.
وحيث ثبت لدينا من خلال البحث المتقدم أنّ للظاهر تأثيراً واضحاً على الباطن. ينبغي أن نلتفت إلى جميع المسائل الظاهرية في حياتنا ونحذر من تأثيراتها السلبية على قلوبنا. ومن هذه الأمور الظاهرية: اللباس. يقول الإمام:
"فلا بدّ للإنسان الطالب للحق والارتقاء الروحاني أن يحترز عند اختيار مادة اللباس وهيئته مما يكون له تأثير سيء على الروح ويخرج القلب من الاستقامة ويغفله عن الحق ويجعل وجهة الروح دنيوية" (آداب الصلاة).

*ما هو اللباس السيّئ وما هي تأثيراته؟
في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّ الله تبارك وتعالى أوحى إلى بعض أوليائه أن قل للمؤمنين لا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تأكلوا كأعدائي ولا تمشوا كأعدائي فتكونوا أعدائي كما هم أعدائي".
يوجد في هذا المجال بعض القواعد العامة التي تحدد اللباس السيّئ مما ينبغي للمؤمن اجتنابه منها:
- لباس الشهرة الذي يريد به أن يُشار إليه بلبنان.
- اللبس خلافاً للمتعارف.
- ارتداء الثياب التي يلبسها الأعداء عادة وتكون من مختصاتهم.

أمّا لباس الشهرة فقد يكون من جهة جماله وقيمته المرتفعة وكونه فاخراً. وقد يكون من جهة دناءته وخشونته وقلة قيمته. يقول الإمام:
"ولا يتوهم أن تسويل الشيطان وتدليس النفس الأمارة إنّما يكون في اللباس الجميل الفاخر فقط، بل اللباس الخلِق (البالي) الذي لا قيمة له ربما يسقط الإنسان من درجة الاعتبار".
فالبعض يختارون من اللباس ما يجعل الناس يشيرون إليهم من جهة المكانة الاجتماعية الرفيعة والغنى المادي والوجاهة وأمثالها. والبعض الآخر قد يرتدون من اللباس ما يجعلهم معروفين بالزهد والسلوك وترك الدنيا. وكلّ هذا مرجعه إلى حب النفس وطلب العلو والتكبر والافتخار على الناس هو أصل كلّ شقاء وهلاك للإنسان.
أمّا بالنسبة للنوع الأول من اللباس وهو الفاخر الجميل فله تأثير خطير يصل إلى درجة السقوط التام والدائم من عين الله تعالى. يقول الإمام: "فالإنسان المسكين الضعيف العاري من جميع مراتب الشرف والإنسانية وعزة النفس وكمال الآدمية ربما يحدث بسبب أذرع من ثوب الحرير أو الصوف الذي قلّد في خياطته الأجانب أن ينظر إلى عباد الله بنظر الاستحقار والتكبر. هذا، مع العلم بأنّه قد حصل عليه مقابل بيع شرفه وارتكابه للعار. وليس هذا إلاّ من شدّة ضعف نفسه وقلّة استيعابه حيث يتوهم أنّ فضلات دود القز ولباس الغنم موجبة لشرفه واعتباره". (آداب الصلاة).
وأنّ هذا النظر إلى عباد الله قد يؤدّي – كما ذكر الإمام سابقاً – إلى سقوط السالك من الأوج الأعلى إلى أسفل سافلين، بحيث لا يستطيع بعدها أن يجبر هذا السقوط لسنوات متتالية.
"وبما أن قلوبنا – نحن المساكين – ضعيفة خفيفة وكشجر الصفصاف تضطرب عند أدنى نسمة هواء ينبغي أن نراعي أحوالها في كلّ الأمور ... ومنها اللباس".

أمّا النوع الثاني من لباس الشهرة وهو اللباس الخلق البالي "فقد يكون فساده أكثر بمراتب من تلك الألبسة الفاخرة". يقول الإمام:
"فبمجرد أن يرى السالك نفسه متميزاً بالثوب الخشن عن الناس الذين يرتدون الثياب اللينة اللطيفة، فبسبب حب النفس يغفل عن عيوب نفسه. ويحسب هذا الأمر العرضي الذي لا يرتبط به سبباً لافتخاره، وربما يعجب بنفسه ويتكبر على عباد الله ويحسب سائر الناس بعيدين عن ساحة الحق المقدسة، ويرى نفسه من المقرّبين ومن خلّص عباد الله، وربما يُبتلى بالرياء وسائر المفاسد العظيمة".
وهكذا يكون عدم الالتفات والدقّة في اختيار اللباس المناسب سبباً لسقوط الإنسان الذي تكون نفسه ضعيفة وقلبه غافلاً. يقول الإمام قدس سره:
"فالمسكين قد اقتنع من جميع مراتب المعرفة والتقوى والكمالات النفسانية باللباس الخشن والثوب الخلق، وغفل عن آلاف عيوبه التي من أعظمها هذا العيب الذي حدث فيه من سوء تأثير اللباس، وحسب نفسه من أهل الله تعالى مع أنّه من أولياء الشيطان، وحسب عباد الله لا يساوون شيئاً ولا قيمة لهم". (آداب الصلاة).
"وبالجملة، كما أنّ لمادة اللباس وجنسه وكونه قيماً ومزيّناً تأثيراً في النفوس، ومن هذه الجهة قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من لبس ثوباً عالياً فلا بدّ من التكبّر، ولا بد للمتكبّر من النار" كذلك في هيئته وكيفية قصّه وخياطته آثار...".

فكل لباس له أمران: جنسه ونوعية قماشه، وهيئته وخياطته. وأحياناً لا تكون المشكلة في نوعية قماشه كما تقدم، بل قد تعود إلى شكله. يقول الإمام: "... وربما يحصل للإنسان بسبب لباسه الشبيه بلباس الأجانب (ويقصد الإمام بهم الغربيين وأمثالهم) عصبية جاهلية تتعصب لهم، وتؤدي إلى النفور من الله ورسوله لأنّ أعداء الله وأعداء رسوله أصبحوا محبوبين عنده" (آداب الصلاة).
فتقليد أعداء الله وأعداء الإسلام في لباسهم قد يؤدي إلى حبّهم بعد التعصّب لهم، بل قد يكون ناشئاً من حبّهم. وحب أعداء الله بغض لله ورسوله. وقد شاهدنا من بين شعبنا أشخاصاً قادهم بغضهم للباس العلماء إلى بغض الرسول (صلّى الله عليه وآله)!!!
يقول الإمام: "وبالجملة فإنّ لباس الشهرة سواء من جانب الإفراط أو من جانب التفريط يعدّ من الأمور التي تزلزل القلوب الضعيفة وتخلعها من مكارم الأخلاق وتؤدي إلى العجب والرياء والكبر التي تكون كلّ واحدة منها من أمهات الرذائل النفسانية الموجبة للركون إلى الدنيا ..." (آداب الصلاة).
وفي الأحاديث أيضاً أشير إلى كثير من الأمور المذكورة كما في الكافي عن الصادق (عليه السلام): "إنّ الله يبغض شهرة اللباس".
وعنه أيضاً: "الشهرة خيرها وشرها في النار" وأيضاً: "إنّ الله يبغض الشهرتين، شهرة اللباس وشهرة الصلاة".
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لبس لباس شهرة في الدنيا ألبسه الله ثياب الذل يوم القيامة".

ولنختم الكلام هنا بموعظة بالغة للإمام حيث قال:
"أيّها الإنسان المسكين، ما هذا الضعف؟ وما هذه المسكنة فيك؟ فشأنك أن تكون فخراً لعالم الإمكان وخلاصة للكون والمكان. أنت ابن آدم وشأنك أن تكون معلّماً للأسماء والصفات. أنت ابن خليفة الله وشأنك أن تكون من الآيات الباهرات. أيّها الشقي والخلف غير الصالح، غصبت مقداراً قليلاً من فضلات الحيوانات وملبوساتها وتفتخر بها. لو كان هذا فخراً فهو للقز والغنم والإبل والسناجب والأرانب. لماذا تفتخر بلباس غيرك وتتدلّل بما هو فخر لها وتتكبّر به؟!" (آداب الصلاة).


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع