تحقيق: نانسي عمر
تُعدّ المقامات الدينية من أهمّ مراكز السياحة حول العالم، خاصّة بعد نهضة وسائل التواصل وإعادة إحياء التاريخ الإسلاميّ، من خلال وسائل الإعلام، حيث لعبت وسائل التواصل الاجتماعيّ مؤخراً دوراً كبيراً في إبراز الشخصيّات والرموز والأماكن الدينيّة حول العالم، فأعادت لها موقعيّتها وأثرها في قلوب محبّي الإسلام وتابعي أهل البيت عليهم السلام.
*أرضٌ بورك فيها
ويشكّل لبنان جزءاً من الأرض التي بارك الله تعالى فيها بقوله في القرآن الكريم: ﴿الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ (الإسراء: 1). فهذه الأرض التي بورك فيها كَرُمت بوجود عدد كبير من مقامات الأنبياء والأولياء والعلماء، الذين دفنوا فيها أو كان لهم فيها مكوث لمدّة زمنيّة محدّدة، وهو ما أشار إليه بعض الروايات والأحاديث والكتب التاريخيّة والصور القديمة التي عُثر عليها مؤخّراً.
هذه المقامات يُعاد اليوم تأهيل وترميم ما تهدَّم منها أو أُهمل بفعل مرور الزمن، لتعود مزارات يتبرّك بكراماتها الناس من لبنان والعالم.
وكما للآثار الحضاريّة التاريخيّة مَن يهتمّ بالحفاظ عليها والترويج لها، كان للآثار الدينيّة جمعيّة هي "جمعيّة قبس" عملت منذ انطلاقتها (عام 2011) على التحقيق في هذه الآثار، والحفاظ عليها وإعادة تأهيلها للزوار. والهدف من ذلك الحفاظ على تلك الآثار، من مقامات أنبياء، وأولياء صالحين، وعلماء، وحوزات دينيّة ومساجد قديمة، تنتشر على مختلف الأراضي اللبنانيّة.
*التعريف بأصحاب المقامات
الهدف الأساسيّ للجمعيّة بحسب الحاج علي زريق (مدير الجمعيّة) هو التعريف بأصحاب المقامات وتاريخهم والمسارات التاريخيّة لبناء كلّ منها، لما لذلك من أثر إيجابيّ في نفوس الناس، ما يؤسّس لربط الناس بتاريخهم وزيادة تعلّقهم بأنبيائهم وأوليائهم وعلمائهم الذين دافعوا عن دينهم ليبقى خالداً حتّى يومنا هذا.
وتتلخّص أهداف الجمعيّة في المحافظة على الآثار العمرانيّة والتراث التاريخيّ للأنبياء، والأوصياء، وأعلام الشيعة الاثني عشرية في لبنان، وذلك في مختلف الميادين الماديّة والمعنويّة والمعرفيّة من خلال:
1- القيام بالأبحاث والتحقيقات التاريخيّة.
2- تشجيع السياحة الدينيّة والثقافيّة والترويج لها.
3- إصدار المنشورات المكتوبة والرقميّة للتعريف بالأماكن والمقامات الدينية، بما يعزّز الارتباط بين الحاضر والماضي، والاستفادة منه؛ ورفد المحفوظات الوطنيّة والمكتبات العامة بهذه المنشورات.
ويضيف زريق: جرى في الجمعيّة إحصاء أربعمئة مقام، ومسجد، وحوزة أثريّة موزعة على مناطق لبنانيّة عدّة. وتمّ التركيز، في البداية، على مقامين في الجنوب هما مقاما "شمعون الصفا" في بلدة شمع و"بنيامين" في بلدة محيبيب، ومقامين في البقاع هما مقاما "النبي أيلا" و"النبي شيث"، بالإضافة إلى مقام "السيدة خولة" عليها السلام في بعلبك.
*طريقة التحقيق
أما عن طريقة التحقيق في تاريخ المقام والتأكّد من صدقيّة كونه مقاماً، فيشير زريق إلى أنّ الجمعيّة تلجأ إلى الكتب والروايات والمخطوطات، إضافة إلى الدلائل والآثار التي توجد في المكان. وكذلك يجري التعاون مع فعاليّات المناطق والاستفادة من روايات كبار السنّ وما يحتفظون به من صور قديمة ومخطوطات وما شابه ذلك.
وهنا يشير زريق إلى دور لجان الأوقاف وفعاليّات القرى والمناطق التي يجري العمل فيها، في مساعدة الجمعيّة على بناء وتجهيز وتأهيل هذه المقامات لتصبح مؤهّلة لاستقبال الزوار، الذين يتوافدون من لبنان وسوريا والعراق والبحرين واليمن ودول الخليج وباكستان وإيران وغيرها من الدول الإسلاميّة. وتقوم جمعيّة قبس بحملات إعلاميّة متنوّعة على مختلف الأراضي اللبنانية. ويضيف: من خلال حملتنا الإعلاميّة وجدنا تفاعلاً كبيراً وجدياً من الناس، والعديد منهم قدّم يد المساعدة في الدعم والبناء والترميم والتجهيز، وهذا يترك جواً إيجابيّاً من التفاعل والتعاون، ويربط أهالي القرى بالمقامات الموجودة في بلداتهم، ويشجّع الناس على زيارتها.
*مقامات لها كرامات
ويشمل عمل الجمعيّة أيضاً الحوزات القديمة والمساجد والحسينيّات الأثرية التي أسّسها علماء أجلّاء منذ مئات السنين، ولا تزال موجودة في بعض القرى والبلدات الجنوبيّة والبقاعيّة، كمجدل سلم وجزين ويونين وجويّا وسواها. وكذلك جرى إحصاء أكثر من مقام لعلماء مجاهدين منهم السيد يوسف شرف الدين والسيد الأمين وغيرهما من العلماء الذين تركوا أثراً كبيراً في نفوس الناس في مختلف المناطق والبلدات. إضافة إلى ذلك، حقّقت الجمعية في عدد من مقامات السيدات الصالحات، وعلى رأسهنّ فتيات كنّ في ركب الإمام الحسين عليه السلام في موكب السبايا الذي مرّ من لبنان، يذكر منها مقام البطحاء في سرعين الفوقا ومقام السيدة صفيّة عليها السلام في بلدة حوش تلّ صفية في البقاع. هذه المقامات موجودة منذ القدم في تلك البلدات ولها زوّار يؤمنون بكرامات أصحابها ويتبرّكون بزيارتها دوماً.
*إنجازات وخدمات
ويشير زريق إلى أنّ الجمعيّة تعمل اليوم على ربط المعالم الدينيّة بالمعالم الجهاديّة، كمعتقل الخيام ومعلَم مليتا الجهاديّ، وذلك بهدف ربط الجهاد بالدين، الذي هو في الأصل جزء أساسيّ منه.
أمّا آخر إنجازات الجمعيّة فهو استحداث تطبيق على الإنترنت يدلّ الزائر إلى أماكن وجود المقام الذي يرغب بزيارته، إضافة إلى إنشاء موقع إلكترونيّ خاصّ بالجمعية(1) وصفحة على الـ"واتس أب" لتسهيل التواصل مع الجمعيّة والاستفادة من خدماتها.
من جهة أخرى يؤكّد زريق أنّ الجمعيّة تعمل على وضع كل الآثار الدينية على خارطة السياحة اللبنانية لتصبح مواقع رسميّة مسجلة لدى الدولة اللبنانية.
وفي الختام يشدّد الحاج علي زريق على أهمية تعاون الناس مع الجمعية، وذلك من خلال تقديم أيّ معلومة أو مخطوطة أو شجرة عائلة أو صورة قديمة لمقام أو مسجد، لأنّ كلّ ذلك يفيد في التحقّق من تاريخها والحفاظ على التاريخ الإسلاميّ الأصيل، من خلال الحفاظ على آثاره الدينية الملموسة.
1.موقع جمعية قبس لحفظ الآثار الدينية في لبنان: www.qabas.org.lb