عدنان علامة*
تشنّ قوى الاستكبار العالمي عدة أنواع من الحروب على
الدول ذات الحركات الممانعة لمشاريعها الاستعمارية، وترافقها دائماً الحرب
الإعلامية. نظراً لتقدّم وسائل الإعلام وتطوُّرها، فإنَّ قوى الاستكبار قد ركزت
جهودها على الحرب الإعلامية، واعتبرتها مقدِّمة رئيسة لكافة مشاريعها المستبدة.
وتكون هذه الحروب من أهم الوسائل تأثيراً على الرأي العام من خلال ما تبثه من
الإشاعات والأكاذيب في تحقيق أهدافها.
* مجاهدون أم إرهابيون
خلال الاحتلال الروسي لأفغانستان دعمت الولايات المتحدة حركات المقاومة الأفغانية
بكلِّ أطيافها، وأطلقت عليهم لقب "المجاهدين الأفغان". وبالوقت نفسه، كانت تطلق على
الحركات المقاومة للاحتلال الصهيوني "الإرهابيين" و"الحركات الإرهابية". إلى جانب
الحرب الإعلامية، فقد دعمت الولايات المتحدة الحركات الأفغانية بسلاحها الاستراتيجي
المضاد للطائرات من نوع ستينغر، وبالرغم من المحاذير الأمنية من تسرُّب ذلك السلاح
الاستراتيجي إلى الدول المجاورة، حيث كان له الدور الفعال والأساس في الانسحاب
الروسي من أفغانستان. خلال الحرب في أفغانستان كانت كلمة السرّ تعطى لوسائل الإعلام
العالمية ولوكالات الأنباء الرئيسة باستعمال كلمات "المجاهدين الأفغان" و"الاحتلال
الروسي" للتأثير على الرأي العام. وبعد تحقق الانتصار في أفغانستان وبعدما ابتعد "المجاهدون"
عن أهداف الإدارة الأمريكية وقوى الاستكبار، أصبحوا وبلمح البصر "إرهابيين" و"قوى
ظلامية" و"الحركات المناهضة للحضارة" و"الأصوليين". وشنت الولايات المتحدة وحلفاؤها
حرباً واسعة للقضاء عليهم.
* عدّة الحرب الإعلامية
تركّز قوى الاستكبار العالمي حالياً على عبارات محددة: "الإرهاب"، "دعم الإرهاب"، "إيواء
الإرهابيين" دون تحديد مفهوم موحّد لها. إن مفهوم "الإرهاب" عندهم هو صفة جاهزة
تطلق وفقاً لأهواء دول الاستكبار على الدول والحركات المناهضة لمشاريعها. فقد
اعتبرت هذه القوىّ "صدّام حسين" حليفاً استراتيجياً حين شنّ الحرب على الجمهورية
الإسلاميّة، ودعمته بمختلف أنواع الأسلحة. وقد اعتبرت هذه القوى "صدّاماً" نفسه بعد
احتلاله الكويت إرهابياً. واستعملت اليورانيوم المخصّب للقضاء على أرتال الدبابات
والجيوش، ومن ثمّ تمّ تزوير المستندات والوثائق والصّور الجوية وصور الأقمار
الاصطناعية للقول إن العراق يصنع ويطور أسلحة الدّمار الشّامل. وتمّ غزو العراق
وبتأييد من مجلس الأمن بناءً للمعلومات المفبركة. جرت الانتخابات النيابية الأخيرة
في غزة والضفة الغربية للسلطة الفلسطينية، وحضر الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر
كمراقب للانتخابات وأشاد بنزاهتها وديمقراطية الشعب الفلسطيني. ولكن حين فازت حماس
وحصدت النتائج على عكس توقعات دول الاستكبار، قامت قوى الاستكبار بإطلاق الصّفة
الجاهزة الإرهاب عليها.
فبين ليلةٍ وضحاها تغيَّرت صورة الديمقراطية المشرقة،
وأصبحت حركة حماس المقاومة والتي فازت بإرادة الشعب الفلسطيني "حركةً إرهابية"
بإرادة قوى الاستكبار العالمي، وأعطوا الضوء الأخضر للعدو الصهيوني لشنّ العدوان.
وقد استعمل العدو أسلحةً محرّمةً دولياً تحت نظر العالم كله، ولم نسمع كلمةَ إدانةٍ
واحدةً لاستهداف شعبٍ بأكمله. ولا يزال أكثر من مليون فلسطيني تحت الحصار ودون
تأمين أدنى مقومات العيش الكريم تحت حجة أن الإسمنت على سبيل المثال إذا تمّ إدخاله
إلى غزّة، سيتم استعماله من قبل الإرهابيين، وكذلك المساعدات الطبيّة والغذائية.
وظيفة الإعلام الملتزم
وعلى المقلب الآخر، فإن وظيفة الإعلام الملتزم في الحرب الإعلامية، تعتمد على
الحقائق. وقد أعطى القرآن الكريم لنا أمثلةً رائعةً للمواجهة الإعلامية. ففي قصة
النبي موسى عليه السلام مع فرعون:
﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي
رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ*حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لاَ أَقُولَ عَلَى اللهِ إِلاَ
الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ*قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ*فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ *وَنَزَعَ يَدَهُ
فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾
(الأعراف: 104ـ 108)، حيث اتهم وجهاء قوم فرعون النبي موسى عليه السلام بأنه
ساحر
﴿قَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ
إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾
(الأعراف: 109)، وطلبوا جمع الناس من كافّة المدن ليواجهوا النبي صلى الله
عليه وآله، وفي الوقت عينه تم جمع السحرة، وحين المواجهة بان الحق وزهق الباطل:
﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ
فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ*يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ*وَجَاء السَّحَرَةُ
فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ*قَالَ
نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ*قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ
وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ*قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا
سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا
يَأْفِكُونَ*فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا
هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ*وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ*قَالُوا
آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾
(الأعراف: 111ـ 122).
عمد فرعون إلى جمع الناس وكلّ ساحر عليم؛ ليبرهن أنَّ
موسى عليه السلام ليس نبياً. وجرت الإرادة الإلهية، فأبطلت عمل السحرة أمام الحشود،
وهذا ما دفع معظمهم إلى الإيمان. إنَّ أعمال الأنبياء عليهم السلام هي حجة على
العالمين. والمواجهة مع رموز الاستكبار في ذلك الوقت كانت تقتضي مواجهتهم بالحقائق.
وهذه السُّنَّة لا تتغيّر ولا تتبدّل مع الزمن. وهذه هي وظيفة الإعلام الملتزم.
* المواجهة الإعلاميّة
زرعت قوى الاسكتبار الكيان الصهيوني الغاصب والغدّة السرطانية في فلسطين، حتى أصبح
الفلسطينيون لاجئين في أرضهم. واستبدلت هذه القوى قضية فلسطين بقضية الشرق الأوسط،
وذلك بهدف نزع فلسطين من الذاكرة العربية والعالمية. ولم يعارض هذه المحاولات سوى
الإمام الخميني "قدس سره"، حيث أعلن بتاريخ 16/8/1979م يوم القدس العالمي بقوله: "إن
يوم القدس يوم عالمي، يوم ليس خاصاً بمدينة القدس فحسب، يوم مواجهة المستضعفين
للمستكبرين، يوم وقوف الشعوب الرازحة تحت نير ظلم أمريكا وغير أمريكا" (1). وإعلان
هذا اليوم أعاد إحياء قضية فلسطين في ذاكرة مليار مسلم. وقد اعتمدت المقاومة
الإسلامية على الحقائق خلال حربها مع العدو الصهيوني. وقد أثمرت هذه المواجهة
العسكرية والإعلامية انتصاراتٍ إلهيةً كما حصل في مواجهة النبي موسى عليه السلام.
تابع الإخوة في الإعلام الحربي بدقّة تفاصيل دفن أشلاء عملية أنصارية سرّاً. ونظراً
لما تمثّله تلك الخطوة من مخالفات في احترام الرفات والأنظمة العسكرية بعدم القيام
بإجراءات دفن لائقة، فقد تمَّ توزيع خبر الدّفن على صفحات الانترنت. وكانت النتيجة
قيام أهالي القتلى بحركات احتجاجية، دفع ثمنها كبير حاخاميي الجيش، حيث تمت محاكمته
عبر لجنة فينوغراد. قال والد الضابط راز تيفي الذي قتل في كمين أنصارية:" إنه يثق
بحزب الله أكثر بكثير مما يثق بالحكومة الإسرائيلية الحالية" (2). وأجبرت هذه
الخطوة إيهود باراك على تقديم اعتذار خلال وجوده في أمريكا بقوله: "إنها تراجيديا
مؤلمة ومحزنة وتتطلب وضع توجيهات للحؤول دون حدوثها مجدداً" (3).وقد أثارت قضية
دفن الأشلاء سراً صخباً وإدانةً واسعةً في فلسطين المحتلة.
قال يورام جولان والد
أحد القتلى: "إنَّ شكوكه ارتفعت لأول مرّة حين تم تسليمه ساعة جديدة في علبة جديدة
بدلاً من استلام ساعة ابنه كما جرت العادة في وحدة الكوماندوس (شييطت 13)، وأضاف
أنّه عرف الحقيقة خلال تصفحه لصفحات الانترنت حين كان الشرح: خمسة أرجل، عدة أصابع،
أجزاء جلد ولم يخبرنا أحد. ووصف عملية دفن أجزاء ولده بأنها كانت "دفن حمار".
وقد أكّد عاموس هارل مراسل هآرتس العسكري أنَّ كبير حاخاميي الجيش العميد غاد
نافون كان من بين ثلاثة أشخاص تلقوا رسائل تحذير من لجنة فينوغراد، وهي اللجنة
الثانية التي تحقق في موضوع الدفن. وقد أجبر على تقديم استقالته (4).
* نتائج باهرة
أجبرت المقاومة الإسلامية العدو الصهيوني خلال حربها الإعلامية معه على الاعتراف
بقدرة المقاومة في حرب الدعاية؛ ".... فحزب الله نجح في لبنان بشكل خاص والعالم
العربي بشكل عام في أن يقدم الانسحاب الإسرائيلي حتى 7 تموز كقرار تحت الضغط. ولن
تستطيع الدعاية الإسرائيلية - الأكثر ذكاءً - أن تقوّض إيمان الفلسطينيين وآخرين
بأن ضغطاً كهذا يضم في طياته فرصة لإخراج إسرائيل من الأراضي المحتلة" (5).
وفي مقالة أخرى، كان اعتراف العدو بالهزيمة في الحرب النفسية أكثر صراحةً: "وفي ظل
الخلاف في العالم العربي، فقد ملَّ الإسرائيليون من لبنان، فالخسائر الفادحة فيه هي
التي قادت إلى قرار القيادة السياسية والذي جاء في إطار حملة انتخابية. وللمرّة
الأولى في تاريخ حروبنا تغلب "العدوّ" في الحرب النفسية على إسرائيل بما في ذلك
الاستخدام الذكي لوسائل الإعلام الإسرائيلية، فقد تبين أن قدرة إسرائيل على الصمود
قد تآكلت بحيث لم يعد أحد يتعرّف إليها" (6).
يعتبر العدو الصهيوني حزب الله
عدواً استراتيجياً يهدِّد وجوده, لذلك كانت مخططاته تتناسب مع حجم التهديد، وباءت
جميع خططه بالفشل والخيبة، وتيقن من أن الحرب الكلاسيكية أصابته بنكسة؛ لذا لجأ
مجدَّداً مع دول الاستكبار إلى محاولات اتهام المقاومة المشرِّفة بالإرهاب، وذلك من
خلال المحكمة الدولية، تمهيداً لتنفيذ مؤامرة لتشويه صورة المقاومة الناصعة.
أمام هذه الهجمة الشرسة على المقاومة ورموزها، على الإعلام الملتزم مهام جسام في
فضح هذه الدسائس، للحفاظ على نصاعتها، وحتى لا يعطي لدول الاستكبار أية فرصة لتحقيق
ما عجز عن تحقيقه في عدوان تموز.
(*) إعلامي
(1) تقويم الإمداد، شهر رمضان
(2) جريدة الشرق 9/12/1998
(3) جريدة السفير 17/7/1999
(4) هآرتس، 10/12/1999
(5) هآرتس ، الافتتاحية 10/5/2000
(6) هآرتس، زئيف شيف 17/5/2000