الشيخ بسّام محمّد حسين
من الصدقات الجارية التي ينتفع بها المؤمن بعد موته: "غرسٌ يغرسه"، كما جاء عن الإمام الصادق عليه السلام(1)، وذلك لبقائها وانتفاع من يأتي بعده منها، وقديماً قيل: زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون.
ومن أسرار بقاء الزرع وبركته وزيادة الانتفاع منه ما جاء في الروايات من الآداب والأدعية حوله، ونشير إلى أمرين هامّين من ذلك:
الأوّل: حلّيّة المال: فالمال الحلال يزيد في البركة والنتاج، فمن كانت أرضه حلالاً وزرعه حلالاً وأخرج زكاة ماله وما وجب عليه من ذلك، وأعطى الأجراء حقّهم، فالله تعالى يبارك له فيه، ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: "من زرع حنطة في أرض فلم يزكِّ زرعه، أو خرج زرعه كثير الشعير، فبظلمٍ عمِلَه في ملك رقبة الأرض أو بظلمٍ لمزارعيه وأكرته"(2).
الثاني: التوكّل على الله: وذلك بالاعتقاد بأنّ الله تعالى هو الذي ينبت الزرع ويبارك فيه، وما دور الإنسان إلّا الوساطة في إنزال هذا الفيض، فهو في الحقيقة حارث وليس زارعاً، قال تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ (الواقعة: 63-64).
ولهذا تعدّدت الآيات التي تؤكّد هذه الحقيقة، لاستحضار هذا التوحيد الأفعاليّ، والارتباط بالخالق والتوكّل عليه، حيث عبّرت كثيراً عن أنّ الله تعالى هو الذي أنبت أو أخرج لنا هذا النبات أو تلك الشجرة، منها قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ*يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (النحل: 10-11).
كما وردت الروايات في الدعاء عند الزراعة تأكيداً لهذا الأمر:
منها: ما رواه ابن بكير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: "إذا أردت أن تزرع زرعاً فخذ قبضة من البذر واستقبل القبلة وقل: ﴿أفرأيتم ما تحرثون*أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون﴾ ثلاث مرّات، ثمّ تقول: (بل الله الزارع) ثلاث مرّات، ثم قل: (اللهمّ اجعله حَبّاً مباركاً، وارزقنا فيه السلامة)، ثمّ انثر القبضة التي في يدك في القراح"(3).
ومنها: ما رواه شعيب العقرقوفيّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال لي: "إذا بذرت فقل: اللهمّ قد بذرت وأنت الزارع، فاجعله حَبّاً متراكماً"(4).
وعن بعض المعصومين عليهم السلام قال: "إذا غرست غرساً أو نبتاً فاقرأ على كلّ عود أو حبّة: (سبحان الباعث الوارث)، فإنّه لا يكاد يخطئ إن شاء الله"(5).
عن أحدهما (الباقر أو الصادق عليهما السلام) قال: "تقول إذا غرست أو زرعت: ومَثَلُ كلمةٍ طيّبةٍ كشجرةٍ طيّبةٍ أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربّها"(6).
إنّ من النعم العظيمة التي لا تنقطع وجود هذه البركات الإلهيّة التي تخرج من الأرض، وإنّ الأمّة التي تأكل من كدّ يمينها وعرق جبينها أمّة لا تجوع ولا تعرى ولا تُحاصَر ولا تُهزَم، وعلى هذا الأساس أطلق سماحة الأمين العام (حفظه الله) الجهاد الزراعيّ والصناعيّ، ودعا الأمّة إلى القيام بواجبها على هذا الصعيد، وأن نكون دائماً في أيّ ساحة تفرضها علينا التحدّيات، فحيث يجب أن نكون كنّا وسنكون إن شاء الله تعالى.
1.بحار الأنوار، المجلسي، ج100، ص64.
2.الكافي، الكليني، ج5، ص306. والأكرة: الفلّاحون
3.(م.ن)، ج5، ص262. والقراح: الأرض.
4.(م.ن)، ص261.
5.(م.ن)، ص263.
6.(م.ن)، ص261.