الشيخ حسن الهادي
لقد شدّدت الشريعة الإسلاميّة في الكتاب والسّنة على حرمة الربا على اختلاف
أشكاله ومعاملاته، بل عدّت حرمته من الضروريَّات، حتَّى قيل إنَّ مستحلّه كافر
لإنكاره الضروري من الدين(1)، وإنّ أكل الربا من الكبائر، قال الله تعالى:
﴿...وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ
الرِّبَا﴾
(البقرة:274) ولم ترتّب الشريعة أي أثر على المعاملة الربويّة لناحية التصرّف أو
التملّك ونحوهما. وبما أنَّ المكلّف قد يُبتلى بالمعاملات الماليّة والتجاريّة
والقروض الربويّة في هذا العصر، من حيث ضرورة التعامل مع البنوك والمؤسّسات
الماليّة الربويّة، كان من الواجب على كلِّ مكلّف يُبتلى بالمعاملات الماليّة
الربويّة أن يتعلّمها.
* الاقتراض من البنوك
يحرم الاقتراض من البنك إذا كان القرض ربويّاً، وإن صحّت المعاملة وضعاً، سواء كان
من المسلم أم من غيره، وسواء كان من الدولة المسلمة أم غير المسلمة، إلاّ إذا كان
مضطرّاً إليه إلى حدّ يجوز معه ارتكاب الحرام. ولكن يمكن التخلّص من الحرام بعدم
قصد دفع الزيادة الربوية، وإن كان يعلم أنهم يأخذونها منه؛ ولا يختصّ جواز الاقتراض
إذا لم يكن ربوياً بحال الضرورة والحاجة.
* حكم العمل في البنوك الربويّة
- لا يجوز العمل في البنك إذا كان عمله مرتبطاً بالمعاملات الربويّة، ودخيلاً بنحو
ما في إنجازها؛ ومجرّد عدم حصوله على شغل آخر محلّل لمعاشه لا يبرّر له الاشتغال
بالحرام.
- لا يجوز الاشتغال بإنجاز المعاملات الربويّة، ولا يستحق الأجرة والراتب عليها؛
وأمَّا أخذ الراتب من دخل الفرع المصرفيّ فلا بأس به، ما لم يعلم بوجود المال
الحرام فيما يتسلمه.
* حكم أخذ الفائدة من البنوك
- يجوز أخذ الفائدة على الأموال التي تودع في مصارف الدول غير الإسلامية، ويجوز
التصرّف فيها إذا أخذها، سواء كان صاحب المصرف كتابياً أم مشركاً، وسواء اشترط
عليهم حين إيداع المال أخذ الفائدة أم لا.
- لا يجوز أخذ الفائدة على الأموال المودعة لدى بنوك الدول الإسلامية، فيما إذا كان
الإيداع بعنوان القرض مع اشتراط الفائدة، أو كان مبنيّاً عليها، أو كان لغرض الحصول
عليها.
- لا مانع من أخذ الفائدة – إذا كان بعض أصحاب رؤوس أموال المصرف من المسلمين -
بالنسبة لحصص غير المسلمين، ولا يجوز أخذها من حصَّة المسلم، فيما إذا كان إيداع
الأموال لدى البنك مع اشتراط الفائدة والربا، أو لغرض الحصول عليها.
- لو كان تسليم الأموال إلى البنك بعنوان القرض للحصول على فائدة القرض، فمن الواضح
أنّ ذلك هو القرض الربويّ الحرام تكليفاً، ويكون الربح الذي يراد الحصول عليه من
ذلك هو الربا المحرّم شرعاً.
- إذا لم يكن تسليم الأموال إلى البنك بعنوان القرض، بل كان لغرض الاستثمار بالمال
بواسطة البنك، في المعاملات المحلّلة شرعاً، فلا إشكال في أخذ الربح الشهريّ، ولا
ينافي تحديد قدر الفائدة قبل الشروع في الاستثمار بالأموال، ولا عدم مشاركة أصحاب
الأموال في الخسارات المحتملة لصحة القرار المذكور.
* الإيداع في البنك
- يجوز إيداع الأموال لدى البنك لغرض استثمارها في إحدى المعاملات المحلّلة، من دون
تحديد دقيق لحصّة صاحب الأموال من الأرباح، إن كان إيداع الأموال لدى البنك، على
وجه تفويض جميع الاختيارات إليه، حتى انتخاب نوع الاستثمار، وتعيين حصّة صاحب المال
من الربح أيضاً بالوكالة، فلا بأس في هذا الإيداع، ولا في الربح الحاصل من استثمار
المال في معاملة محلّلة شرعاً، ولا يضرّ بذلك جهل صاحب المال حين الإيداع بحصته من
الربح.
- يجوز إيداع الأموال في بنوك الدول غير الإسلاميَّة - في حساب التوفير طويل الأمد
- ما لم يكن ذلك يوجب ازدياد قدراتهم الاقتصاديّة والسياسيّة التي يستخدمونها ضد
الإسلام والمسلمين، وإلاّ فلا يجوز.
* حكم المعاملة مع البنوك
- لا مانع من جميع المعاملات المحلّلة شرعاً مع البنوك التي توجد في الدول
الإسلاميَّة؛ وأمَّا المعاملات الربويّة، وأخذ فائدة القرض، فلا تجوز للمسلم، إلاّ
إذا كان رأس مال البنك لغير المسلمين.
- لو وضع الأموال في حساب التوفير في بنك المسلم بعنوان القرض، مع شرط الربح، أو
مبنيّاً عليه، أو لغرض الحصول عليه، لم يَجُزْ له أخذه، لأنّ هذا الربح هو الربا
الحرام شرعاً، وإلاّ فلا إشكال فيه.
* أحكام الصكّ والكمبيالة
- لا مانع من بيع شخص الدائن مبلغ الصكّ المؤجل أو الكمبيالة بأقلّ منه من شخص
المَدين نقداً، وأمَّا بيعه من شخص ثالث بمبلغ أقلّ فلا يصحّ.
- لا يُعتبر الصكّ بمثابة المال النقد. وحصول أداء الدين أو الثمن بدفعه إلى الدائن
أو البائع موقوف على كون قبضه قبضاً عرفاً لمبلغه، ويختلف ذلك باختلاف الموارد
والأشخاص.
* حكم التأمين
لا مانع شرعاً من التأمين على الحياة أو غيرها أيضاً. نعم في التأمين الصحّي لا
تجوز الاستفادة من بطاقة هذا التأمين، إلاّ لمَن تعهّدت شركة التأمين بتقديم
الخدمات له، وأما استفادة الغير منها فهي موجبة للضمان.
* احترام أموال الدولة
- أموال الدولة، ولو كانت غير إسلاميّة، تُعتبر شرعاً مُلكاً للدولة، ويُتعامل معها
معاملة المُلك المعلوم مالكه، ويتوقف جواز التصرّف فيها على إذن المسؤول الذي بيده
أمر التصرّف في هذه الأموال.
- لا فرق في وجوب مراعاة احترام مال الغير، وفي حرمة التصرّف فيه بغير إذنه بين
أملاك الأشخاص وبين أموال الدولة، مسلمة كانت أو غير مسلمة، ولا بين أن يكون ذلك في
بلاد الكفر أو في البلاد الإسلاميّة، ولا بين كون المالك مسلماً أو كافراً؛ وبشكل
عام تكون الاستفادة والتصرّف غير الجائز شرعاً في أموال وأملاك الغير، غصباً وحراماً
وموجباً للضمان.
1- جامع المدارك،ج3، ص252.