الشيخ خضر الديراني
لقد تعرض الإسلام كشريعة لحرب تضليلية شرسة خلال العقود الأخيرة تناولت الكثير من الجوانب والأحكام والمفاهيم، وقد اعتمد أصحاب هذه الحملة أسلوب الاجتزاء في طرح هذه المفاهيم، ودعَّموا افتراءاتهم بالممارسات الخاطئة للعوام من الناس هنا وهناك، وكان لقضية المرأة الحظ الأوفر من هذه الحملات.
وقد تحولت المرأة إلى حائط مبكى لكل الذي يريدون النيل من الإسلام، علماً أن الشريعة الإسلامية لم تفرِّق بين الرجل والمرأة في الذات ولا في الإنسانية، بل الإسلام هو الذي حارب بتشريعاته الراقية، الرق، وتجارة الجنس، ووأد البنات وأمرَ أتباعه أن يتعاملوا مع أبنائهم ذكراً وأنثى على مستوى واحد من العطف والإنسانية والرحمة، بل اعتبر أن الرجل الذي يربي بنتاً، ليس له ثواب غير الجنة. وقد شرَّع الإسلام هذه التشريعات في الوقت الذي كان العالم يغط في سبات عميق وكان الغرب على وجه التحديد يعيش عصر الظلمات والانحطاط والتخلف وكانت المرأة، بل مطلق الإنسان لا قيمة له ولا حرمة.
* المرأة والرجل في الإسلام
1- أكد الإسلام وحدة الأصل الذي خلق منه الرجل والمرأة. قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ (النساء: 1)
2- وحدة النوع تقتضي وحدة الوظيفة والدور الذي هو عبادة اللّه. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون﴾ (الذاريات: 56).
فهذا الهدف هو عام وشامل للذكور والإناث.
ويتفرع عن هذا الهدف العام مجموعة أهداف أخرى مثل:
أ - إعمار الأرض واستخراج الخيرات والنعم للتمتع بها. قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ...﴾(إبراهيم: 34 - 32) وغيرها من الآيات المباركة التي تبين هذه الحقيقة من قبيل الآية 4 إلى 6 من سورة النحل، والآية 65 من سورة الحج.
ب- لقد أعطاهم الحق على قدم المساواة في الاستفادة والاستمتاع بهذه النعم. قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ...﴾ (الأعراف: 32 - 31).
3- لم يتعامل الإسلام مع المرأة بطريقة مختلفة عن الرجل لأنهما غير مختلفين نوعاً وهوية ولم يميّز بينهما في نتيجة العمل وجزائه قال تعالى:﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ (آل عمران: 195).
4- وكذلك جعلهما اللّه مستخلفين في الأرض فالخليفة هو الإنسان: الذكر والأنثى. قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ﴾ (الأنعام: 165).
* الاختلاف بين الرجل والمرأة
ذكرنا أن الإنسان ذا وظيفة عامة واحدة ذكراً وأنثى، ولكن هذا النوع يتكون من صنفين ذكر وأنثى فالإنسان ليس الذكر فقط وليس الأنثى فقط بل هو مجموعهما، فهذا التنوع في الصنف يقتضي تنوعاً في الدور الخاص بالصنف بخلاف وحدة الدور العام المرتبطة بالنوع، وهذا أمر طبيعي. إذن هناك وظيفة عامة لهما واحدة وهناك وظيفة خاصة متنوعة، وقد هيأ اللّه الرجل والمرأة للقيام بالوظيفتين العامة والخاصة وإن كانت مساحة الوظيفة العامة أشمل منها في الخاصة. بعدما عرفنا فيما سبق الوظيفة العامة، لا بد من إلقاء الضوء أكثر هنا على طبيعة الوظيفة الخاصة.
فالوظيفة الخاصة هي خصوصية موجودة لدى الطرفين تعالج نقصاً، أو كمالاً من الناحية الإنسانية لدى الطرفين، أو تعالج نقصاً، أو كمالاً في المنزلة الاجتماعية، لتجعل كلا منهما مؤهلاً للقيام بالوظيفة العامة على مستوى العبادة وتكامل المجتمع. بعبارة أخرى، الوظيفة الخاصة تقع في طول عمل الوظيفة العامة لكنها تعالج النقص لدى كل من الذكر والأنثى، فالبذرة الصالحة لا قيمة لها من دون وجود الأرض الخصبة لزراعتها ووجود الأرض الخصبة والبذرة الصالحة غير كافية لجني ثمار صالحة من دون وجود مناخ وماء وما إلى ذلك، يساهم ويساعد في إنضاجها وإيصالها إلى ذروة كمالها. كذلك الإنسان، فالرجل فيه الكثير من صفات الكمال المترافقة مع العديد من النواقص، والعكس بالعكس بالنسبة للمرأة، فكل منهما يكمل نقص الآخر، وهكذا تستقيم الأمور ليتحولوا إلى خلفاء للَّه في الأرض. إلا أن هذا التنوع في الوظيفة الخاصة، ليس سبباً لأفضلية أحدهما ودونية الآخر ولا هي نتيجة لذلك أيضاً. بل هي ناشئة من أسباب موضوعية لها علاقة بوظيفة كل منهما في تحقيق الهدف العام وليس تنوعاً في قيمة كل منهما على أساس الاختلاف في الماهية أو الكينونة.
* التكامل بين الرجل والمرأة
وللتفصيل أكثر، نقول:
1- الوظيفة العامة التي هي عبادة اللّه، وإعمار الأرض تقتضي إبقاء النسل الإنساني.
2- التوالد والتناسل ليست وظيفة ذاتية يستطيع أن يقوم بها كل من الذكر والأنثى على حدة، بل هي نتيجة تكامل بينهما وقد هيأ اللّه كلا منهما للقيام بجانب من هذه العملية.
3- لا بد من حمل وولادة وحضانة وتربية للولد. وهذا أيضاً يفترض تكويناً جسدياً ونفسياً ملائماً.
4- هذا النسل المتكاثر يحتاج إلى مأوى ومأكل وملبس وما يحمي وجوده من الأخطار وهذه المهمة أيضاً تفتقر إلى تكوين جسدي ونفسي يتلائم معها.
5- قد شاء اللّه أن تكون وظيفة الحمل الولادة والحضانة والإرضاع والتربية من وظيفة الأنثى وقد أعطيت المقومات الكافية للقيام بهذا الدور على المستوى الجسدي والنفسي. وأيضاً شاء اللّه أن تكون وظيفة تأمين الحماية والمسكن والمأكل والملبس على الرجل، وقد أعطاه اللّه عز وجل المقومات الكافية لذلك على المستوى الجسدي والنفسي. ولربما قيل لماذا جعلت الوظيفة الأولى منوطة بالمرأة والثانية منوطة بالرجل ولم يكن الأمر معكوساً.
حتى ولو عكس الأمر لكانت القضية هي هي، ولكان الذين يبكون على المرأة اليوم تحولوا إلى البكاء على الرجل، لأن القيام بهذه الوظائف يحتاج إلى هذه الخصائص لدى كل من الطرفين. إذاً، فتقسيم العمل لإنجاز مهمة إعمار الأرض وعبادة اللّه ضرورة لا مفر منها، وهذا التقسيم يفترض اختلافاً وتنوعاً في الوظائف الخاصة، وكذلك يفترض تكويناً مختلفاً على المستوى الجسدي والنفسي، لكنه غير ناشئ عن أفضلية أحد الصنفين ودونية الآخر.
فالإسلام إذاً، لم يحط من شأن المرأة ولم يفضل الرجل على المرأة بل ساوى بينهما في الوظيفة العامة وجعل كلا منهما مكملاً للآخر في الوظيفة الخاصة، وهو ما عبرت عنه بعض المرويات بأن الرجل يشكل النصف الآخر للمرأة، والمرأة تمثل النصف الآخر للرجل.