نسرين إدريس قازان
اسم الأم: خديجة طه.
محل الولادة وتاريخها: الهرمل، 26/11/1983م.
رقم القيد: 502.
الوضع الاجتماعي: خاطب.
تاريخ الاستشهاد: 25/5/2013م.
"أتمنّى أن أكون بجانب أولئك الشهداء الذين قدّموا أرواحهم ودماءهم فداءً لأرضنا الطاهرة".. بهذه العبارة ختم علاء وصيّته.. وبها أيضاً ختم حياته، فالأمنيات بيد المخلصين تتحقّق لا محالة.
* فرْحتان بعد عودته
قبل أن يمضي علاء إلى "القصير" زار أهله في بيروت مودّعاً بصمت. كانت أمّه فرحة منهمكة في تحديد موعد زفاف علاء، آخر أبنائها، ومدلّلهم، وكيف إذا كان هذا الابن قد تحمّل من شظف العيش ما تحمّل، وحمل التعب على كتفيه وهو يبني بيته حجراً فوق حجر بيديه طوال ثلاث سنوات، فلا شكّ في أنّ الفرحة فرحتان، فقد آن لهذا الشاب المتعب الذي ستنتظره عروسه بالأبيض فور عودته من مشواره هذا.. أن يرتاح.
ربّتت أمّه على كتفه بحنوٍّ وهو يهمّ بالخروج من المنزل وهي توصيه بأن يهتمّ بنفسه ويحذر العدوّ أن ينال منه.. رقَّ قلبه عليها وتبسّم من وصيّتها النابعة من خوفها عليه، واحتار بما يقول لها، فهَمْسُ القلب إنْ صدق سيخْلع روحها من جسدها الذي مضى زمن عليه يقاوم مرضاً عضالاً فتك به.
* ذكريات الماضي ضجيج جميل
في تلك الليلة، وصل علاء إلى بيت القرية حيث يسكن وحده منذ فترة طويلة بعد نزول أهله للسكن في بيروت، وصار يتنقّلُ وحيداً بين صمْت الغرف التي ضجّت بذكريات الماضي حينما كان البيت مليئاً بالعائلة التي تفرّق أبناؤها كلٌّ إلى منزله، ولمح ظلّه راكضاً ضاحكاً وخلفه أخوه يتوعّده بالعقاب على ما يقوم به من مقالب، ولكن المطاردة غالباً ما كانت تفضي إلى عناق وضحك.
كثير المشاغبة كان علاء، فلم يعرف لحظة هدوء قط، ولكن شيئاً ما كان دوماً يدفع والديه وإخوته إلى تجاوز الكثير من تصرّفاته التي تثير حنقهم وغيظهم، فالمدلّلُ الصغير يحقّ له ما لا يحقّ لغيره.
ولكن علاء ابن بيئة سرعان ما تسلب منها الظروف الصعبة الدلال، فقد اضطر إلى ترك دراسته والعمل، ليفتح صفحة جديدة في حياته، فيها من الجديّة وتحمّل المسؤوليّة ما لم يعتده من قبل، ولكنّه كان على قدر الواقع الجديد الذي فُرض عليه... وخلال أشهر قليلة، تحوّل علاء من فتىً مشاغب لا يهتمّ إلّا باللعب إلى فتىً يراقب كل ما حوله ليتعلّم منه، فقد أدرك أنّ للحياة أسلحة كثيرة لا يزال يفتقدها، ولكنّه امتلك أمضى سلاح بوجه الأيام الصعبة، وهو الضحكة وروح المرح التي كانت تضفي السعادة على من حوله، فحيث يجلس علاء غيوم الهمّ تنجلي بكلامه الجميل..
* مجاهد من مدينة الشهداء
بعد حرب تموز 2006، اتّخذ علاء قراراً لم يستغربه أحد ممّن يعرفه حقّ المعرفة، فالشابُّ الذي التحق بصفوف التعبئة العامّة للمقاومة قبل بلوغه سنّ الشباب، انضمّ إلى المقاومين، فمن ترعرع في مدينة الهرمل، مدينة الشهداء والمجاهدين، يعشق منذ نعومة أظافره الجهاد، فكان يستمع إلى قصص الشهداء فيستقي منها العبر، ويلوذ بحكايا المجاهدين لينْهل منهم الشجاعة والإقدام، فكان يستغلُّ أوقات انشغاله بعبادته ليتوسّل إلى اللّه أن يوفّقه للجهاد.
