تحقيق: لطيفة الحسيني
"مهما كنتَ مضطرّاً إلى الاستدانة، لا تلجأ إلى مرابٍ؛ لأنّه سيستغلّ اضطرارك باستمرار حتى تشعر بالعجز، وربّما تجد نفسك خلف القضبان في أحسن الحالات". هذه شهادة أحد ضحايا المرابين، الذي دخل بسبب قرض، في دوّامة الاستدانة وتسديد غرامات التأخير والفوائد التي تضاعفت فجأة.
تتحوّل هذه الدوّامات إلى قيد في عنقك، وشيئاً فشيئاً يشتدّ عليك ليخنقك في زمنِ بات يستسهل فيه الربح الحرام. لكن مهلاً، الحلول لم تُعدم بعد، ولكلّ "ورطة" مخرج. من هنا، قامت مجلّة "بقيّة الله" بتسليط الضوء على نموذج يختلف عن هذا السياق، حيث يمكنك أن تقترض وتسهّل أمورك الحياتيّة دون أعباء الشبهات الماليّة، حيث يمكنك أن تقترض "قرضاً حسناً".
في هذا التحقيق، سنتابع كيف عالجت مؤسّسة القرض الحسن شبهات الربا الماليّة، وكيف يمكن أن يستمرّ عملها ويتطوّر دون "الربح الحرام"، الذي تحرص عليه المصارف بحجّة استمرارها. قبل ذلك، سنطلّ عبر فضيلة الشيخ إسماعيل حريري على سبب حرمة الربا، وكيف يدخل في المعاملات الماليّة، وكيف يعالجها الشرع.
•الربا ربحٌ حرام
يتحدّث لـ"بقية الله" عضو مكتب الوكيل الشرعيّ للإمام الخامنئيّ في لبنان الشيخ إسماعيل حريري عن معاني الربا وأسباب تغليظ عاقبته، فيحدّد أولاً أنّ الربا هو الزيادة والنمو، بناءً على قوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ (البقرة: 275)؛ أي ينمّيها ويزيدُها، أمّا عند الفقهاء، فيقع في مورديْن: المعاملات والقروض.
بحسب الشيخ حريري، المعاملات الأكثر ابتلاءً في أيّامنا هذه هي القروض الربويّة؛ فأكثر الناس يتّجهون إليها لحاجتهم إلى القرض، وغالباً ما يكون من المصارف التي تتعاطى القروض الربويّة.
ويشرح سماحته أنّ إشكاليّة الربا نادراً ما تقع في عمليّات البيع، كبيع كميّة من القمح بالقمح مثلاً مع زيادة، لكنّه يقع في بيع الذهب بالذهب، كأن يبيع 5 غرامات من الذهب من عيار ما بـ4 غرامات منه من عيار أعلى، هنا الربا واضح في المعاملة لوجود الزيادة؛ وهي الغرام الواحد، وإن اختلف في العيار.
على صعيد القروض، يُبيّن الشيخ حريري أنّ كلّ قرضٍ يكون بشرط الزيادة من المُقرِض فهو حكماً ربا، سواء أكان من مصرف أم من شخص. ولا يجوز للمقرض أخذ هذه الزيادة ولا تحلّ له أبداً، بل هي من أبرز مصاديق المال الحرام، وعليه إعادته إلى صاحبه، كما لا يجوز للمقترض تحصيل الزيادة إلّا إذا كان مضطرّاً إلى ذلك.
•بيع العملات
ولأنّ أمثلة الالتباس كثيرة، قد يظنّ بعض الناس أنّ تصريف العملات يوقع في الربا، إلّا أن محدّثنا يجزم بعدم حصول هذه الشبهة، لأنّه جائزٌ، ولا سيّما أنّ لكلّ عملة قيمتها، وعليه، لا مانع شرعاً من التعامل ببيع العملات وشرائها.
•مَن اضطرّ
بالعودة إلى القروض لمن اضطُرّ إليها ولا مهرب منها لفرج أحواله، عليه أن يقصد الجهات غير الربويّة ويبتعد عن البنوك التجارية، كأن يقترض من مؤسّسة تراعي هذه الضوابط أو من أيّ شخص لا يطلب زيادة على القرض، وهذا جائز حتّى مع عدم الحاجة والضرورة الى القرض، وفق الشيخ حريري. أما من سُدّت السبل في وجهه، وكان مضطرّاً إلى القرض بحسب حاله -والتشخيص عليه- فيجوز له الاقتراض ولو مع الزيادة، على قاعدة أنّ الاضطرار يرفع الحرمة. وهنا يضيف الشيخ قائلاً: "ثمّة حلّ آخر عند بعض الفقهاء، ومنهم الإمام الخامنئيّ دام ظله، وهو أنّه يجوز لأيٍّ كان أن يقترض ولو من البنوك الربويّة ومع عدم الحاجة، ولكن بشرط أن لا تكون عنده الإرادة الجديّة والحقيقيّة لدفع الزيادة، بحيث لو استطاع عدم الدفع فلا يجوز له أن يدفعها، ولو اضطرّ إلى دفعها فيدفعها مضطرّاً ولا إثم عليه".
•الخلاص بالقرض الحسن
وسط هذا التنبيه لحساسيّة المعاملات الماليّة في المصارف ومُلامستها حدّ الربا، يبدو أنّ المخرج هو اللجوء إلى البنوك الإسلاميّة. ولتعذّر حضورها القويّ في لبنان، تتقدّم جمعيّة مؤسّسة القرض الحسن المشهد؛ فهي مؤسّسة ماليّة إسلاميّة لا تسعى لكسب الأرباح، وعنوان نشاطها خدمة الناس وتحصيل الأجر والثواب.
عند دخولك هذه المؤسّسة، تلاحظ أنّ المستفيدين هم من فئات مختلفة؛ فيحضر الفقير كمستفيد، كما صاحب الأحوال الميسورة. تقول السيّدة سماح عن سبب تجربتها: "أخذت قرضاً صغيراً لأدعم عملي الذي أصرف منه على أبنائي الصغار بعد وفاة والدهم، وقد تجرّأت على ذلك على الرغم من ظروفي الصعبة؛ لأنّ الدفعات هنا معقولة وثمّة مرونة في كيفيّة التسديد. وفي حال التأخّر، لا أخشى الإضافات والغرامات التي تضعها البنوك ليزيد حجم القرض". في المقابل، يتحدّث السيّد علاء عن تجربته في إيداع أمواله: "وضعت مبلغاً من المال دون خشية الفوائد التي تثقل الذمّة، وأقوم بالاستدانة من هذا المبلغ وتسديده براحة، وأنا مطمئن إلى أنّ المبلغ الأساس موجود ولن تدخله شبهة الربا في معاملات القرض المتكرّرة من المبلغ، فالمبلغ الذي أسحبه هو الذي أسدّده دون زيادة".
•قرضٌ دون ربح ولا فائدة
رئيس جمعيّة مؤسّسة القرض الحسن الحاج عادل منصور، يشرح لـ"بقيّة الله" كيف تعمل المؤسّسة لتدارك شبهة الربا والفائدة. يقول في البداية: إنّ ثمّة فارقاً بين القرض الحسن والبنوك التجاريّة من حيث الهدف الأساس، إذ إنّ هدف الأوّل غير ربحيّ، بل اجتماعيّ، فيما الثانية تبغي الربح. وعليه، كلّ قرض يجرّ منفعة هو ربا محرّم. وينبغي أن نميّز بين عمل البنوك التجاريّة الربويّة وبين البنوك الإسلامية من جهة، وبين البنوك الإسلامية وبين القرض الحسن من جهة أخرى. ويؤكّد أنّ البنك الإسلاميّ هو بنك ربحي لكنّه غير ربويّ، ولا تتعارض أعماله مع أحكام الشريعة الإسلاميّة.
ويشير منصور هنا الى أنّ "الأداة الماليّة الأساسيّة في المصارف التجاريّة تعتمد على الفائدة، وهذا في حدّ ذاته محرم في الشريعة الإسلاميّة، أمّا البنوك الإسلاميّة، فتعمل على تحويل صيغة القرض إلى عقد ثانٍ، يكون في معظمه عقد بيع أو إيجار". ويضرب مثالاً على ذلك: "عند شراء سيارة، يتعامل المصرف التجاريّ مع العميل على أساس إقراضه مال مقابل رهن السيّارة المشتراة بهذا المال له، مضافاً إلى مبلغ من المال كفائدة معيّنة ومحدّدة زائدة على مبلغ القرض، أمّا المصرف الإسلاميّ فيذهب باتّجاه معاكس؛ يشتري السيّارة لصالحه بناءً على اتفاق بينه وبين المقترض يمثل وعداً بالشراء، ويبيعها للعميل بالتقسيط".
•القرض الحسن ضمان
ماذا عن الأدوات المُستخدمة في "القرض الحسن" لمنع الوقوع في مشاكل الربا؟ يشرح منصور أنّ إجراءات صرف القرض في جمعية "القرض الحسن" تختلف عن عمل البنوك إن كانت تجاريّة أو إسلامية؛ لأن البنوك ربحيّة بالأساس، بينما يمكنك أن تساعد المجتمع بصرف قرض للعميل من مبلغ وديعة لعميل آخر مع توفير الإذن والعلم وحسن إدارة العملية، ودون تكبيل المقترض بأيّ فوائد او رسوم أو غرامات إضافية تثقل كاهله.
أمّا الأداة أو المعيار في عملية القرض فيكون عبر ضمان ما، وهو إما ضمان ذهب، أو كفيل له حساب في الجمعية، لا أكثر من ذلك". ويلفت منصور إلى أنّ لا ظلّ لشبهة الربا حتّى في الرسوم التي تتقاضاها الجمعية خلال عملية صرف القرض: "تتقاضى جمعية القرض الحسن أجوراً إدارية ثابتة ومحددة وليست نسبية، كمثال: إذا سحب المساهم قرضاً بقيمة ألف دولار، فإنّ أجور العمل المكتبي لتوثيق القرض وأجور العاملين وغيرها قد تساوي 20 دولاراً، في حين أنّه إذا سحب قرضاً بقيمة عشرة آلاف دولار، فستكون قيمة توثيق هذا القرض وأجوره هي الـ20 دولاراً نفسها دون أي تغيير؛ لذلك هذه العمليات لا تجرنا لشبهة الربا لا من قريب ولا من بعيد".
•لا فائدة على الودائع
الإشكال الأكبر الذي يُصادف من يلجأ إلى البنوك الربويّة هو الفائدة على الودائع، وهذا ما يغيب في القرض الحسن. يتحدّث منصور هنا عن أنّ عمليّة المُشارطة على الأرباح توقع في الحرام، ولذلك تطرح البنوك الإسلاميّة حلّاً يُبعد شبهة الربا، وهو عقد المضاربة، الذي يقوم على أساس أنّ المال من المودع والعمل من المصرف، بصفته صاحب خبرة في تشغيل المال، يبتعد عن المشارطة، ويذهب إلى مشاركة الزبائن في مشاريع يقدمون عليها مع المصرف الإسلاميّ، فيتقاسمون الأرباح معاً.
•عمل خيريّ غير ربحيّ
ألا يُحقّق القرض الحسن أرباحاً في ظلّ التهافت الشعبيّ عليه؟ يُجيب منصور: "عمل القرض الحسن اجتماعيّ غير ربحيّ. الأموال تسمّى لديه مساهمات وليست ودائع. المودع هنا لا يأخذ أيّة أرباح، كما أنّ المقترض لا يدفع أيّة فائدة ربويّة، بل يدفع رسوماً ماليّة تُعادل تكلفة توثيق القرض وتسديده ومطبوعات وأجور موظّفين وإيجارات وتكاليف تشغيليّة جائزة شرعاً، فضلاً عن العمولات التي تتقاضاها المؤسّسة من الزبائن لقاء بعض الخدمات الأخرى التي تُقدّمها، كتحويل الأموال بين الفروع، وبطاقات السحب الآليّ، وأوامر الدفع الآليّ. وكذلك الحال بالنسبة إلى رهن الذهب؛ إذ إنّ تخزين الذهب مكلفٌ جدّاً من ناحية تثمينه وتخزينه وحراسته ومراقبته ونقله، وهذا يتطلّب رسوماً إداريّة لهذا الجهد البشريّ.
وأهمّ ما يحققّه القرض الحسن هنا، هو تحصيل الأجر والثواب، والتسهيل على الناس لأخذ قروض تُيسّر شؤونهم وتُفرج ضائقات عيشهم، ومساندتهم".
ربّما تعيد تجربة "القرض الحسن" مفهوم القرض وتفريج همّ المؤمن إلى الوجدان وإلى أصالته، بعد أن تداوله المرابون كتجارة وربح عقيم.
علي النهري - زحلة - لبنان
Mahdi mahdi
2021-06-06 11:02:18
أشكركم أنتم والقرض الحسن على هذا التوضيح الواضح والممتاز حول أهمية الصندوق وتمايزه عن الأعمال الربوية . بارك الله بكم جميعا وبجهودكم . أتمنى القيام بعمل يوصل الفكرة ببساطة وذكاء إعلامي و تواصل اجتماعي لأكبر عدد من الناس بمختلف فئاتهم .
Tripoli
Rokaya
2022-12-28 19:57:59
هل ممكن رهن سيارتي عند القرض الحسن مقابل مبلغ مالي ؟
Beirut
علي
2023-09-08 08:50:07
كم يعطي القرض الحسن مقابل الليرة الذهب و مقابل الاونصة