مع الإمام الخامنئي | الحوزويّون روّاد قضايا الأمّة(2)* ظهور الإمام المهديّ والملحمة الأخيرة فقه الولي | من أحكام الغشّ في المعاملات أخلاقنا | لا تظنّوا بالآخرين سوءاً* الشهيد على طريق القدس مهدي زهير مرعي (عبّاس) الشعب الإيرانيّ: كلّنا مع الوليّ تسابيح جراح | نورٌ من بعد الألم عيتا الشّعب: تلالٌ لم تنحنِ الأكزيما: الأسباب والعلاج وصاياه الأخيرة في عاشوراء (2): انصـروا الحــقّ*

فقه الولي | من أحكام الغشّ في المعاملات

الشّيخ علي معروف حجازي


الغشّ نوع من أنواع الخيانة؛ لأنّه إخفاء للواقع، وإظهار لخلافه بحيث لا ينطبق عليه. ويتحقّق بإخفاء العيب أو تزيينه، فلا يتعرَّف عليه الطّرف الآخر. وممّا يؤسف له تفشّي ظاهرة الغشّ والخداع في عدد كبير من الأسواق والأشياء، إذ لا تكاد سلعة أو بضاعة تسلم من تلاعب الغشّاشين وتدليسهم. نتحدّث المقالة عن بعض مصاديق الغشّ والأحكام الّتي تترتّب على هذا العمل.

• الإعمار
يجب على من يساهم في إعمار البيوت ونحوها أن يعمل بما طلبه الزّبون تماماً، من نوعيّة البضائع وجودة العمل ونحو ذلك. فلا يجوز التّبديل والغشّ والخداع؛ فلو أنّ العامل أو المقاول أو المهندس،... أخلّ بما طلبه الزّبون، فيجب عليه أن يضمن له ما أخلّ به، ولا يستحقّ الأجرة على عمله.

• غشّ بعض المصانع
بعض المصانع يقوم بترکیب الأجهزة وتجميعها من قطع من مصانع عدیدة، ثمّ يعرضها للبیع في السوق على أنّها من صناعة إحدی الدول الأجنبیّة المعروفة.
فلو استطاع المشتري تمييز هذه القطع المذکورة ومعرفة ما إذا كانت محلّیّة أم أجنبیّة، لم ینطبق علی تجمیعها وترکیبها عنوان الغشّ والتدلیس، ولکنّ الإعلان والإخبار بشأنها خلافاً للواقع کذب وحرام.
ولو وقع البیع علی السّلع المذکورة بوصف مخالف للواقع فالمعاملة صحیحة، لکنّ المشتري لو اطّلع بعد ذلك علی واقع الأمر کان له خیار الفسخ؛ فيجوز له أن يبطل المعاملة، ويستردّ ما دفعه من مال، أو أن يطالب بتفاوت القيمة.

• إصلاح السّيّارات والآليّات
أ. لو أنّ شخصاً طلب من (ميكانيكيّ) أن يصلح سيّارته مثلاً، وطالبه بقطع أصليّة، أو من دولة معيّنة، أو من مصنع معيّن،...، فلا يجوز للـ(ميكانيكيّ) وضع قطع غير أصليّة، أو من بلد غير البلد أو المصنع المعيّنين، كما يجب أن يكون إصلاح السيّارة حسب ما يقتضيه الأمر واقعاً، فلا يجوز الخداع والكذب والتّزوير، ولو فعل ذلك، فيجب ضمان ما فعله لمن خدعهم.
ب. بعض الإخوة یعملون في مجال إصلاح السّیّارات، فیأتي إلیهم تجّار السّیّارات ویطلبون منهم إصلاح سیّاراتهم بشکل غیر متقن؛ وذلک لیقلّلوا من تكلفة إصلاحها، زعماً منهم کفایة ظاهرها الجیّد لعرضها للبيع علی المشتري. هذا العمل لا یجوز إذا کان ممّا یؤدّي إلی التّدلیس، وکان العامل علی علم بأنّ هذا العيب ممّا یخفیه صاحب السّیّارة عن المشتري.

• شراء سيّارة أو غيرها للآخرين
من المتعارف أنّ شخصاً قد یکلّف آخر بشراء سیّارة أو أيّ شيء آخر له، فیشتریها له ‐ مثلاً‐ بملیون لیرة، ثمّ یقول له: إنّ السّیّارة بملیون ومئة ألف، ویرید من الزّیادة التّعويض عن عملیّة البحث والجهد المبذول في معاملة الشّراء.
لو کان المشتري وکیلاً من الآخر في شراء السّیّارة له، کان الشّراء بما دفعه من ثمن الشّراء للموکِّل، ولیس للوكيل المطالبة بأزید منه. نعم، يجوز له المطالبة بأجرة مثل الوکالة.
وأمّا لو اشتری السّیّارة بماله لنفسه، ثمّ أراد بیعها ممّن أوصاه بذلك، فيجوز له أن یبیعها منه بما یتوافقان علیه من الثّمن، ولا یجوز له الکذب فی الإخبار بثمن الشّراء، ولکن لا یؤثّر الکذب في صحّة بیعه وعدم بطلانه.

• تغيير الشّكل الخارجيّ للسّلعة
يقوم بعض التّجّار عند عرض سيّارته أو درّاجته النّاريّة أو نحوهما للبيع بتلميع الأماكن المتضرّرة أو صبغها. فإذا كان التّاجر يغطّي بالعمل المذكور عيباً عن المشتري، فمع أنّه قد ارتكب حراماً إلّا أنّ أصل المعاملة المذكورة صحيح، ولكن إذا التفت المشتري بعد المعاملة إلى وجود العيب، جاز له فسخ المعاملة أو المطالبة بتفاوت القيمة.

• تسويق البضائع
يجوز العمل في تسويق البضائع، ولكن لا يجوز الغشّ، ولا إجبار المشتري على شراء ما لا يريده.

• الغشّ في اللّحوم
أ. لو أنّ شخصاً طلب لحماً بدون دهن، فلا يجوز وضع الدّهن مع اللّحم وبيعه له. وإذا طلب نوعاً خاصّاً من اللّحم، فلا يجوز خلطه بنوع آخر.
ب. بعض التّجّار يُدخل الماء في الفرّوج أو اللّحم الأحمر أو نحوهما ليزداد وزنه، وهذا حرام، والمال مقابل الوزن الزّائد حرام لا يجوز التّصرّف فيه.
ج. بعض محلّات بيع اللّحوم يبيع لحوم الخيل والحمير، وربّما البغال، وهي تخفي حقيقة نوع الحيوان المذبوح؛ وهذا غشّ وحرام ولا يجوز، لأنّ الشاري يبني على أنّ اللّحم هو لحم بقر مثلاً.
صحيح أنّ الخيول والحمير والبغال إذا زُكّيت يحلّ أكلها على كراهة، ولكن هذا ليس مبرّراً للغشّ، ويبقى حراماً. فمن يريد بيع هذه اللّحوم، فعليه أن يبيّن للنّاس حقيقة نوعها.
د. لا يجوز إخفاء غير المطلوب في مثل النّقانق أو السّجق أو (الإسكالوب) و(الكريسبي) و(النّاغتس) ونحوها.

• الغشّ في الحليب
إذا طلب الزّبون حليباً طازجاً ومن غير البودرة، فلا يجوز إعطاؤه من غير الطّازج ومن البودرة.

• بيع الخضروات
إنّ لبيع الخضروات (الحشائش) المخلوطة بالطّين أو الّتي تنضح بالماء لتبقى طريّة إشكال، إلّا إذا كانت البضاعة معروضة أمام المشتري بشكل واضح بحيث لا يعدّ ذلك خداعاً، فلا إشكال في ذلك، أمّا في غير ذلك، فيحقّ للزّبون فسخ المعاملة.

• الغشّ والکذب والخداع مع غیر المسلمین
لا یجوز بأيّ حال الکذب والخداع والغشّ في المعاملات، حتّی وإن کان الطّرف الآخر غیر مسلم.
إذا كان الغشّ خيانةً للثّقة، وانحرافاً عن الصّدق الّذي هو أساس الإيمان، فهل يُعقل أن نبني علاقاتنا وتعاملاتنا على الكذب والخداع، ونعرّض ضمائرنا ومجتمعنا للفساد والانحلال؟!
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع