مع الإمام الخامنئي | الحوزويّون روّاد قضايا الأمّة(2)* ظهور الإمام المهديّ والملحمة الأخيرة فقه الولي | من أحكام الغشّ في المعاملات أخلاقنا | لا تظنّوا بالآخرين سوءاً* الشهيد على طريق القدس مهدي زهير مرعي (عبّاس) الشعب الإيرانيّ: كلّنا مع الوليّ تسابيح جراح | نورٌ من بعد الألم عيتا الشّعب: تلالٌ لم تنحنِ الأكزيما: الأسباب والعلاج وصاياه الأخيرة في عاشوراء (2): انصـروا الحــقّ*

تسابيح جراح | نورٌ من بعد الألم

حنان الموسوي


بعد معاناة أسبوعٍ كاملٍ من الآلام والصداع، نتيجة خضوعي لجراحة لدى طبيب الأسنان، كان يوماً توسّمت فيه الراحة، حيث اجتمعت وعائلتي لتناول الطعام. باستهجانٍ كبيرٍ حمل ولدي أحمد «البايجر» ووافاني به سريعاً. صوته الغريب دفعني لأخال أنّ مدّخرته فرغت وتحتاج إلى الشحن، فطلبت منه وصله بالشاحن، بينما مددت ذراعي لأعطيه الجهاز من دون الضغط على أيٍّ من أزراره، فدوّى انفجارٌ ضخم!

• نحو المجهول
حالَ الدخان دون معرفة ما حدث مباشرةً، لكنّ شظايا من الجهاز استقرّت في صدر ولدي، وأخرى سكنت مقدّمة رأسي وجرّدتني من الرؤية، وشعرت بلزوجة الدم وطراوته تسيل على وجهي ومن يدي. وقد أحدثت موجة الانفجار القويّة أضراراً في السقف المستعار وفي أرض الغرفة. احتجت بعض الثواني لاستيعاب ما حصل، فأدركت أنّ «البايجر» انفجر. وضعت يديّ على عينيّ، شعورٌ عجيبٌ اجتاحني بعد أن اتّجهتا بخفّةٍ نحو المجهول من دون ألم.
زحفت نحو الممرّ ساحباً خلفي سيلاً من الدماء، استوقفتني زوجتي التي ظنّت أنّ الصوت نتج عن انفجار إطار شاحنةٍ عابرة، رأتني مضرّجاً بدمي وتماسكت. نداء «يا الله» الذي صدح من أعماقها، زرع فيّ القوة لأواصل زحفي نحو السلالم، ولأتمكّن من توجيه عائلتي لما عليهم القيام به. هدّأت من روعي رباطة جأش ولدي المصاب، تناسى جرحه وهرع ينادي جارنا ليعينه على حملي ونقلي إلى المستشفى. على الرغم من غزارة النزف، إلّا أنّي حافظت على وعيي، عانقت الأمل وكان جلّ اهتمامي إبلاغ باقي الإخوة بضرورة الانتباه من أجهزتهم.

• صلاةُ المحبّة
غادرت مستشفى رياق إلى آخر، ومنها إلى مستشفى الخوري في زحلة، وهناك تمّ إسعافي. بعد ساعاتٍ خضعت خلالها لجراحاتٍ للعينين واليدين، استيقظت لأجد جلّ أقاربي قربي. كنت الحالة الوحيدة من جرحى «البايجر» في المستشفى، فحظيت باهتمامٍ خاصّ من الكادر التمريضيّ، حتّى أنّي سمعت الإخوة المسيحيّين يصلّون لأجل نجاتي.

• مهارةٌ وتعاطٍ إنسانيّ
حُكم على يدي بالبتر، ولكنّ الطبيب تعمّد إعطاءها فرصة للبقاء، وقد نجح بتميّزٍ، جزاه الله خيراً. أمّا عن طبيب العيون «حيّان»، فقد استأصل كلّ الشظايا والشوائب من عينيّ، حتّى غدت كمرآةٍ تعكس تفانيه في عمله، ما ساعد لاحقاً في إنقاذ نظر عيني اليمنى. نُقلت إلى غرفة الاستشفاء والضماد يلفّ معظم جسدي. عانيت بعض الأوجاع في أطرافي، لكنّ المسكنات تكفّلت براحتي. زيارة الأهل والأحبّة كانت تنعش روحي، عرفتهم جميعاً من أصواتهم. كنت أحدّثهم على الرغم من الجروح الحيّة في وجهي، وآنس بوجودهم. 

• نفحة الحبّ
بنفحة حبٍّ إلهيّة تيسّر أمر نقلي إلى إيران في وقتٍ كان الأمر شبه مستحيلٍ. يقيني بأنّ لزيارة عاشوراء التي تردّدها زوجتي وتحفظها عن ظهر قلب سرّ في ذاك التيسير أيضاً، بخاصّة أنّها كانت من رافقني وشريكتي في رحلة الجهاد الجديدة.
عند وصولنا إلى إيران، كان الحاجّ قاآني بفيض تواضعه يستقبل الجرحى في المطار. نُقلنا مباشرةً إلى المستشفى، وبعد ثلاثة أيّام خضعت لجراحةٍ لعينَيّ. لطف خفي كان يظلّلني، ولا أخاله سوى الإمام الرضا عليه السلام بعد أن ناجيته بحرقة، فشعرت بيدٍ تلامس رأسي وتربّت عليه لمرّاتٍ ثلاث متتالية، انتشلَت كلّ شعور الضيق والأسى اللّذَيْنِ كنت أعيشهما، وحلَّت مكانهما طمأنينةٌ مشهودة.
ما بين لبنان وإيران خضعت لجراحاتٍ عشر للعينين واليد، بصرت على إثرها نوراً باهتاً يملؤه الغباش في عيني اليمنى، استقرّت صورة حجاب زوجتي الملوّن فيها، وأضاءت ابتسامتها حياتي مجدّداً.

• إشارة القبول
كلّما آلمتني جراحي كانت تصحبني إلى جنّة الله في أرضه، وتطوف روحي بين الحرمين، فتارةً أبكي أبا الفضل عليه السلام، وتارة أرثي الإمام الحسين عليه السلام، تلك الدندنة الخجولة رسمت على شفةِ السؤال مذاق عشق الرثاء: متى سأبدأ؟ فقد ناجيت الإمام الشهيد عليه السلام ليعينني على قراءة مجالس العزاء، وطلبت منه إشارة القبول. قبل الإصابة، وصلتني إشارة بسيطة، لكنّي انتظرت انبلاج إشارة أوضح، حصلت عليها بعد انتقالي من المستشفى إلى الفندق. ربطت علاقة ودٍّ بين والدة أحد الجرحى وزوجتي، وخلال زيارةٍ للاطمئنان على حال ولدها، ردّدنا زيارة عاشوراء، واقترحت عليها أن أقرأ مجلس عزاء الإمام الحسين عليه السلام. ردّ فعلها غير المتوقّع أذهلني، تكبيرها المتكرّر صاحبته قصّة، فقد أضناها البحث عمّن يقرأ لها العزاء لتفي بنذرها لكن من دون جدوى، واعتبَرت أنّ الإمام الحسين عليه السلام قد ساقني إليها، فتجلّى التوفيق بقضاء حاجتَينا معاً.

• قد استخلصتهم لنفسي
مكثنا في إيران ثمانين يوماً، عدنا بعدها إلى لبنان عبر مطار بيروت. ما رأينا إلّا جميلاً كما في كربلاء يوم العاشر، فنحن لم نمنح ما يليق بما قدّمه أهل البيت عليهم السلام، وعلينا أن نتفكّر بالإنجاز المرتبط بالله. جهادنا الحاليّ هو جهاد النفس، أنظر بفخرٍ لما يقدّمه الجرحى من جهاد التبيين عبر كتابة الشعر أو إلقاء محاضراتٍ مهمّة. أشارك في دورات التجويد القرآنيّ، كذلك أجهّز نفسي لقراءة العزاء بالرّغم من أذى عيني، وأتابع علاجها في أحد المستشفيات، كما أستخدم ما تبقّى من يدي للكتابة، وأتلقّى العلاج الفيزيائيّ والانشغاليّ لتقويتها، وأستعين بهاتفي لسهولة القراءة والكتابة.

• الثقة بالولاية
علينا التمسّك بولاية الفقيه، فطالما أنّ السيّد القائد دام ظلّه المسدّد من الله تعالى موجود؛ ستكون الأمور منتظمة ومضبوطة. ثقتنا لا تعرف الحدود بقيادة المقاومة، فلديها من الحكمة ما يضمن استمرار هذه المسيرة، وما يثلج الصدور الحرّى عقب استشهاد السيّد الأقدس سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، إنّ ثمّة يداً خفيّة تسدّد هذا الخطّ، وتحمي الشباب الخُلّص، وهم كثر حفظهم الله.
أدعو الله أن يحفظ أميننا العام سماحة الشيخ نعيم قاسم ويسدّده، وأن يعينه على حمل هذه المسؤوليّة، وما ينزل السكينة أنّ قوّة حزب الله الممتدّة من الله، موجودة ولن تزول أو تضمحل مهما حدث.

اسم الجريح الجهاديّ: سامر نجم.
تاريخ الولادة: 10-2-1982م.
تاريخ الإصابة: 18-9-2024م.
نوع الإصابة: فقدان العين اليسرى مع بتر أصابع.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع