الشيخ علي معروف حجازي
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عليه السلام يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ اخْتَارَ لأَنْبِيَائِهِ الْحَرْثَ وَالزّرْعَ كَيْلا يَكْرَهُوا شَيْئاً مِنْ قَطْرِ السّمَاءِ"(1).
1- تعريف المزارعة
المزارعة معاملةٌ على الأرض لأجل الزراعة بحصّة من حاصلها؛ بمعنى أن يزرع الأرضَ شخصٌ غير مالكها مقابل حصّة ممّا تنتجه من الزرع.
وهي عقد يحتاج إلى إيجاب من مالك الأرض، وقَبول من الزارع، بأيّ لفظ يدلّ على المطلوب، مثل: زارعتك أو سلّمت لك الأرض لتزرعَها على كذا. كما أنها تقع بالمعاطاة(2) بعد تعيين ما يلزم تعيينه.
2- شروط صاحب الأرض والزارع
يشترط في كلٍّ منهما خمسة أمور:
الأوّل: البلوغ؛ فلا يصحّ من غير البالغ حتّى لو كان مميّزاً.
الثاني: العقل؛ فلا يصحّ من المجنون.
الثالث: القصد؛ فلا يصحّ من الهازل أو النائم مثلاً.
الرابع: الاختيار؛ فلا يصحّ من المُكرَه.
الخامس: عدم الحجر لسفه أو فَلَس. نعم، يصحّ أن يكون العامل سفيهاً أو محجوراً عليه، إن لم يستلزم ذلك تصرّفاً ماليّاً منه.
3- شروط المزارعة
أ- يشترط في المزارعة -مضافاً إلى ما تقدّم- سبعة أمور:
الأوّل: أن يُجعل الحاصل مشاعاً بينهما؛ فلا يصحّ جعل كلّ الحاصل لأحدهما مثلاً.
الثاني: تعيين حصّة الزارع بالكسر (يقصد بنسبة محدّدة من المحصول) على نحو الإشاعة بأنّها ثلث أو نصف أو ربع الحاصل، مثلاً: فلو شرط لأحدهما الاختصاص بما يحصل أوّلاً، وما يحصل ثانيةً للآخر، لم تصحّ.
الثالث: تعيين مدّة المزارعة، ويشترط أن تكون كافية لإدراك الناتج منها.
الرابع: أن تكون الأرض قابلة للزرع، ولو بالعلاج والإصلاح. فلو كانت سبخة (أرض ذات رطوبة وملح لا تكاد تنبت) أو لا يمكن وصول الماء إليها مثلاً، فلا تصحّ. وتجوز المزارعة على أرض بائرة لا يمكن زرعها إلّا بعد إصلاحها.
الخامس: إذا اختلفت الأغراض، فلا بدّ من تعيين المزروع من أنّه حنطة أو شعير أو أرزّ أو غيرها. ويكفي في التعيين الانصراف المغني عن التصريح لتعارف -كما لو متعارفاً في بلدة زراعة نوعٍ واحد من المزروعات- أو غيره. ولو صرّحا بالتعميم صحّ، ويكون للزارع حقّ اختيار أيّ نوع أو صنف شاء.
السادس: تعيين الأرض في حال تردّدها بين قطعتين أو أكثر إذا لم يكن هناك انصراف للذهن لواحدة منها عن أخرى.
السابع: تعيين كون البذر وسائر المصاريف على أيٍّ منهما، إلّا مع التعارف. فلا يلزم في البذر أن يكون من العامل.
ب- لا يشترط في مُجري عقد المزارعة مع الزارع أن يكون مالكاً للأرض، بل يكفي أن يملك منفعتها إذا لم يشترط عليه مالكها أن ينتفع بها بنفسه مباشرة، وإلّا فلا يجوز له أن يجري العقد مع غيره، بدون إذن المالك.
4- عدم ظهور النتاج
لو حصل الزرع ولكن انقضت المدّة المتّفق عليها دون أن يظهر ناتج الزرع، جاز للمالك أن يأمر الزارع بإزالة الزرع دون أن يضمن المالك الأرش(3). ولا يجب على الزارع إبقاء الزرع حتّى لو قبل المالك، سواء أكان استعمال الأرض مجّاناً أم بالأجرة.
5- عدم زرع العامل في المدّة
إذا أخلّ العامل ولم يزرع طوال المدّة المتّفق عليها، ففي المسألة صورتان:
الأولى: إذا كان عدم الزرع تفريطاً من الزارع وكانت الأرض تحت يده، فيضمن أجرة المثل.
الثانية: في غير ذلك لا يجب الضمان.
6- بطلان المزارعة
أ- عقد المزارعة لازم من الطرفين لا ينفسخ إلّا بجعل الخيار لأحدهما أو لكليهما، أو بخروج الأرض عن قابليّة الانتفاع مع عدم تيسّر العلاج. وإذا طلب أحدهما الإقالة فوافق الآخر، فينفسخ العقد.
ب- لا تبطل المزارعة بموت أحدهما، بل ينتقل الحقّ إلى الورثة.
ج- إذا تبيّن بطلان المزارعة بعد الزرع، فصورتان:
الأولى: إذا كان البذر لصاحب الأرض كان الزرع له، وعليه أجرة العامل، إلّا إذا كان سبب البطلان جعل جميع الحاصل لصاحب الأرض (وهذا غير صحيح)، فعندها لا يُلزم (صاحب الأرض) بالأجرة للعامل.
الثانية: إذا كان البذر للعامل فالزرع له، ولكن عليه أجرة الأرض. نعم، إذا كان سبب البطلان جعل جميع الحاصل للزارع، فليس عليه أجرة الأرض، ولكن يجوز للمالك أن يأمره بقلعه.
7- خراج الأرض
خراج (ضرائب) الأرض وخراج مال الإجارة على المالك لا العامل، إلّا مع اشتراط كونها على العامل كلّاً أو بعضاً، فيُلتزم بالشرط.
8- سائر المؤن
لا بدّ من تعيين الذي سيدفع سائر المؤن؛ من شقّ النهر وحفر البئر ونحو ذلك، من أنّها على المالك أو العامل. نعم، مع وجود عرف خاصّ فيغني عن التعيين.
9- نبات الزرع من جديد
إذا بقيت أصول الزرع وعادت ونبتت من جديد بعد انتهاء عقد المزارعة، فصورتان:
الأولى: إذا كان الاتّفاق ضمن عقد المزارعة على أن يكون الحاصل الجديد بينهما فيكون بينهما.
الثانية: مع عدم وجود اتّفاق يكون الحاصل للمالك.
نعم، إذا أعرض المالك عنه جاز لأيّ شخص تملّكه، ويكون لمن سبق.
بارك الله بيدٍ تزرع.
1.الكافي، الكليني، ج5، ص260.
2.وهي تسليم كلّ من طرفَي المعاطاة ما له للآخر على نحو المعاوضة من دون التلفّظ بالصيغة.
3. وهو أن يُحسب الزرع مع ناتجه، ثمّ يُحسب معيباً؛ دون ناتجه، فيكون الفرق بينهما هو الإرش.