إعداد: إبراهيم منصور
* من أمثال العرب
"أسَعدٌ أم سعيد؟": هو مَثلٌ قاله ضبَّة بن أدّ، يومَ سرحَتْ ناقةٌ له فتاهت في الصحراء، فأرسلَ ابنه "سعداً" يبحث عنها. فذهب سعد ولم يعُد. ولمَّا طالت غيبتُه أرسلَ ضبَّة ابنَه الثاني "سعيداً" لعلَّه يُفلح في ما أخفقَ فيه أخوه، فيعودُ به وبالناقة الضالَّة. ولكنّ "سعيداً" لم يكن أَسْعَدَ من سَعْد، فتاهَ هو الآخر، ولم يُنجِز ما كُلِّفَ به، كما أنه لم يهتدِ إلى الرجوع. فبات ضبَّةُ حزيناً على ولدَيْه، ينظر إلى الأفُق، وكلّما رأى شخصاً قادماً من بعيد يقول: "أسَعْد أم سعيد"، فذهب قوله مَثلاً.
* من نوادر العرب
استأذنَ "أشعب" الطمَّاع في الدخول على أحد البخلاء، وكان هذا البخيل يأكلُ تيناً في أوَّل أوانه. فلمَّا أحسَّ بدخول أشعب عليه، تناولَ طبَق التين وخبَّأه تحت السرير. فطِن أشعب لهذا الأمر، سأله البخيل: ما جاءَ بك في هذا الوقت؟ قال: مررتُ الساعةَ برجُل يقرأ القرآن بلحنٍ ما سمعتُ، قطُّ، أحسنَ منه. ولِما علمتُ من شدَّة محبَّتك للقرآن، جئتُ لأقرأه عليك. قال: فهاتِه. قال أشعب: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ َ... وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ﴾. فصرخ البخيل مغضَباً: ويلك! أين التين؟ قال: تحت السرير.
* مَنْ هو هذا النموذج المثالي؟
ـ هو الذي جاءته امرأةٌ يوماً وشَكَتْ إليه أنّ أخاها مات عن ستمائة دينار، ولم يُقْسَم لها من ميراثه، سوى دينار واحد، فقال لها: "لعلَّه ترك زوجةً وابنتين وأُمّاً واثني عشر أخاً وأنتِ؟". فقالت: نعم. فقال: "لكِ من الميراث، دينارٌ واحد فقط"!
ـ ما زلتُ لا أعرف عمَّن تتكلمين.
ـ أتكلَّم عمَّن قال فيه الخليل بن أحمد (1): ما أقول في رجلٍ أخفى أعداؤه محاسنه حسداً، وكتَمَ أتباعُه فضائله خوفاً، وظَهَرَ ما بين هذا وذاك ما ملَأَ الخافقَيْن!.
ـ مَنْ هو هذا الرجل العظيم؟ لقد شوَّقتِني!.
ـ هو مَنْ ظلَّ فيلسوف اللاهوت المسيحي مار توما الأكويني (2)، إحدى عشرة سنة يبحث عنه مُقلِّباً كتب التاريخ العربي والإسلامي، فلما سأله الكرادلة والفلاسفة والمفكّرون: أيستحقُّ هؤلاء العرب والمسلمون أن تُضيِّعَ وقتكَ الثمين في دراستهم؟ أجابهم: نعم، لقد عرفتُ مَنْ هو الرجل الأكمل في التاريخ. فلما سألوه متعجِّبين: مَنْ هو؟ قال: علي بن أبي طالب!
* قالت لي المرآة
ـ أراك تقرأُ متعجّباً، فماذا تقرأ؟ وفيمَ اندهاشُك؟
ـ أقرأ كتاب "عالَمنا الرائع في مغامرة الحياة"، للمؤلِّف فرنسيس برونِلْ، وأتعجَّب من هذا الإنسان الدالّ على معجزة الخَلْق الإلهي، خصوصاً في مجال الحساب الذهني السريع جدّاً لدى بعض الناس الموهوبين من أمثال "إينودي" و"شاكونتالا ديفي" القادرَيْنِ على حلّ أصعب المسائل الحسابية في بضع ثوان! عندئذٍ قالت، وقد صفا أديمُها:
ـ ولِمَ تستغربُ ذلك، وعندك في تاريخك الإسلامي نموذج رائع لهذا الذهن العجيب المتميِّز بالقدرة الهائلة على سرعة التفكير، والنباهة في الفُتْيا، والدقَّة المتناهية في معرفة الأحكام الشرعية والحُكْم بها؟!
* المسألة الزُّنبورية
هي من مسائل اللغة، وقد شاعت في العصر العباسي. والزُّنبور، أصلاً، حشرةٌ من غشائيَّات الأجنحة، لونها أصفر وأسود، تشبه النحلة ولكنها لا تُنتجُ العسل. لَسْعتُها مؤلمة. ويُطلِقُ الإيرانيون كلمة "الزّنبور" على النحلة نفسها. أمَّا المسألة الزُّنبورية فقد ظهرت يوم تناظر الكسائيّ وسيبويه عند المأمون في بغداد، فقال الكسائي:
ـ إنّ العربَ تقول: كنتُ أظنُّ أنّ الزُّنبورَ أشدُّ لَسْعاً من النحلة، فإذا هي إيَّاها.
فقال سيبويه:
ـ ليس المثَلُ كذا، بل: فإذا هو هي. فراجَعَا في المسألةِ أَعرابيّاً، فخطَّأ الأعرابيُّ الكسائيَّ، وصوَّبَ رأي سيبويه. كما اختلفا في إعراب "هو" و"هي"، فقال سيبويه: بكلّ بساطة، هو: مبتدأ، وهي: خبر.
* من الثنائيَّات
الحلَبيَّان: جاء في كتاب "الوسيلة": إذا أُطلِقَتْ كلمة "الحلبيَّان"، أُريدَ بها: أبو الصلاح الحلبي، وابن زهرة الحلبي. وإذا أُطلقَتْ كلمة "الحلبيُّون"، أُريد بها المتقدِّمان مع ابن البرَّاج، لأنه حلبيٌّ أيضاً والثلاثة من فقهاء الشيعة القدماء.
1ـ الشيخ أبو صلاح الحلبي: وُلدَ 447هـ، تلميذ السيد المرتضى، والطوسي.
2ـ أبو المكارم ابن زهرة الحلبي: وُلدَ 585هـ، تلميذ الطوسي، كتابُه في الفقه: "الغنية".
3ـ القاضي عبد العزيز الحلبي ابن البرّاج: تلميذ المرتضى والطوسي، وُلدَ 481هـ، أشهرُ كتبه: "المهذّب" و "الجواهر" (4).
* من أجمل الشعر
قال الأخطل الصغير، في أواخر أيامه لدى تكريمه في قصر الأونسكو:
مَنْ ذا يُغنِّي على عودٍ بلا وتَرِ؟ |
اليومَ أصبحتُ لا شمسي ولا قمري |
رَعَتْ شبابي وخانتني على كِبَري؟ |
ما للقوافي إذا جاذبتُها نفَرَتْ |
كالنورِ للشمس، أو كالنَّشْرِ للزَّهَرِ |
إنّ المواهبَ لا فضلٌ لصاحبها |
* عامّيّ أصلُه فصيح
عَرْكَسَ الشيءَ: جمَع بعضَه على بعض. ويبدو أنَّ هذا الفعل الذي ارتاحت له العامَّة، منحوتٌ من فعلين معروفين: عَرَكَ وعَكَسَ، فـ "عَرَكَ" الشيءَ: دَلكَه حتى عفَّاه. واعترك الرجالُ في الحرب: ازدحموا وعرك بعضُهم بعضاً. والرملُ العريك: المتداخل بعضُه في بعض. أمَّا عكَسَ الشيءَ، فمعناه: ردَّ أوَّله على آخره، وقلَبَه. فمن هذين المعنَيْين جاء، منحوتاً، معنى "عركس".
(1) أبو عبد الرحمان الأزدي الفراهيدي (100 175هـ/ 712 778م): نحوي ولغوي، من أئمَّة العربيَّة، أستاذ سيبويه والأصمعي وسواهما، اكتشف علم العَروض، له كتاب "العين"، وهو أوّل قاموس عربي.
(2) توما الأكويني (1225 1274م): معلِّم الكنيسة، وحجَّة في اللاهوت المسيحي والفلسفة، اطَّلع على آراء ابن سينا والغزالي وابن رشد وانتقدها.
(3) انظر "المنجد في اللغة والأدب والعلوم"، لويس معلوف، ص 235 و 307.
(4) كتاب "الوسيلة"، عماد الدين الطوسي، توفي في النصف الثاني من القرن السادس الهجري.
(5) "لسان العرب"، ابن منظور، مادَّة :عشق"، ص 252.