* ودود مع أهله والأصدقاء
علاء كان شابّاً ملتزماً، ينتبه إلى تفاصيل الالتزام، منذ أن شرع بتطبيق الأحكام الشرعيّة وهو ابن اثني عشر عاماً، وقد اعتبر نفسه مسؤولاً عن هداية رفاقه، فكان يلعب معهم، وعندما يُرفع الأذان يصطحبهم معه إلى المسجد للصلاة. أمّا أكثر ما كان لافتاً في شخصيّة علاء فهو برّه بوالديه وخوفه الشديد من غضبهما، فكان يحتار كيف يخدمهما، ولا يرفض لهما طلباً، فترى حريّته دوماً مقيّدة بما يريد والداه.
بين عائلته وأصدقائه هو المحدّث الذي لا يسكتُ، فما أن يعود من عمله، حتّى يركب دراجته الناريّة ويشتري من الدكان "النقرشة" والعصائر، ويمضي إلى البستان حيث يشيّد منزله، وفي الطريق يتوقّف أمام منازل إخوته ليناديهم واحداً تلو الآخر، حتّى يصل إلى البستان ويصلوا خلفه ليعقدوا جلسة أنيسة يتخطّى فيها الحديث عن الشؤون العائليّة إلى التحليلات السياسيّة والعسكريّة. وكان علاء دائماً يُطعِّم الجلسات بحديثه عن الإمام الخميني العظيم، إذ طالما كان يستشهد بأقواله ومواقفه للتأكيد على فكرة قالها، أو لشرح مسألة طرحها أحدهم.
* واحة في ساحة الحرب
عقد علاء قرانه، وبدأ بتشييد منزله في البستان. وفي الوقت الذي نزل فيه أهله للسكن في بيروت، بقي هو في الهرمل، فكانت أخواته يذْهبن إليه لترتيب المنزل وإعداد الطعام، فيجدْن المنزل نظيفاً مرتّباً، ولا تخلو الثلاجة من الطعام الذي أعدّه، إذ إنّ اعتماده على نفسه في الطهو أمكنه من إعداد أغلب الأطعمة، وكان ذلك دأبه حتّى مع وجود أمّه، فهو لا يطلب من أحد شيئاً، فإن وجد ما يأكله أكل، وإن لم يجد أعدّه بنفسه.
مع بدء العمليّات الجهاديّة ضد التكفيريّين، كان علاء من أوائل المشاركين بالدفاع عن الأرض والعرض. وفي خضمّ المعارك القاسية والصعبة شحذ علاء روحه المرحة فكان لا يتوقّف عن إلقاء التعليقات المضحكة بين أزيز الرصاص. وبين الدمار الفظيع في منطقة القصير، ثمّة واحة صغيرة من الحياة بعيداً عن الغبار، واحة فيها الشاي والقهوة والنرجيلة وما تيسّر ممّا يسدّ جوع المقاتل، فكانت الاستراحة في هذه الواحة التي أعدّها علاء ورفاقه تجدّد فيهم العزيمة لمقاتلة أعداء الدين.
* العودة الأخيرة
ما إن يعود علاء من المحور حتّى يتابع أمر ترتيب منزله، فأنهى كلّ شيء وحدّد موعد الزفاف، ولكن عودته الأخيرة كانت مختلفة، فثمّة تغيير واضح طرأ عليه، فعلاء يجلس ساكتاً متفكّراً، لا يتحدّثُ إن لم يوجَّه إليه كلام، على غير عادته، وحينما نزل إلى بيروت لوداع والديه، كان يدرك أنّ المهمة التي سيلتحق بها، مهمّة صعبة وطويلة؛ إنّها معركة تحرير "القصير" فحرص على الاستزادة منهم قدر المستطاع.
كانت هذه المعركة استراتيجيّة بامتياز. وقد علم علاء ورفاقه أنّ أولى بدايات الانتصارات ستبدأ من القصير، فاستبسلوا في القتال ولم يهِنوا ولم يحزنوا رُغم التضحيات.
حان وقت عودة علاء إلى أهله، فموعد زفافه بعد أيام، ولكن ما تناهى إلى مسامعه من رفاقه دفعه للتوسّل إلى مسؤوله لإبقائه معهم، فاليوم هو يومهم الأخير في القصير والنصر صار قاب قوسين أو أدنى.
وفي منتصف الليل، وبينما كان ورفاقه في منزل ينطلقون منه، أصابهم صاروخ أدّى إلى استشهاد علاء فوراً وسقط سقف البيت عليهم.
أُلغي الزفاف.. ولكنّ الزغاريد صدحت في الهرمل، للعريس الذي زُفّ إلى الجنان شهيداً.