مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة العدد: فرحة العيد


ماجدة ريا


ضجّ الشارع بحركة الناس، هذا ذاهب لشراء ثياب جديدة لعياله وآخر منهمك في شراء الحلويات واختيار أصنافها، هذا يعد لوليمة يدعو إليها أهله والمقربين، وأصدقاء اجتمعوا للإعداد لنزهة جميلة.
الكل منهمك بالتحضير ليوم العيد.. فها هو قد أتى.


أم حمزة تجلس في دارتها، وهي كل تركة المرحوم، مع طفلين صغيرين فتى في الثامنة وفتاة في الخامسة من العمر.. جلسا قربها حول الموقدة، وهي تكسر الخشب الصغير وتدسه في النار قبل أن تنطفئ، فالبرد قارس في الجبل وبرد الوحشة والوحدة أقسى.
تنظر إلى ولديها، تترقرق الدموع في عينيها، تحاول أن تحبسها مخافة أن تنغص على ولديها جلستهما، لكن قلبها كان يحترق كالجمر إذا اشتد فيه اللهيب، ويزداد توهجه كما احمرار الشفق عند المغيب، وهل هنالك بديل في هذه اللحظات عن تذكر الجليس والأنيس ورفيق العمر؟
"ماما.. لقد طال غياب والدي، ألن يأتي من سفره ليشاركنا في العيد؟".
أيقظها صوت ابنتها من سكرات الألم التي كانت تعتمل في داخلها، فهي كانت صغيرة جداً عندما توفي والدها ولا تعرف ماذا يعني الموت، وبصوت بارد أجش أجابتها:
"لا يا حبيبتي لن يستطيع المجيء، لن يجيء أبداً".
احتجّت الطفلة قائلة بلهجة شاكية:
"كل رفاقي اشتروا ملابس جديدة، وسيذهبون مع أهلهم لقضاء العيد في مكان جميل، ونحن ماذا سنفعل؟".
"حبيبتي، لقد خطت لك ثوباً جميلاً للعيد".
"ولكن أريد أن اشتري مثل رفاقي".
حارت الأم في أمرها ماذا تقول.. فهي تخيط الملابس للناس، تعمل ليلاً نهاراً بكد وتعب حتى تستطيع تأمين الحاجات الأساسية للمنزل وكذلك تعليم ولديها ومع ذلك فكّرت أن لا تكسر بخاطرها مهما كلف الأمر!
"حاضر يا حبيبتي، سأشتري لك ثياباً جديدة".
في إحدى البيوت المجاورة كان عماد يتحدث مع أبيه وأمه:
"لقد حدّثنا أستاذ الدين اليوم عن أهمية مراعاة اليتيم ومساعدته وإذا أفرحنا يتيماً يرضى الله عنا...".
سرّ الوالدان بكلام ابنهما وانتظرا حتى يكمل حديث:
ـ أنا أحب أن أُفرح يتيماً...
ـ وكيف ذلك؟
ـ ما رأيك يا أبي لو تشتري لي هدية أفرح بها صديقي حمزة؟ أليس يتيماً؟
ـ نعم، لك ذلك، هل عندك هدية معينة؟
ـ هو يتمنى دائماً لو يكون لديه دراجة يلعب عليها فهو لم يحصل على مثل هذا الأمر في حياته! هل تستطيع أن تشتري له دراجة يا أبي؟
ـ سنذهب الآن لنشتريها له.. هيا تعال معي.
بقيت أم حمزة منشغلة بالتفكير بايجاد وسيلة تسعد أولادها وتؤمن حاجاتهم ولا سيما في هذا العيد..
وصلت أم عماد برفقة ولدها الذي يجر الدراجة، ونقرت على الباب بنقرات خفيفة.
انفتح الباب لتظهر منه أم حمزة مرحبة:
انطلق عماد مسرعاً ليشد حمزة من يده وهو يقول مبتهجاً:
ـ حمزة.. حمزة. أنظر ما أحضرت لك، دراجة تحبها.
فرح حمزة بالهدية وهتف يقول:
ـ أحقاً هذه لي؟
ـ نعم.
فانطلق يدور بها في أرض الدار معلناً عن فرحته فيها، تابع عماد الحديث قائلاً:
ـ هل ستذهب معنا في الرحلة التي أعدّها الكشّاف؟ آه لو تأتي معنا!...".
هدأت فرحة حمزة وهو يفكّر هل تستطيع أمه أن تعطيه المبلغ المطلوب؟ سيحاول..
ذهب إلى أمه التي كانت قد جلست مع أم عماد تتبادلان أطراف الحديث:
ـ ماما.. هل سأستطيع الذهاب مع رفاقي في الرحلة؟
رفعت الأم نظرها في ابنها حائرة، وفي عينيها حزن عميق، تتمنى لو تستطيع أن تحقق لأولادها كل ما يرغبون تحقيقه ولكن أنّى يكون لها ذلك والمتطلبات كثيرة؟!
صمتت.. فخشي الطفل الصغير صمتها وعبس عبسة حوت من الألم والأسى ما يرق له القلب وتدمع له العين وبينما نظراتهما في تشابكها طرق الباب.
ـ افتح الآن وسنتحدث فيما بعد...
ـ ماما.. ماما.. قائدة الكشاف عند الباب.
نهضت أم حمزة لاستقبالها وقد راودها شعور أنها آتية من أجل الرحلة دون أن تتوقع الدعوة المحضرة لها فبادرت مرحبة:
ـ أهلاً بالأخت غادة، تفضلي.
ـ شكراً، جئت أعلمك بأن ولديك مدعوان للمشاركة مجاناً بالرحلة التي أعددناها لأولاد الضيعة.. ونحن سنتكفل بكل شيء.
برقت عينا الأم فرحاً ورفرف قلبها الحزين فهي تعرف كم تحمل هذه الرحلة لأولادها من معاني الفرح والابتهاج.
ـ شكراً، شكراً جزيلاً.
ـ لا شكر على واجب، سيمر الباص عليهما في السادسة صباحاً.
ـ سيكونان على استعداد، شكراً لكم.
بعد أن انصرف الناس من بيتها فكرت في نفسها:
ـ بقي أن أبهجهما بثياب جديدة كباقي الأطفال، سأذهب إلى محل أبي رامي فهو رجل طيب وقد يصبر عليّ في دفع الثمن.
اختارت ما تريد لولديها واقتربت من أبي رامي وقالت له:
ـ أرجو أن تصبر عليّ في دفع ثمن هذه الثياب.
نظر أبو رامي برفق إليها وأجابها:
ـ لا عليك يا أختي، اعتبريها هدية المحل لأولادك في العيد ولا أريد ثمنهم مطلقاً.
ـ ولكن...
ـ قلت أنهم هدية والهدية لا ترد.. مباركين إن شاء الله.
ـ شكراً.. أدامك الله.
عادت إلى المنزل لتجلس مع أولادها حو الموقدة من جديد، ولكن الخير الذي لاقته من الناس أدخل على جلستهم شعوراً بالارتياح والسعادة، وشعرت بالامتنان الشديد لله الذي حنن على أيتامها فأكرمهم ليقضوا عيدهم كباقي الأطفال.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع