مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الله الله في النظام العام(*)

سماحة السيد حسن نصر الله (حفظه الله)

خلق الله تعالى هذا الكون وحفظه على أساس نظامٍ تكويني دقيقٍ. فالعلماء يتحدّثون عن أمور مدهشة جداً فيما يتصل بدقّة، وعظمة، وروعة التنظيم فيه. والله سبحانه وتعالى، وعلى لسان أنبيائه الكرام صلوات الله عليهم، وفي كتبهم المقدسة، وفي القرآن الكريم دعانا للتفكر في هذا الكون، وفي الخلق، ومنه خلق الإنسان، لنكتشف من خلال هذا المشهد الكوني عظمة الخالق، الذي جعل لكلّ شيء نظماً وقوانين ثابتة في كل زمان ومكان.

*وجوب نظم الأمر
ولكن الله تعالى، ترك هامشاً لاختيار الإنسان وإرادته، ولعقل الإنسان وعمله. أراد له أن يعتمد النظام في حياته، فينظّم أموره وشؤونه، وأن يلتزم بالقوانين التي وضعها تعالى له والتي تعرف بـ"الشريعة" فينظّم حياته على أساسها.
أما القضايا التشريعيّة، فقد فرضها الله سبحانه وتعالى علينا، ليمتحننا ويختبرنا؛ وذلك لأنه أراد أنْ نصل إلى سعادتنا أو شقائنا إلى كمالنا أو ضياعنا بإرادتنا، ومنها نظم الأمر، فليس شيء أشد تأكيداً على لزوم ووجوب نظْم الأمر من الأديان والشرائع الإلهية.

نستلهم من روح الشريعة التأكيد على العمل الجماعي، والحضور الجماعي أيضاً.  كما نستلهم من روح الشريعة ومن جوهر الشريعة الإلهية تنظيم حياة الناس وشؤونهم في العبادة، وفي الحياة الاجتماعية، بدءاً من نظام العائلة إلى الأسرة إلى نظام الجوار، كلّه جاء الإسلام ونظّمه.

*لا بدّ للناس من أمير
ورد في الحديث الشريف: "لا بد للناس من أمير برٍّ أو فاجر". والرسول صلى الله عليه وآله وسلم لا يعطي شرعيَّة لحكومة الأمير الفاجر، بل يوصّف الحاجة الطبيعية للجماعة البشرية، فلكي يستقيم أمر الناس بشكل أو بآخر لا بد من حاكم، ومن نظام، ومن قانون، لأن البديل عن وجود حاكم أو حكومة هو الفوضى.
وبين الفوضى والنظام لا بد من نظام، وبين الفوضى والأمير لا بد من أمير: برّ أو فاجر.
فالإسلام أولاً تكلّم عن مبدأ الحاجة إلى نظام، وإلى قانون برّ أو فاجر، دولة إسلامية أو غير إسلامية؛ وبعدما ثبَّت المبدأ جاء يقول: النظام، القانون أو الحكومة التي تستطيع أن تحقّق الآمال والأهداف التي يريدها الله للناس، إنَّما هي الحكومة أو الدولة التي تحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى.

فإذا كانت الدولة موجودة، ولكنها غير إسلامية، أو دولة ملحدة، تنكر وجود الله في دستورها، في هذه الحالة، بالنسبة لي، كإنسانٍ مسلم، كيف يجب أن أتصرّف مع هذه الأنظمة والقوانين المرعيّة الإجراء في إطار هذا البلد، وخاصةً تلك التي ترعى مصالح الناس، وشؤونهم وتنظّمها وتحافظ عليها؟

*موقف الإسلام
الموقف العام من هذه القوانين هو الاحترام، والتعاون والتجاوب. ويصل الأمر، في بعض الحالات، إلى الفتوى بوجوب التزام هذا القانون، وبحرمة مخالفته. وهذا يدلّ، طبعاً، على تطوّر وفهم راقٍ. ففي الإسلام إجابات لكل الأسئلة والشؤون الحياتيّة إلى قيام الساعة، لأنّه يجمع بين الأصالة والثبات، وبين المرونة التي تراعي مقتضيات الزمان والمكان والظروف والأوضاع المختلفة التي نعيشها.
وعندما نريد أن نعرف رأي الإسلام في مسألة لا بدّ لنا من أن نعود في ذلك إلى أهل الاختصاص، أي الفقهاء، العدول الأتقياء والأمناء.

وسنتحدث عن ذلك، من خلال عنوانين حتى لا نبقى بالعموميات:
أ– العنوان الأول: الكهرباء والماء.
ب- العنوان الثاني: البناء المشروع وغير المشروع.

أ- الكهرباء والماء:
إذا سألنا مرجع التقليد السؤال التالي: "إن هذه الدولة غير إسلامية، فهل هناك مشكلة إذا أخذنا منها الكهرباء ولم ندفع المال لها؟".
يجمع الفقهاء على أن جواب هذا النوع من الأسئلة هو: "لا يجوز". نعلم أن هذا الجواب يحتاج إلى شجاعة لأنه غير مقبول شعبياً، والناس لا ترضى به. طبعاً، من أجل مصالحهم... كما أن وضع خط كهرباء غير قانوني (التعليق) على الخطوط الكهربائية بحسب المراجع الفقهية غير جائز شرعاً، وهو غصب للكهرباء. وأيضاً لا يجوز التلاعب بعدّاد الساعة لناحية تقليل الضريبة من كل مستفيد.

كذلك الأمر أيضاً، بالنسبة للماء، فلا يجوز لأحد، لا يملك الماء، أن يتصرّف في الماء دون أن يكون له حق الاشتراك من قبل الجهات المختصة. وحتى لو قيل مثلاً: إن هناك مشاكل قانونية فيما يختص بالتراخيص، ولا يمكن تحصيلها، فهذا لا يبرر أخذ الماء بطرق غير مشروعة.
وهناك أيضاً مسألة أخرى، في حال الاشتراك، سواء في الماء أو الكهرباء، فلا يجوز على رأي المراجع، الامتناع عن دفع قيمة الاشتراك. كما لا يجوز الامتناع عن دفع الضريبة لكل مستفيد.

سأل صاحب أحد المطاعم أحد المراجع أنه اشترى مكاناً وفتحه مطعماً وأنه لم يحصّل بعد رخصة كهرباء أو ماء وقد يتأخّر ذلك عدة أشهر، فدونه صعوبات وتعقيدات، وستلحق بصاحبه خسائر ماليّة بالغة، فهل يجوز له اعتماد طرق خارجة عن القانون في ذلك، فكان الجواب: لا، إذا أردت أن تتبع ديناً آخر لنفسك فهذا شأنك، أما دين الشريعة الذي يعرفه الفقهاء فلا يجوّز ذلك.

لذلك في موضوع المصالح، نسأل: لمن يسبب المخالف ضرراً؟ عندما يتصرف في الماء أو الكهرباء بشكل مخالف وغير قانوني، فهل يلحق الضرر بالحاكم غير الشرعي؟ بالدولة غير الإسلامية؟ أم بالناس؟ تتعطل الكهرباء في المنازل أسبوعاً أو أسبوعين من كثرة خطوط الكهرباء!! الناس تتضرّر. فهل مقبول أن نقول: إن هذه الدولة غير إسلامية!!

الفوضى تلحق ضرراً بالناس، وبمصالح الناس، الفساد في شركات المصالح العامة موضوع آخر... ولكن عندما لا تدفع الناس فواتير واشتراكات الكهرباء أو تخالف في ذلك فإنها ستؤثر على المصانع بطبيعة الحال، وعلى إنتاجية الشركة، وبالتالي المتضرّر الأكبر هم الناس طبعاً.

ب- البناء:
يجب مراعاة القانون أيضاً في التعاطي مع مسألة الطرقات وعدم التعدّي على الأرصفة، فإنها مسألة عامة، تخص كل الناس.
أما فيما يتعلق بالبناء، وقواعد رُخَص البناء في أماكن إنشاء الطرق السريعة (الأوتوسترادات)، مثلاً، مع العلم أن مشروعاً من هذا النوع يعود بالخير على جميع الناس. رغم ذلك، يقوم الناس بالبناء في قلب الاستملاكات التي قامت بها الدولة، وهذا يؤخر تنفيذ المشاريع وإنشاء طريق سريع (الأوتوستراد)، فلا تجوز المخالفة أيضاً.

الفقهاء، في هذه الحالات التي تخص معيشة الناس جوابهم واضح جداً لأن ذلك كله يدخل ضمن مصالح الناس، والنظام العام الذي يحفظ لهم تلك المصالح. ولا يكون ذلك إلّا بالقوانين واحترامها والالتزام بها.


(*) جزء من خطبة الليلة السابعة من محرم الحرام 1431هـ - 23/12/2009م.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع