مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

آثار الانتظار (2): وظيفة المنتظرين(*)

آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ


إنّ اللحظة السعيدة لظهور الغائب عجل الله تعالى فرجه الشريف، تبعث فينا الأمل لنعيش لحظات انتظار الطلعة البهيّة على أحرّ من الجمر. وهذا الانتظار يدفعنا عقلاً نحو السعي والحركة الدؤوبة لإعداد العدّة وتهيئة الأرضيّة المناسبة لظهوره، عن طريق مجموعة تكاليف ووظائف، وهي:


1- معرفة الإمام: أشار الدعاء الملكوتيّ الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام، إلى أوّل واجبٍ من واجبات أهل الانتظار: "اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرف نبيّك. اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف حجّتك. اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"(1).

إنّ أوّل ما يجب على المؤمن من أهل الانتظار الالتزام به، معرفة الإمامة والإمام، معرفةً ترتكز على أساس معرفة التوحيد ومعرفة النبوّة. والوجه فيه: أنّنا إذا أدركنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم خليفة الله يجب أن نعمل على أساس كلامه، لزم علينا أن نعرف الإمام على ضوء معرفة النبيّ، وإلّا قد ينتهي بنا القول إلى أنّ الإمامة يمكن أن تتشكّل تحت لواء السقيفة.

وإذ لم تكن الإمامة سوى نيابة عن الرسالة، وأنّ النائب لا يقوم بغير ما يريده المَنوب عنه، فمَن عرف المنوب عنه نال معرفة نائبه. وإن وصل إلى هذه المرتبة، استطاع أن يحلّ جميع مشكلاته العلميّة والعمليّة؛ أي لو أحاط علماً بهذه الحقيقة النوريّة، فسوف يرتبط بالتوحيد عبر مسار الإمامة والنبوّة، فلن يتمسّك بغير الدين في الفكر والعمل، وستتمركز مجالات حياته حول فلك الدين.

2- النشاط والسعي المطلوب: يقضي الإدراك الصحيح لمعنى الانتظار أن يكون للمنتظِر حركةٌ دائمةٌ وسعيٌ دؤوبٌ؛ بقصد تهيئة نفسه ومجتمعه لظهور الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف. والحديث الملكوتيّ الوارد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام القائل: "ليعدّنّ أحدكم لخروج القائم ولو سهماً"(2)، مصباحٌ ينير هذا الطريق الرحب. وهذا السهم تارةً يكون سهم بيانٍ وبنانٍ، وأخرى يكون سهماً في المجالَين العلميّ والعسكريّ.

إذاً، إمّا أن تكون لنا القدرة على شرح المعارف الإلهيّة وبيانها وبسطها ونشرها وتبليغها، مع تمييز العقل عن الحسّ والقياس والوهم والاستحسان والخيال والمغالطة؛ سعياً إلى صيانة هذا المصباح المنير، وإمّا أن نسخّر قوانا ومَلَكاتنا في مختلف الفنون الصناعيّة والمجالات العلميّة، ولا سيّما في مجال الدفاع الحربيّ والاستعداد لمواجهة ومجابهة الذين يتوهّمون أنّ مصباح الهداية المرتبط بالوحي قد خمد وانطفأ، وإن كان الأَوْلى الجمع بين هذين السلاحين.

ومَن حسب نفسه أنّه في حال انتظار دون أن يحرّك ساكناً قصد إعداد العدّة وطيّ مسير المجاهدة -متوهّماً أنّ من لا يعدّ العدّة يمكن أن يكون من بين منتظري الموعود الموجود- فقد وقع في وهمٍ باطلٍ، وليس لانتظاره ثمرةٌ عمليّة منشودةٌ.

3- التحلّي بمكارم الأخلاق: لا شكّ في أنّ منتظري الوجود المبارك لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ممّن تخرّج في مدرسة الانتظار، قد تعلّموا -بكلّ صدقٍ- درس الصلاح والإصلاح. فمَن كان انتظاره حقيقيّاً وترقّبه صادقاً، أمكنه أن يسأل الله سبحانه من أعماق فؤاده -بلسان الحال والمقال- تعجيل الفرج السعيد الميمون لإمام زمانه.

ولنيل هذه المرتبة ينبغي للمنتظِر أن يعمل بما لديه من علمٍ ومعرفةٍ، وأن يستفهم حول ما أشكل عليه فهمه، كما يلزم عليه أن يرجو الخير لسائر عباد الله من دون أن تكون لديه أيّ ضغينة تُجاه غيره؛ وذلك أنّ القلب المشوب بالحقد، لا يليق بأن ينال بذرةً في معرفة صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف ومحبّته.

كما ينبغي للمنتظر الحقيقيّ أن لا يتّكل إلّا على الله، ولا يعقد على غيره الأمل، كما عليه أن يراقب فضاء قلبه، فلا يبيع هذه البضاعة النفيسة بثمنٍ بخسٍ مقابل الشهوة والغفلة.

ومَن باع أخلاقه ودينه، استحوذ الشيطان على تمام هويّته الإنسانيّة، وسعى إلى سلوك طريق ينتهي بالخسران والفساد، فيكون مصداقاً بارزاً لقوله تعالى: ﴿خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ (الحج: 11).

ثمّ إنّ ترك التعلّق بالمظاهر الدنيويّة المذمومة، مقدّمةٌ لإيجاد الأرضيّة الملائمة لطهارة الروح وصفاء الضمير بالنسبة إلى المنتظِر، وعند ذلك يصير بلطفٍ من الله صاحب حاسّة يشمّ بها عطر حضور مولاه(3).

4- تهيئة الأرضيّة: إنّ تعالي مستوى الفكر والتعقّل والفهم العامّ أوّل خطوة في طريق تهيئة الأرضيّة اللازمة لغرض إدراك رسالة الإنسان الكامل وظهور وليّ الله المطلق. وهذا الأمر الجليل من أغلى وأسمى واجبات ووظائف منتظري الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. والسرّ فيه، أنّ المجتمع الذي يكون له مستوى فكريّ رفيع، يتمكّن من أن يدرك حقيقة المعارف الإلهيّة التي يفيض بها الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويكون أقدر على الوقوف في وجه أمواج الجهل والتجاهل والحسد والرذيلة.

وإلى جانب ذلك، يجب على أهل الانتظار أن يعزّزوا في أنفسهم روح التدبير على أتمّ وجهٍ، ويسعوا إلى تنظيم الأمور الاجتماعيّة، وتنمية مَلَكات الشهامة والشجاعة؛ إذ إنّ الدين وتطبيق أحكامه بحاجة إلى هذه العناصر الأربعة. وقد أشار الإمام الباقر عليه السلام إلى جملة من خصائص أتباع صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، من قبيل الشجاعة والصلابة والقدرة على إجراء الأحكام الإلهيّة: "أجرأ من ليث، وأمضى من سنان"(4). وعندما يبلغ المجتمع الإسلاميّ درجةً من الوعي والتعالي الفكريّ والثقافيّ من جهة، وعلوّ الهمّة والشجاعة والشهامة والتدبير من جهة أخرى، تتهيّأ الأرضيّة لظهور حجّة الله المطلقة.

5- الاقتداء بأهل البيت عليهم السلام: إنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف محيي تعاليم القرآن الكريم النوريّة ومعارف النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلام؛ فسيرته هي السيرة النابعة من الإسلام الأصيل والمعارف السامية للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم التي هي من خزائن الله. وقد كان الأئمّة المعصومون عليهم السلام الواحد تلو الآخر يبيّنون هذه الحقيقة النوريّة ويحافظون على هذه السيرة الكريمة.

وعليه، فليس طريق إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف سوى طريق القرآن والعترة وعلى منتظر إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف أن يكون على اطّلاع وإحاطةٍ بالقرآن الكريم وبتعاليمه من جهة، وبسيرة العترة وتعاليمهم من جهة أخرى؛ ليتمكّن من التعرّض لنفحات الأنوار القدسيّة، والاقتداء بأئمّة الهدى عليهم السلام، والاستعداد لحضور إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف وخدمته.


(*) مقتبس من كتاب: الإمام المهديّ الموجود الموعود عجل الله تعالى فرجه الشريف، آية الله الشيخ عبد الله الجوادي الآملي، الباب الثاني - الفصل الرابع: الانتظار: أبعاده وتكاليفه - بتصرّف.
1.الكافي، الكليني، ج1، ص337.
2.الغيبة، النعماني، ص320، الباب 21.
3.وإلى هذا المعنى أشار الشاعر "بابا طاهر" في القسم الأول من ديوانه، قائلاً: سحر از بسترم بوي ﮔل آيو؛ أي: لقد هبَّ أريج الورود من مرقدي (عندما أقبل المحبوب بطلعته).
4.بحار الأنوار، المجلسي، ج52، ص318.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع