مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قراءة في كتاب: الحكومة الإسلامية

إعداد: محمود دبوق



الكاتب: الإمام الخميني قدس سره.
الناشر: مركز الإمام الخميني الثقافي.
يقول الإمام الخميني قدس سره:
"ولاية الفقيه فكرةٌ علميةٌ واضحةٌ قد لا تحتاج إلى برهان، بمعنى أنَّ من عرفَ الإسلام يرى بداهتها، ولكن وضعَ المجتمع الإسلامي، ووضعَ مجامعنا العلمية على وجه الخصوص يضع هذا الموضوع بعيداً عن الأذهان حتى عاد اليوم بحاجة إلى برهان...". بهذه الكلمات يستهل الإمام الخميني قدس سره كتاب الحكومة الإسلامية، الذي هو عبارة عن محاضرات ألقاها سماحته على طلاب العلوم الدينية في النجف الأشرف في العام 1969م، وذلك تحت عنوان "ولاية الفقيه"، والتي كما تذكر مقدّمة الكتاب التي وضعها مركز الإمام الخميني الثقافي كان لها الأثر الفعال والمهم في ذلك الوقت حيث أعادت إلى الواجهة القضية الأولى في الإسلام وهي الحكم والحكومة كما وتبين المقدمة الصعاب التي عانى منها قرّاء هذه المحاضرات أو الكتاب وخصوصاً في إيران وفي السبعينيات حيث وصلت الأحكام إلى السجن 6 أشهر بجريمة اقتنائه.


* لماذا الغربة عن ولاية الفقيه؟
يبدأ الإمام الراحل بحثه الهام حول ولاية الفقيه بالحديث عن بداهة هذه الفكرة العلمية الواضحة ضمن الفقرة التي وردت آنفاً، ثم يتطرّق في التمهيد العام للكتاب إلى عنوانين اثنين هما: أسباب غربة الأمّة عن مبدأ ولاية الفقيه، والدين محور لكل الحياة، وأمّا في الأول فيعود بذلك إلى جملة من الأسباب ومنها:

أ- ابتلاء الحركة الإسلامية من أول أمرها باليهود الساعين لتشويه سمعة الإسلام والوقيعة فيه والافتراء عليه، إضافة للتبشير الاستعماري بغية الوصول إلى مطامعهم الاستعمارية فسعوا إلى إيجاد ظروفٍ ملائمةٍ تنتهي بالإسلام إلى العدم.

ب- محاولات الأعداء إظهار الإسلام على غير صورته الناصعة التي تولي الأهميّة للحق والعدل والحريّة والاستقلال، فرسموا له صورة مشوّهة في أذهان العامّة من الناس، وغرسوها حتى في المجامع العلمية عبر إلقاء عدد من الشبهات. فالأولى أنه لا علاقة للإسلام بتنظيم الحياة والمجتمع، أو تأسيس حكومة من أي نوع، وإنما علاقته فقط بأحكام الحيض والنفاس، كما يعبّر الإمام الراحل ويصف أحوال المستعمرين وأفكارهم الفاسدة. والشبهة الثانية عندما يوسوسون إلى الناس "إن الإسلام ناقصٌ، وأحكامه في القضاء ليست كما ينبغي". ساعين في ذلك إلى إظهار خشونة أحكامه القضائية. ويدخل الإمام رضوان اللَّه عليه في مقارنة بين الأحكام الوضعية وبين الأحكام الإسلامية مبيّناً الفروقات الكبيرة بينهما ففي حين تقوم الأولى على الاستنساب والاحتيال والخداع، تقوم الثانية على أسس تشريعية إلهية لمنع الفحشاء والمنكر والفساد في أمّة كبيرة مترامية الأطراف. وإلى الشبهة الثالثة حيث يتناول مقولة المستعمرين، أنَّ الأحكام الشرعية الإسلامية تفتقر إلى ما يضمن لها التنفيذ، وبالتالي فالإسلام مُشرّعٌ لا غير! وهم بذلك يسعون لإبعاد المسلمين عن التفكير في السياسة والحكم والإدارة، فيطرح الإمام بالمقابل موضوع الولاية كونها تضمن تنفيذ هذه الأحكام. وتحت عنوان "الدين محور لكل الحياة" يسأل الإمام طيّب اللَّه ثراه "في عصر النبي هل كان الدين بمعزل عن السياسة؟ هل كان يومذاك أشخاصٌ مختصّون بالدين، وآخرون مختصّون بالسياسة؟" ثم يدعو قدس سره إلى عدم التأثّر بإشاعات وشبهات هؤلاء المستعمرين وأذنابهم الذين يسعون إلى عدم مكافحة سلطات الخيانة والجور كي يصفو لهم الجو ويعملوا ما شاؤوا، وينهبوا ما شاؤوا من غير معارضٍ أو عائق.

* ضرورات تشكيل الحكومة الإسلامية
في الدخول إلى تفاصيل موضوع الحكومة الإسلامية يتناول الإمام الخميني قدس سره في العنوان الأول الأدلة التي تدعو إلى تشكيلها، ويعدُّ ذلك في مجموعة من الضرورات:
1- ضرورة المؤسسات التنفيذية: لأن مجموعة القوانين والتشريعات لا تكفي لاصلاح المجتمع، ولكي يكون القانون مادة لإصلاح وإسعاد البشر، فإنه يحتاج إلى السلطة التنفيذية.

2- سيرة الرسول الأعظم: ويستفاد من سيرته صلى اللَّه عليه وآله ضرورة تشكيل الحكومة من خلال أمرين، أما الأول فلأنه صلوات اللَّه عليه وآله قد شكّلها وتزعم إدارة المجتمع وأرسل الولاة وقضى بين الناس فيما اختلفوا فيه، كما أرسل السفراء وعقد المعاهدات وقاد الحروب وغيرها، وأمّا الثاني فقد استخلف وبأمر من اللَّه من يقوم من بعده بهذا المهام.

3- ضرورة استمرار تنفيذ الأحكام. فمن البديهي أن ضرورة تنفيذ الأحكام لم تكن خاصة بعصر النبي صلى الله عليه وآله بل هي مستمرة لأن الإسلام لا يحدّ بزمان أو مكان، فالإسلام خالدٌ ويلزم تطبيقه وتنفيذه والتقيّد به إلى الأبد.

4- حقيقة قوانين الإسلام وتنوّعها والتي تتضمن مكوّنات الدولة وفيها الإدارة والاقتصاد السليم والثقافة العالية والأحكام المالية، والدفاع، والحدود والديات والقصاص.

5- ضرورة الثورة السياسية حيث سعى الأمويون كما يلاحظ وعبر التاريخ وآخرون من أمثالهم ومن يساندهم ويسايرهم لمنع استقرار حكومة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مع أنها كانت مرضية للَّه وللرسول، وبمساعيهم البغيضة تغيّر أسلوب الحكم ونظامه وانحرف عن الإسلام. ويضيف الإمام رضوان اللَّه عليه أن الخلافة قد تبدّلت وتحوّلت إلى سلطنة وملكية موروثة وأصبح الحكم يشبه حكم أكاسرة فارس، وأباطرة الروم وفراعنة مصر واستمر ذلك إلى يومنا هذا. لذا فالشرع والعقل يفرضان علينا ألا نترك هذه الحكومات وشأنها لأنَّ تماديها في غيّها يعني تعطيل نظام الإسلام وأحكامه.

6- ضرورة الوحدة الإسلامية بعد أن جزّأ الاستعمار وطننا الإسلامي المترامي الأطراف وحوّل المسلمين إلى شعوب.

7- ضرورة إنقاذ المظلومين والمحرومين، لأنَّ المستعمرين استعانوا بعملاء لهم في بلادنا من أجل تنفيذ مآربهم الاقتصادية الجائرة. وقد نتج عن ذلك وجود مئات الملايين من الناس جياعاً، ولا يمكن ذلك إلا من خلال تحطيم الحكومات الجائرة وإزالتها وتأسيس حكومةٍ إسلامية عاملةٍ مخلصة.

8- ضرورة تشكيل الحكومة في الأحاديث الشريفة بعد أن يتبيّن ذلك بثبوت العقل والشرع وسيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسيرة أمير المؤمنين عليه السلام وبمفاد كثيرٍ من الآيات والأحاديث.

* الحكم الإسلامي خصائص وشروط:
يبدأ الإمام الراحل في الحديث عن نظام الحكم الإسلامي وفي ذلك سبعة عناوين فرعية هي غاية في الأهميّة:

1- خصائص نظام الحكم الإسلامي: فالحكومة الإسلامية لا تشبه الحكومة المعروفة فلا هي مطلقةٌ بحيث يستبدُّ فيها رئيس الدولة برأيه، ولا بالمعنى الدستوري القائم والمتعارف، وإنما هي دستورية بمعنى أن القائمين بالأمر يتقيّدون بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القرآن والسنّة.

2- شروط الحاكم الإسلامي: وهي شروطٌ ينبغي توفّرها في الحاكم وهي كما يقول الإمام الكبير نابعةٌ من طبيعة الحكومة الإسلامية، وهذه عدا عن الشروط العامّة كالعقل والبلوغ وحسن التدبير، إضافة إلى شرطين أساسيين هما: العلم بالقانون الإسلامي ثم العدالة.

3- الحاكم في زمن الغيبة: وحيث لا يوجد نص على شخصٍ معيّن يدير الشؤون في الدولة، فهل نترك أحكام الإسلام معطّلة؟ أم نرغب بأنفسنا عن الإسلام؟ أم نقول أن الإسلام جاء ليحكم الناس قرنين من الزمان فحسب ليهملهم بعد ذلك؟! لذا كان لا بدَّ من حاكم شرعي في حال غيبة الإمام عليه السلام، على أن خصائص ذلك الحاكم الشرعي لا يزال توفّرها في أي شخصٍ مطلوباً بما تؤهله ليحكم في الناس، ويتطرق الإمام لتفاصيل هامّة في هذا الموضوع تجدر مطالعتها. منها الولاية الاعتبارية والتكوينية وصفات الحاكم وغيرها.

4- مفهوم الحديث: هنا يعالج الإمام الخميني مقتطفاً هاماً من حديث للإمام الكاظم عليه السلام فيما قاله: "... لأن المؤمنين الفقهاء حصون الإسلام..." ويقول: "إن تكليف الفقهاء أن يحفظوا الإسلام بعقائده وأحكامه وأنظمته... وإذا اعتزل الفقيه الناس وأمورهم وقبع في زاوية من داره ولم يحافظ على قوانين الإسلام، ولم ينشرها، ولم يعمل على إصلاح شؤون المجتمع ولم يهتم بالمسلمين، فهل يمكن اعتباره حصناً للإسلام أو سوراً له؟".

5- الفقهاء أمناء الرسل: ينقل الإمام أيضاً حديثاً آخر عن أبي عبد اللَّه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله حول كون الفقهاء أمناء الرسل ويقول: "لا بدَّ أولاً من معرفة واجبات ووظائف وصلاحيات ومجموعة أعمال الأنبياء والرسل، لنتوصّل بعدها إلى معرفة التكاليف التي كلّف الفقهاء الذين ائتمنهم الرسل".

6- أهداف الرسالات: وهنا ولعلّها من أجمل عبارات الإمام الخميني قدس سره حينما يتحدث عن أهداف الرسالات فيقول: "... فقد كان الهدف الحقيقي من بعثة الأنبياء هو إقامة العدل والقسط في الناس، وتنظيم حياتهم بموجب الموازين الشرعية، ولا يتم ذلك إلا بالحكومة التي تنفّذ الأحكام، وهذه الحكومة كما تتمثّل في شخص النبي أو الرسول، تتمثّل كذلك في الأئمة عليهم السلام، وفي الفقهاء العلماء المؤمنين العدول من بعدهم، لأن القيام على الناس وإقرار الحق والنظام العادل فيهم مطلوب على كل حال".

7- أهميّة منصب القضاء في الإسلام: حيث يأتي الإمام الخميني قدس سره إلى حديث أمير المؤمنين عليه السلام لشريح القاضي والذي شغل منصب القضاء قرابة خمسين عاماً، وكان متملّقاً لمعاوية حيث عمل الإمام عليه السلام على مراقبته وردعه عن الوقوع فيما يخالف تعاليم الشرع. ويدعم الإمام رضوان اللَّه تعالى عليه هذه المطالب بجملة من الأمور تجدر مطالعتها لما فيها من دقّة في تبيان هذا العنوان في منصب القضاء في الإسلام.

* سبيل تشكيل الحكومة الإسلامية
يقول الإمام وفي كلمة من كلماته التي طالما سجّلها التاريخ حول السبيل لتشكيل الحكومة الإسلامية : "... الأفكار تبدأ صغيرة ثم تكبر، ثم يتجمّع من حولها الناس، ثم تكتسب القوّة، ثمّ تأخذ بيدها زمام الأمور. ولم تكن القوّة كما ترون حليفة الأفكار من أول يوم، وفي هذا كلّه ينبغي أن تتخذ من الشعب بكل قواه قاعدة رصينة يرتكز عليها ويركن إليها، مع العمل الدائب على التوعية الجماهيرية من أجل فضح خطط الإجرام، وكشف الانحراف الموجود لدى السلطات الزمنية، ويتم تدريجياً استقطاب الجماهير كل الجماهير، ويتم الوصول بعدها إلى الهدف". ثم يدخل الإمام رضوان اللَّه عليه في سبعة عناوين تعتبر كلها عناصر مساعدة في تكوين الحكومة الإسلامية والتأسيس لها وهي:

1- وظيفة العلماء أمام هجمة أعداء الإسلام.
2- إحياء روح الجماعة في الأمّة.
3- تبليغ الإسلام الحقيقي للناس ويقول في ذلك عبارة مميّزة للغاية: "... واللَّه يعلم أن محبي الإسلام كثر، ولكنهم لأكثر أحكامه جاهلون، وقد جرّبت ذلك بنفسي".
4- إصلاح الهيئات الدينية.
5- إزالة آثار العدوان الاستعماري الفكري منه والخلقي وذلك لشدة تأثيره في مجتمعاتنا.
6- إصلاح المتقدّسين.
7- تدمير الحكومات الجائرة ويشرح في ذلك أموراً هامّة.

يقع الكتاب في 155 صفحة من القطع الصغير، وما أحوجنا إلى قراءة كل كلمة للإمام الخميني وخصوصاً في هذا العصر، الذي أوجد لنا الإمام فيه العزّة وهيّأ فيه وبتسديدٍ من اللَّه أسباب الانتصارات والفتوحات وهو للمستقبل خير دليل.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع