نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

التربية على الحياء

الشيخ د. محمّد حجازي


في الوقت الذي يجهد فيه الآباء والأمّهات لتقويم سلوك أولادهم الدينيّ والدنيويّ، وتعليمهم آداب الحياة وأصولها، فإنَّهم معنيّون بشكل أساسيّ ومباشر بتنمية ملكة الحياء -والتي تعني الاحتشام- في فطرتهم وتصرّفاتهم؛ وذلك لأنَّ التمرين والتدريب على ضبط السلوكات كافّة لا يمكن فصله عن ميزان الحياء والاستحياء الصحيّ.

* الحياء قاعدة وميزان
في كلّ دور ووظيفة أو تصرّف، يكمن الحياء في عمليّة الاندفاع والانزجار، وذلك لِمَا يشكّله من أبعاد مختلفة؛ فحينما نتحدّث عن هذا المفهوم، لا يمكن قصره واختزاله في العمليّة التربويّة على تجنّب العيب العُرفيّ، إنَّما هو قاعدة وميزان لكلّ الجوانب الأخلاقيّة والشرعيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة وغيرها من موارد الحياة البشريّة.

لذلك، نبّهت القاعدة التربويّة الإسلاميّة من خطورة ترك التربية على الحياء، وجعلته حدّاً فاصلاً بين الاستقامة والانحراف.

فقد ورد في الحديث الشريف: "إن لم تستحِ فافعل ما شئت"(1)؛ فمن لا يتربّى على الحياء والعِفّة والحِشمة والخوف من الله تبارك وتعالى، فإنَّه سيتعامل مع أغلب الأشياء، وفي مجالات الحياة كافّة، بعنوان الاستباحة والاستهانة.

* مخاطر فقدان الحياء
1- من الناحية الشرعيّة: إذا لم يتربَّ المكلّف على الالتزام بالأحكام الشرعيّة، فإنَّه لا يشعر أنَّ ثمّة قيمة للحلال والحرام، فبإمكانه أن يفعل المحرّمات (كشرب الخمر والاستماع إلى الغناء) دون أيّ حذرٍ من عواقب الأمور، فيؤدّي ذلك إلى اقتراف المعاصي وافتعال الموبقات، بعيداً عن الشعور بأيّ ذنب تُجاه الخالق عزّ وجلّ.

2- من الناحية الأخلاقيّة: عندما تُفقد القدوة التربويّة، قد لا يلتفت الإنسان إلى أنَّ ثمّة خللاً في طريقة تعامله مع الناس، وقد يصدر عنه السُباب والشتم أو الكذب دون رعاية حقوق الآخرين واحترام حُرُماتهم. ولهذا، وضع الإسلام نتائج وخيمة لقلّة الحياء؛ فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الله حرَّم الجنّة على كلّ فحّاش بذيء، قليل الحياء، لا يبالي ما قال وما قيل له..."(2).

والسبب في عدم مبالاته حيال "ما قال وما قيل له"، أنَّه لم يتربَّ في بيئة صالحة تنمّي فيه ملكة الحياء، التي تشجّعه على قول الحقّ وتزجره عن التلفّظ بالباطل.

3- من الناحية الاجتماعيّة: من ينشأ على قلّة الحياء، فيصبح فاقداً للحسّ الاجتماعيّ والقدرة على القيام بالمبادرات الاجتماعيّة؛ وذلك لأنَّ قوّة الحياء الدافعة إلى الغيرة على مصالح الآخرين ضعيفة لديه.

وهكذا تكون الشخصيّة الفاقدة للحياء غير مبالية اجتماعيّاً، ولا تهتمّ لِمَا يجوز وما لا يجوز، وما هو أخلاقيّ أو غير أخلاقيّ، وبما هو مقبول وغير مقبول في وسطه.

* ضوابط غرس الحياء
ولأجل معرفة المنهج الإسلاميّ في عملية تربية الإنسان على قيم الحياء، لا بدّ من الالتفات إلى الأمور التالية:

1- التربية على الحياء هـــــي عمليّة غرس الضابط والوازع النفسيّ والدّينيّ الذي يصبح ميزاناً للقيام بالأفعال أو بالامتناع عنها، وخصوصاً أنَّ الدِّين عدّ الحياء جزءاً من الإيمان. عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنّة"(3). وهذا ما يشجّع الوالدين على تنمية هذه الخصلة في نفوس أولادهما؛ لأنَّها تساعدهما بشكل كبير على تسهيل عمليّة التربية الإيمانيّة بالأساس، وبناء الشخصيّة.

2- لا بدّ من الالتفات إلى أنَّ المراحل الثلاثة التي تمرّ فيها العمليّة التربويّة -والتي حُدِّدت إسلاميّاً من عمر السنة إلى 21 سنة- ينبغي أن تُرَاعى فيها ضوابط تحكيم الحياء في شخصيّة الطفل.

* ثلاث مراحل لغرس الحياء
أ- في المرحلة الأولى، من عمر السنة إلى سبع سنوات، يتلقّى الطفل الإرشادات الأولى البسيطة لمعرفة حدوده في التصرّف بالأشياء، وخصوصاً بعد السنة الخامسة من عمره، فمن المفترض أن يتربّى على احترام حقوق الآخرين، فألعاب الأطفال الآخرين -على سبيل المثال- ليست ملكاً له، ولا ينبغي تربيته على التصرّف بها دون أخذ الإذن من أصحابها. وكذلك الأمر -على سبيل المثال- من غير الصحيح أن يعتاد على مدّ يده ليأكل ويشرب ممّا هو غير مسموح له، كما لو كان في الشارع أو في بيوت الناس غير الأقارب.

ب- المرحلة الثانية، أكثر خطورة، وهي من السنة السابعة إلى الرابعة عشرة، حيث يدخل عمر التمييز، وتنمو فيه عناصر الشخصيّة السويّة، وتتفتّح فيه براعم الوعي، فمن الضروري أن تنمو عنده مفاهيم العِفّة والاحتشام وعدم الوقاحة والسفاهة، وخصوصاً إذا قارب عمر المراهقة والتكليف، فإنَّه قد يصدر عنه ما يشينه ويشين أهله، وذلك من قبيل هتك الحرمات ومحاولة الوقوع في الفواحش والتدرّب عليها، كالنظر إلى ما حرّم الله تعالى، والاستمالة إلى فعل المحرّمات، والبدء بمرحلة إرضاء الشهوات دون أيّ وازع ورقيب، وقد يتعدّى الأمر إلى السرقة وسلب أموال الناس؛ وذلك بسبب عدم زرع نبتة الحياء والحِشمة التي تعدُّ كابحاً لمرحلة الطيش.

ج- في المرحلة الثالثة، من عمر أربع عشرة سنة إلى الحادية والشعرين، حيث تبدأ نتائج التربية بالظهور في أفعال الشابّ أو الصبيّة وأقوالهما، وتبدو خصلة الحياء الصحيّ بوضوح عليهما إذا تلقّيا الجرعات التربويّة الكاملة. فمن الجهة الأخلاقيّة، أغلب ما يصدر عنهما يكون مطابقاً للأدب والحِشمة، ومن الجهة الدِّينيّة، نلاحظ التزاماً جيّداً بالحلال والحرام، وإلّا فإنَّ الإهمال التربويّ في المراحل السابقة، سيؤدّي إلى بروز خصال وأخلاق سيّئة عند بعض الشباب والفتيات، وتكثر الشكاوى من الأهل تجاههم؛ لأنَّهم يشعرون بخروج أمثال هؤلاء الأولاد عن السيطرة على أفعالهم وأقوالهم، وتتزايد حالات التذمّر منهم.

* كيفيّة تعزيز الحياء
أمام خطورة المسؤوليّة الملقاة على الوالدين وحساسيّتها، ينبغي الالتفات إلى خطوات عمليّة؛ لتفادي محذور ضعف حسّ الحياء في نفوس الأبناء، وذلك من خلال:

1- الحرص على وجود الشخصيّة القدوة عند الوالدَين تُجاه أولادهما لتكون مُرشداً قويّاً ومعلماً واضحاً لتثبيت قواعد العِفّة والحياء، وأبسط الأمثلة على ذلك، عدم صدور الأخطاء الفادحة أمام أولادهما.

2- تقوية التربية الدِّينيّة عند الأطفال؛ لِمَا لها من تأثير عظيم على بناء شخصيّة سويّة، مليئة بالحياء الصحيح، وبعيدة عن الخجل المَرَضي.

3- إبعاد الأولاد عن البيئة المشجّعة على فعل الحرام أو أكل الحرام؛ لأنَّ ذلك له تأثير كبير على نفسيّة الطفل وحيائه، والتي تظهر آثارها وبشكل تدريجيّ مع الوقت، ومثاله كما جاء في الحديث: "كسب الحرام يَبِيْنُ في الذُّريّة"(4).

4- الحذرُ من رفقاء السوء، سواء كانوا في الشارع أو المدرسة أو الجيران؛ لأنَّ رفيق السوء كفيل بتخريب شخصيّة قائمة على عمر مديد بالتربية!

5- تنظيم استعمال وسائل التواصل الاجتماعيّ، وتنبيه الأبناء من الأشياء التي تضرّهم، وتكون عاملاً في التقليل من احترام القواعد الأخلاقيّة والشرعيّة.

6- متابعة أمورهم وتفقّد شؤونهم بطريقة محبّبة، والانتباه من أيّ سلوك مستجدّ في تصرّفاتهم، لا يتوافق مع المبادئ الأخلاقيّة التي تربّوا عليها.

* كما نزرع نحصد
التربية على الحياء هي من صلب مسؤوليّة الوالدين للتربية على الصلاة والصيام. وكما نزرع نحصد، فلنحرص على إنبات شجرة الحياء في خريطة تفكير أولادنا ومشاعرهم العاطفيّة؛ لتكون سمةً شاملة لشخصيّاتهم.


1- ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص718 .
2- م. ن.، ج3، ص2376.
3- م. ن.، ج1، ص717.
4- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج17، ص67.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع