* من بلاغة القرآن
قال اللهُ تعالى في صِفَةِ شجرةِ الزَّقُّوم التي تُنْبِتُ في قَعْرِ الجحيم طعاماً
لأهل النار:
﴿طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ
الشَّيَاطِينِ﴾
(الصافات: 65)، فاعترضَ كُفّار مكّةَ
على هذه الآية بشيئين: الأوّل، أنّ النارَ تأكلُ الشجرَ فكيفَ تُنْبِتُه؟! الثاني،
أنّ المشبَّه به في التشبيه الناجح يجب أن يكون أَوْضَحَ وأَظْهَرَ من المشبَّه؛
فعندما نقولُ: الطفلُ جميلٌ كالبَدْر، فإنّ البدر - وهو المشبَّه به - معروفٌ
ببهائه، وهو أوضح من المشبَّه أي وجه الطفل. وقال المُشركون إننا لم نَرَ رؤوسَ
الشياطين حتّى يجوزَ التشبيه بها.
والرَّدُّ على هذا الكلام من وجهَيْن: الأوَّلُ، أن يكون معنى قوله تعالى:
﴿كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِين﴾،
أي كأنّه رؤوس حيّات، فإنّ العرب تُسمِّي بعض الحيّاتِ شيطاناً، وهو حيَّةٌ لها
عُرْفٌ قبيحُ المنظر، فقد تُسَمَّى الحيَّةُ الدقيقةُ الخفيفةُ شيطاناً وجانّاً على
التشبيه؛ والوجه الثاني، أنَّ الشيءَ إذا استُقْبِحَ شُبِّه بالشياطين فيُقالُ:
كأنه وجهُ شيطان، وكأنه رأسُ شيطان، والشيطان لا يُرى ولكنّه يُسْتَشْعَرُ أنّه
أقبحُ ما يكون من الأشياء، ولو رُئيَ لرُئيَ في أقبح صورة(1).
* من بلاغة الإمامة
كتب المنصور إلى الإمام جعفر الصادق عليه السلام: لِمَ لا تغشانا كما يغشانا سائر
الناس؟
فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في
نعمة فنهنّئك بها، ولا تراها نقمةً فنعزّيك بها!
فكتب إليه المنصور: تصحبنا لتنصحنا.
فأجابه: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك(2).
* من جذور الكلام
السَّفينةُ؛ أصلُها من "السَّفْنِ" أي "القَشْر"، من فعل سَفِنَ الشيءَ يَسْفِنُهُ
سَفْناً إذا قَشَرَهُ، فالسفينةُ، على هذا، هي "الفُلْكُ" لأنها تَسْفِنُ وجهَ
الماء أي تقشُرُه، وهي على وزن فعيلة بمعنى فاعِلة؛ وقيل: بل أُخِذَتِ السفينةُ من
"السَّفْنِ" وهو الفأسُ التي يَنْحِتُ بها النَّجارُ، فهي في هذه الحال فعيلة بمعنى
مفعولة؛ أي منحوتة. وجَمْعُ "السفينةِ": سَفائن، وسُفُن، وسَفين، قال عمرو بن كلثوم
مُفْتَخِراً بقومه:
مَلَأنا البَرَّ حتّى ضاقَ عنَّا | وظَهْرَ البحرِ نَمْلَؤُهُ سفينا(3) |
* من أجمل الردود الشعرية
كان "للبهاء السنجاري" الفقيه الشاعر صاحبٌ، وبينهما مودّة أكيدة واجتماع كثير، ثم
جرى بينهما في بعض الأيام عتاب وانقطع ذلك الصاحب عنه، فسيّر إليه يعاتبه لانقطاعه،
فكتب إليه بيتين من الشعر، وهما:
لا تزرْ مَنْ تحبُّ في كل شهر | غير يومٍ ولا تزدْهُ عليه |
فاجتلاء الهلال في الشهر يوم | ثم لا تنظر العيون إليه |
فكتب إليه البهاء من نظمه:
إذا حقَّقتَ في خلٍّ وداداً | فزرهُ ولا تخف منه مَلالاً |
وكن كالشمس تطلع كل يومٍ | ولا تكُ في زيارته هلالاً |
* من بليغ الشكاية
تظلّم رجل إلى والٍ من عامل له فقال:
"يا أمير المؤمنين، ما ترك لي فضّة إلّا فضّها، ولا ذهباً إلّا ذهب به، ولا غلّة
إلّا غلّها، ولا ضيعةً إلّا أضاعها، ولا عرضاً إلّا عرض له، ولا ماشيةً إلّا
امتشّها، ولا جليلاً إلّا أجلاه، ولا دقيقاً إلّا دقّه". فعجب من فصاحته، وقضى
حاجته.
فقد قرن بين الخيرات والنعم لديه، بلفظ شبيه لكنّه يدلّ على زوالها وإتلافها.
