تحقيق: هناء نور الدين الموسوي
لقد بات واضحاً أنّ العدوان الصهيونيّ على الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة لم يكن هدفه القضاء على برنامجها النوويّ السلميّ وقدراتها الصاروخيّة فقط، بل سعى أيضاً إلى إسقاط النظام من خلال الرهان على المعارضين له؛ بيد أنّ الرياح الإيرانيّة الواعية سارت بما لا تشتهيه السفن الصهيونيّة المعادية. نبيّن في هذا المقال بعض مواقف الشعب الإيرانيّ بمختلف أطيافه وانتماءاته الداعمة للجمهوريّة وقائدها سماحة السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه.
نقف عند شهادات حيّة من واقع المجتمع الإيرانيّ، الموالي والمعارض للنظام على حدّ سواء، تعكس الوحدة الواقعيّة، والوقفة التضامنيّة، والالتفاف حول شخصيّة السيّد علي الخامنئيّ دام ظلّه، تطالعنا يوميّاً بأشكال مختلفة ومشاهدات حيّة ومؤثّرة على مختلف وسائل الإعلام المرئيّ والمسموع ووسائل التواصل الاجتماعيّ، في دلالة على عمق الوعي والانتماء لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة.
• غير محجّبات ومعارضون مع الثورة
تصرّح سيّدة من طهران في مقابلة إعلاميّة رسميّة: «أنا لا أرتدي الحجاب بالكامل، لكنّي أؤمن أنّ السيّد القائد يمثّل رمز الوحدة والمقاومة الوطنيّة، وأنا أقف خلف خطّ الثورة بالرغم من اختلاف مظهري».
كما دعت ناشطة اجتماعيّة غير ملتزمة بالحجاب إلى دعم القيادة، قائلةً: «ليست كلّ من لا ترتدي الحجاب ضدّ الثورة. صحيح أنّ ثمّة نساء كثيرات يرفضن فرض الحجاب، ولكنّهن يؤمنّ بالثورة ودورها في الحفاظ على استقلال إيران»(1).
أمّا فروردين، وهي ناشطة اجتماعيّة مستقلّة، فقالت: «اختلافنا حول الزيّ لا يعني أنّنا ضدّ الثورة، نحن نقف مع القائد لأنّه رمز المقاومة أمام الضغوط الخارجيّة»(2).
وتقول السيّدة نرجس من مشهد: «كنت أنتقد النظام، لكنّي مع ذلك أثق به، ولا أقبل أن يُهان هذا الرجل الشريف من قِبل الإعلام الغربيّ، فهو صادق، لم ينهب البلد، ولم يهرب. نحن النساء غير المحجّبات لا نشعر أنّنا خارج خيمته، بل في عمق وجدانه».
وفي مشهد آخر، تهتف سيّدة غير ملتزمة بالحجاب خلال مظاهرة احتجاجيّة: «وقت الحرب، نرجع إلى الأصل»، في إشارة إلى أنّ الاختلاف أمر طبيعيّ، لكن وقت الحرب، يتماسك كلّ الشعب ويعود إلى هويّته وأصله.
فيما تصرّح بثقة وقوّة سيّدة أخرى من طهران عن سماحة السيّد القائد: «إنّ صموده يشعرنا بالأمان... أنا لا أمارس كلّ شعائر الدين، ولا أرتدي الشادور، لكن هذا الرجل –القائد– عندما يتكلّم، نشعر أنّنا لسنا وحدنا. إنّ صبره، وإيمانه، واحترامه للناس، يزرع فينا الطمأنينة».
السيّدة طاهرة من أصفهان تقول: «في هذه الحرب، لا يمكن أن نكون ضدّ قائدنا، السيّد الخامنئيّ لم يُقصِنا، بل خاطبنا دائماً بوصفنا جزءاً من هذا الشعب، نحن نحبّه لأنّه محترم، ويعيش لأجل الناس، لا لأجل نفسه».
وللمخرج بهروز شعيبي موقف لافت بحيث يقول: «أنا كنت من المنتقدين للنظام، بل أدليت أكثر من مرّة بمواقف ضدّ سياسات الدولة... لكن مع هذا الهجوم الصهيونيّ – الغربيّ على شخصيّة السيّد، فهمت أنّ المستهدف ليس النظام بل روح البلد... واليوم أقولها بصراحة: أقف خلف هذا القائد الحكيم بكلّ وجداني»(3).
• عندما يبين الحقّ
أحدثت هذه الحرب تحوّلاً كبيراً في العديد من الإيرانيّين الذين توضّحت لهم الكثير من الحقائق، منهم معصومة، وهي طالبة جامعيّة من طهران: «كنت أرفض فكرة أن أرتدي الحجاب، لكنّي أؤمن بالسيّد القائد وبخطّ الثورة الذي يحافظ على استقلال إيران من النفوذ الأجنبيّ. وقد ارتديت الحجاب عندما اندلعت الحرب إيماناً منّي بأهداف الثورة، فلا بدّ لي من أن أدافع عنها».
وها هو شابّ من طهران يعبّر عن أمر مهمّ للغاية بقوله: «أنا لم أكن متديّناً، ولم أشارك في أيّ نشاط ثوريّ، لكن بعد كلّ هذا الهجوم على قائدنا، شعرت أنّ الهجمة ليست على النظام فقط، بل على كرامتنا... لا يوجد من هو أكثر صدقاً ونقاءً من السيّد الخامنئيّ، وأنا مستعدّ للخروج إلى ميدان الحرب لو استدعى الأمر»(4).
• مواقف ثابتة دائماً
يصرّ الإيرانيّون على إيصال رسالة إلى الغرب مفادها أنّهم يلتفّون حول قيادتهم، ويعبّرون عن ثقتهم الكاملة بها وحبّهم لها. فقد تظاهر آلاف الإيرانيّين في طهران وتبريز وشيراز وأصفهان بعد صلاة الجمعة يوم 11 حزيران/يونيو 2025م، رافعين الأعلام الإيرانيّة وصوراً للمرشد، حرقوا خلالها أعلام أمريكا والعدوّ الإسرائيليّ، وأنشدوا: «نحن مستعدّون للموت من أجل الإمام».
وفي 20 حزيران/ يونيو 2025م، خرج الآلاف في مسيرات ضخمة في طهران وباقي المدن الكبيرة، احتجاجاً على استهداف المنشآت النوويّة الإيرانيّة، وهم يرفعون صور السيّد علي الخامنئيّ دام ظلّه، ويلوّحون بالعلم الإيرانيّ، ويردّدون عبارات باللغة الإنجليزيّة، مثل: «سأضحّي بحياتي من أجل قائدي»، و«الموت لأمريكا»، و«الموت لإسرائيل».
وخرجت مظاهرة طلابيّة في طهران في اليوم نفسه بعد صلاة الجمعة، رفع فيها الطلاب شعارات مثل: “سأُضحّي بحياتي من أجل قائدي”، وبُثّت مواقفهم على التلفزيون الرسميّ وهم يحملون صور الإمام الخامنئيّ دام ظلّه، وقد وثّقت ذلك قناة الإذاعة والتلفزيون الإيرانيّ I عليهم السلامIB ضمن نشرتها المسائيّة، كما أعادت نشره وكالة تسنيم نيوز الرسميّة في تقريرها عن ذلك الحراك الطلابيّ(5).
هذا فضلاً عن العديد من المسيرات التي كانت تجوب الشوارع للإعلان عن الوقوف إلى جانب القائد والثورة، يرفع فيها الكبار والأطفال صور القائد، ويلوّحون بالأعلام، ويكرّرون هتافات مثل: “الموت لأمريكا”.
تقول والدة شهيد في الأهواز: «نحن ضحّينا بولدنا في سبيل ولاية الفقيه، ولو كان لي عشرة أبناء لأرسلتهم جميعاً لنصرة القائد... نحن لا نساوم على حبّنا لهذا السيّد النقيّ»(6).
ولحارس حدود من سراوان موقف مهمّ أيضاً، فيقول: «أنا أعمل حارساً عند الحدود منذ عشر سنوات، ولم أرَ خلال تلك الفترة قائداً يهتمّ بجنوده مثل السيّد الخامنئيّ، إذ إنّه يتّصل بنا في أيّام العيد، ويرسل لنا كلّ ما نحتاجه، ويدعو لنا. نحن نحبّه لأنّنا رأيناه صادقاً بأفعاله قبل كلامه»(7).
• الاصطفاف الشعبيّ روحيّة الإيرانيّين
تُجسّد هذه المشاهدات مجتمعةً حالةً من التماهي العاطفيّ والعقائديّ مع شخصيّة السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه، ليس بوصفه قائداً سياسيّاً فحسب، بل بوصفه امتداداً للقيادة الدينيّة الإلهيّة في فكر ولاية الفقيه. وهو ما يُفسّر ثبات الشعب في وجه العقوبات والضغوط، وانصهاره ضمن مشروع مقاوم يربط بين الإيمان والسيادة والكرامة. وعليه، فإنّ قراءة هذا الاصطفاف لا يمكن اختزالها بردّ فعل مؤقّت، بل هي ظاهرة تربويّة وسياسيّة عميقة، نابعة من عقيدة جمعيّة تحوّلت إلى وعي جماهيريّ وإرادة صلبة في الميدان.
ولهذا الاصطفاف أسباب عدّة، منها:
1. البُعد السياسيّ الذي ينبع من عمق تجربة الثورة الإسلاميّة منذ العام 1979م، حيث برزت شخصيّة الإمام الخمينيّ قدس سره بوصفه نموذجاً قياديّاً جامعاً، استطاع أن يوحّد شرائح المجتمع المتعدّدة، وأسّس نظام الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة في إيران.
2. شكّلت ولاية الفقيه خطّاً قرآنيّاً يضمن حقوق الناس ويحفظ كيان الأمّة من التمزّق، «بحيث يرتبط الشعب بقوّةٍ وإيمان عميقَين بهذا النهج الذي يربط الدين بالسياسة بشكل يضمن العدالة الاجتماعيّة والدفاع عن القيم الإسلاميّة والإنسانيّة في آن واحد»(8). كما أكّد الإمام الخمينيّ قدس سره أهميّة ولاية الفقيه في قيادة الأمّة، وهذا ما جعل الشعب يلتفّ حول المرشد بوصفه رمزاً للوحدة والقيادة الشرعيّة»(9).
3. تاريخيّاً، لقد مرّت إيران بفترات طويلة من التحدّيات السياسيّة والاقتصاديّة، بدءاً من الاحتلال الأجنبيّ، وصولاً إلى الحروب الإقليميّة، «الأمر الذي عمّق الإحساس بالحاجة إلى قيادة وطنيّة جامعة؛ فكانت الجمهوريّة الإسلاميّة هي قِبلة الأحرار الذين يبحثون عن استقلال وسيادة حقيقيّين بعيداً عن النفوذ الأجنبيّ، وهو ما يعزّز من ثقة الناس بقيادة السيّد القائد»(10).
4. إنّ التراث السياسيّ والتاريخيّ لإيران قبل الثورة وبعدها، يعكس مدى تأثير شخصيّة القائد الأعلى في الأمّة، «إذ إنّ صمود الجمهوريّة الإسلاميّة بقيادة الإمام الخمينيّ قدس سره كان بمثابة نقطة تحوّل عميقة أدّت إلى إعادة تعريف الهويّة الوطنيّة والسياسيّة. واليوم، يواصل السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظلّه هذه المسيرة عبر المحافظة على هذه الهويّة ومواجهة التحدّيات الجديدة»(11). ونقرأ ذلك من خلال الخطابات السياسيّة المستمرّة، ومواقف الجمهوريّة الإسلاميّة الثابتة التي تركّز على الدفاع عن كرامة الشعب الإيرانيّ، والوقوف ضدّ الاستكبار العالميّ لتعزيز هذا الشعور الوطنيّ العميق.
1. تقرير قناة إيرانيّة محلّية – حزيران/ يونيو 2025م.
2. مقابلة مع وكالة “إيرنا” (2025م).
3. تصريح للمخرج بهروز شعيبي في مقابلة مع صحيفة “إيران”، العدد 5802، أيّار/ مايو 2024م.
4. مقابلة مباشرة من تقرير ميدانيّ لوكالة تسنيم الدوليّة، حزيران/ نيسان 2025م.
5. (Tasnim News –20-06-2025).
6. لقاء مصوّر على قناة العهد الإيرانيّة، 16- حزيران- 2025م.
7. رسالة صوتيّة بُثّت في برنامج «صوت الوطن» – إذاعة الجمهوريّة الإسلاميّة، 17 نيسان/ أبريل 2024م.
8. ولاية الفقيه والتجربة الإيرانيّة: مركز الدراسات السياسيّة، ص 122.
9. الإمام الخمينيّ قدس سره، خطبة الجمعة، طهران، 12 جمادى الآخرة 1407 هـ.ق (1987م).
10. إيران من الداخل: الثورة والدولة والمجتمع، حسن إبراهيم، ص 229.
11. دراسة تاريخيّة، «الثورة الإسلاميّة وهويّتها الوطنيّة»، د. أحمد زاده، جامعة طهران، 2021م.