السيّد عبّاس عليّ الموسويّ
بعد هزيمة جيوش السفيانيّ التي وجّهها إلى المدينة والعراق على يدَي الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، يتوجّه الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى الكوفة «فيطيل فيها المكث ما شاء الله أن يمكث حتّى يظهر عليها»(1). ولعلّ هذه الإطالة في مدّة البقاء فيها هي من أجل تطهيرها من الجيوب المتبقّية من الأعداء والخوارج والبتريّة وغيرهم، ومن أجل تثبيت الأمن وإرساء قواعد الدولة.
• التقاء المُعسكرَين
بعد استقرار الوضع في الكوفة، يتحرّك الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف بجيشه قاصداً السفيانيّ فيدخل «مرج عذراء»، وهي بلدة فيها قبر الشهيد حجر بن عدي الكنديّ الذي قتله معاوية بن أبي سفيان لولائه للإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام ووفائه له.
أمّا السفيانيّ، فيكون بوادي الرملة في فلسطين، فيكمل الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف مسيرته حتّى إذا التقى الجمعان - جمع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وجمع السفيانيّ - هنا، تختلط الأوراق ويُفصل بين أصحاب الإيمان الصادقين في إيمانهم وبين المنافقين، ويحصل الفرز الحقيقيّ والنهائيّ لأصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف من جهة ولأصحاب السفيانيّ من جهة أخرى. إنّه اللقاء الأخير في تمييز الصالحين من الخبيثين. لذا، سيخرج أناس كانوا مع الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ويلتحقون بالسفيانيّ، وآخرون كانوا مع السفيانيّ ويلتحقون بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف، ويسمّى هذا اليوم «يوم الإبدال»، لتبدّل الأشخاص والمواقع، فيحسم هؤلاء أمرهم، وينضوي كلّ قوم تحت راية لها معالمها وقائدها وغاياتها وأهدافها.
وتدور المعركة بين المعسكرَين: معسكر الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ومعسكر السفيانيّ، ولا تنتهي إلّا بالقضاء على السفيانيّ ومن معه حتّى لا ينجو منهم مخبر(2).
• الفتوحات الكبرى
تغيب تفاصيل الفتوحات الكبرى في مصادرنا كما تغيب في مصادر العامّة، ولعلّه لأسرار وحكم مخفيّة عنّا، وإن كنّا نحتمل اختفاءها لظروف مرّت فيها الأمّة، فصعب على الرواة نقلها، أو لعدم اهتمامهم بها، أو لأنّ الكشف عنها بالتفصيل يضرّ بحركة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وخططه والخريطة العسكريّة التي ينتهجها ويسير وفقها. على كلّ حال، فمع ذلك كلّه، لم تخل الأحاديث والروايات من دلالات وعناوين عريضة تشير إلى أنّ فتوحات كبرى ستحصل بيسر وسهولة، حيث تُهيّأ للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كلّ سبل الانتصار، سواء كانت ماديّة أم معنويّة.
في الحديث عن أبي جعفر (الباقر) عليه السلام: «إذا قام القائم... إلى قوله: ويفتتح قسطنطينيّة والصين وجبال الديلم...»(3). وأيضاً عنه عليه السلام قال: «ثمّ يعقد بها القائم ثلاث رايات: لواء إلى القسطنطينيّة يفتح الله له، ولواء إلى الصين فيفتح له، ولواء إلى جبال الديلم فيفتح له»(4). وعنه عليه السلام قال: «ويبعث جنداً إلى القسطنطينيّة، فإذا نظر إليهم الروم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء، فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون»(5) . وعنه عليه السلام قال: «والله، لكأنّي أنظر إليه -إلى القائم- وإلى أصحابه يقتسمون الدنانير على الجحفة، ثمّ تسلم الروم على يده، فيبني فيهم مسجداً ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه ثمّ ينصرف»(6).
والمراد بقوله «مسجداً»، جنس المسجد، ويكون ذلك بحسب الحاجة في المناطق المفتوحة.
• دعوة عالميّة
هذه الخريطة التي رسمتها الأحاديث، يمكن أن تشير إلى بلدان العالم كلّها؛ فإذا فُتحت بلاد الروم -وهي إشارة إلى كلّ بلاد النصارى المسيحيّين- كما أنّ الصين إشارة إلى كلّ البلاد التي لا تدين بدين، وأيضاً بلاد الديلم التي يمكن أن تشير إلى البلاد الروسيّة ومنظومتها من البلدان التي تدور في فلكها، فإذا فُتحت هذه البلاد نتيجة ما يرون من آيات يمتلكها الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ومَن يوجّهه من قادته إلى فتحها، أو نتيجة لقناعة تلك الشعوب، كما جاء في الحديث المذكور سابقاً: «وتسلم الروم على يده -يد الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف- فيبني فيهم مسجداً ويستخلف عليهم رجلاً من أصحابه ثمّ ينصرف».
كما أنّنا نلمح من خلال قوله: «وتسلم الروم على يده»، أنّ المسيحيّين يستجيبون لدعوته، إمّا مباشرة أو بوساطة المسيح عليه السلام الذي ادّخره الله في السماء حتّى إذا خرج الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف أنزله الله، فكان المساعد له في حمل الدعوة إليه تعالى، وكان له الدور المهمّ في أسلمة أمّته، خصوصاً عندما يرون نبيّهم -المخلّص- قد آمن بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف واتّبعه وصلّى خلفه، وهو يدعوهم إلى الإيمان به وبما يدعوهم إليه. وإنّ استجابتهم ستكون سريعة وسهلة وبدون كثير عناء أو قتل أو قتال.
ثمّ بطبيعة الحال، إذا آمنت هذه الدول ودخلت الإسلام، كان دخول غيرها من دول العالم الصغرى أيسر وأسهل، حيث تحصل لها القناعة بصحّة ما يدعو إليه الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.
1. بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 52، ص 224.
2. المصدر نفسه. ج52، ص224.
3. المصدر نفسه، ج 52، ص 339.
4. المصدر نفسه، ج 52، ص 388.
5. المصدر نفسه، ج 52، ص 365.
6. المصدر نفسه، ج 52، ص 389.