* مسألة لغويّة
بين المسكين والفقير؛ المسكين، على وزن مِفعيل: الذي لا شيءَ عنده يكفي عِيالَه،
والفقيرُ هو المكسورُ فقرات الظَّهْر لشدَّة حاجته، وفي المقارنة بينهما قيل: إنّ
المسكين أَسْوأُ حالاً من الفقيرِ، ويحتجُّون لتأكيد ذلك بقول الشاعر:
أمَّا الفقير الذي كانَتْ حَلُوبَتُهُ | وَفْقَ العيالِ، فَلَمْ يُتْرَكْ له سَبَدُ |
فَأَثْبَتَ أنَّ للفقيرِ
حَلُوبَةً وجعَلَها وَفْقاً لِعيالهِ، أمَّا السَّبَدُ فهو كلُّ ذي شَعْرٍ أو وَبر
كالمِعزى أو الإبِل. ولكنَّ معظمَ اللغويّين يَرَوْنَ أنَّ المسكينَ أحسنُ حالاً من
الفقيرِ، وهو الصحيح لأنَّ الفقير معناه مَنْ كُسِرَتْ فَقَراتُ ظَهْرِهِ لشدَّةِ
حاجته، والدليلُ الأوضح والأَنْصعُ على ذلك قولُ الله تعالى:
﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ
لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ (الكهف: 79) فأثبتَ - عزَّ وجلَّ - أنَّ لهم سفينةً
يعملون عليها في البحر، وهي التي خَرَقَها الخضرُ عليه السلام ليعيبَها فلا
يأخُذَها الملكُ الظالمُ غصْباً. أمَّا قولُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في
دعائه: "اللهمَّ أَحْيِني مِسكيناً وأَمِتني مِسكيناً واحْشُرْني في زمرةِ
المساكين" فقد أراد به التواضع والإخْباتَ لله تعالى، وأن لا يكونَ من
الجبَّارين المتكبِّرين(4).
* من المعاني
السِّنُّ: الأكلُ الشديد، تقولُ العرب: أصابتِ الإبلُ اليومَ سِنّاً من
الرَّعْيِ؛ أي مَشَقَتْ منه مَشْقاً صالحاً؛ والسِّنُّ: واحدُ الأسنان؛ أي
الضِّرْس، وسِنُّ الثوم: حَبَّةٌ من رأسِه، على التشبيه؛ والسِّنُّ هو الثورُ
الوحشيُّ؛ والسِّنُّ: حرفُ فَقَرَةِ الظَّهْر؛ والسِّنُّ من العمر مؤنَّثة، وكذلك
السِّنُّ بمعنى الضِّرْس؛ وفي حديث الإمام عليّ عليه السلام: "بازِلُ عامينِ
حديثُ سِنِّي"؛ أي أنِّي شابٌّ حَدَثٌ في العمرِ كبيرٌ قويٌّ في العقلِ
والعِلم(5).
* من لغة العرب
السُّكْنُ - السُّكّانُ - السَّكينةَ؛ السُّكْنُ هو القُوتُ، وفي المرويّ عن
المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: "حتّى إنّ العُنقودَ ليكون سُكْنَ أهل
الدار"؛ أي قُوتَهم من بَرَكَتِه عجل الله تعالى فرجه الشريف؛ وللسُّكَّانِ
عدَّةُ معانٍ، فنرى:
1- ما تُسَكَّنُ به السَّفينةُ، تُمنعُ به من الحركة والاضطراب.
2- سُكَّانُ البيتِ: أهلُه وساكنوه.
والسَّكينةُ: الوداعةُ والوَقارُ، وقولُه عزَّ وجلَّ:
﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ
وَبَقِيَّةٌ﴾ (البقرة: 248) معناه: في التابوت ما تَسْكُنون به إذا
أتاكم، وقيل: كان في التابوتِ ميراثُ الأنبياء وعصا موسى عليه السلام وعِمامةُ
هارون عليه السلام الصفراء؛ وفي حديث زيد بن ثابت: "كنتُ إلى جَنْبِ رسولِ الله صلى
الله عليه وآله وسلم فَغَشِيَتْهُ السَّكينةُ"؛ يريدُ ما كان يَعْرِضُ له من
السكونِ والغَيْبَة عند نزولِ الوَحْي؛ وبعدُ، ففي حديث أمير المؤمنين عليه السلام
وبناء الكعبة: "فأرسلَ اللهُ إليه السكينة"، وهي ريحٌ خَجوجٌ؛ أي سريعةُ
الممرّ(6).
1- لسان العرب، ابن منظور، مادة شطن.
2- بحار الأنوار، المجلسي، ج47، ص185.
3- م.ن، مادة سفن.
4- م.ن، مادة سكن.
5- م.ن، مادة سنن؛ رجل بازل، يعنون به كماله.
6- م.ن، مادة سكن.