مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الحياة الطيبة في ظلّ الإيمان

الشيخ حسن أحمد الهادي


قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل: 97).

"الحياة الطيّبة" في هذه الدنيا هي النتاج الطبيعيّ للعمل الصالح النابع من الإِيمان، وهي المرادف لنمط الحياة الإسلاميّ، وهي تعني أنّ المجتمع البشريّ سيعيش حينها حياةً هادئةً مطمئنةً ملؤها الرفاه والسلم والمحبّة والتعاون، وفي أمان من الآلام الناتجة عن الاستكبار والظلم والطغيان وعبادة الأهواء والأنانيّة التي تملأ الدنيا ظلاماً وظلامات(1)، هذا مضافاً إلى الجزاء الأحسن في عالم الآخرة.

فما هي فوائد وآثار هذه الحياة؟ وهل الجزاء الأحسن يبدأ في الدنيا؟!


•بُعدا فوائد الحياة الطيّبة
إنّ الحديث عن الآثار الناتجة عن نمط الحياة الإسلاميّ الموصوف في القرآن الكريم بالحياة الطيّبة، يتركّز في بُعدين أساسيّين في حياة الإنسان:

الأوّل: البُعد التربويّ
يرتكز هذا البُعد على ما تتربّى عليه شخصيّة الإنسان في الجوانب العقائديّة والإيمانيّة والروحيّة.

الثاني: البُعد السلوكي
يرتبط بالنتائج والثمار التي تنعكس على مناحي الحياة كافّة، وتتحوّل إلى ثقافة يعيشها الإنسان في سلوكه الفرديّ والاجتماعيّ، وعلى هذا الأساس يتحمّل الفرد المسؤوليّة المجتمعيّة، ويعمل على إصلاح مجتمعه والمشاركة الفاعلة فيه. وتبرز المظاهر والنماذج الإسلاميّة في أنماط الحياة الاجتماعيّة، وتظهر آثار بركات النمط الإسلاميّ في سلوك الفرد والمجتمع؛ ليتميّز ذلك النمط بأنّه "الحياة الطيّبة".

•بركات وآثار الحياة الطيّبة
لتوضيح الفكرة، نعرض هذه الآثار في نقاط:

1- تحقّق الهويّة الدينيّة: ويكون ذلك بتكامل العناصر الثلاثة المكوّنة لشخصيّة الإنسان المسلم تكاملاً حقيقيّاً وكاملاً، وذلك من خلال الاعتقاد الواعي والصحيح بالعقيدة الإسلاميّة، والإيمان القلبيّ بالإسلام، والالتزام العمليّ بتشريعاته الفقهيّة وقيمه الأخلاقيّة، وبهذا يتعزّز الجانب العمليّ لمسؤوليّة الإنسان في أبعادها الأربعة؛ العلاقة مع الله، العلاقة مع الذات، العلاقة مع الآخرين، والعلاقة مع الطبيعة والعالم من حوله. وتتحقّق أسمى غايات الإنسان بالقرب من الله، ويحيا الحياة الطيّبة بجميع مراتبها.

2- تحقّق السكينة والاطمئنان: السكينة هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف والابتلاءات والغضب ونحوه، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات؛ ولهذا إذا نزلت السَّكِينَة على القلب اطمأنّ بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحِكْمة. قال تعالى: ﴿فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الفتح: 26)، ويُضَاف إلى القلب، كما قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الفتح: 4). وبهذا يرتقي المؤمن إلى أعلى درجات التسليم لإرادة الله، فلا يكتفي بمجرّد الالتزام والعمل، بل يسلّم أمره بالكامل إلى سيّده ومولاه، بمعنى ترك الاعتراض على الله مطلقاً. قال الله تعالى مخاطباً رسوله الكريم: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في‏ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً﴾ (النساء: 65).

3- لقاء الله: يوجد شرطان رئيسان للقاء الحقّ تعالى: الأوَّل: العمل الصالح، وهو الذي يظهر من خلال العقيدة الحقّة واتّباع الشريعة والعمل بأحكامها، والثاني: هو عدم الشرك بالله تعالى؛ أي الإخلاص؛ لأنّ الشرك يضادّه الإخلاص، فمن لم يكن مخلصاً فهو مشرك، قال الله تعالى: ﴿فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَدا﴾ (الكهف: 110). فإنّ الخطوة الأولى نحو الله، تتمثّل في ترك حبّ النفس، والوطء بقدمه على الأنانيّة والذاتيّة.

4- صدق النيّة والإرادة الخالصة: عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ عليه السلام في قَوْلِ اللهِ تَعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (هود: 7)، قال: "ليس يعني أكثركم عملاً ولكن أصوبَكم عملاً. وإنّما الإصابة خشية الله والنِّيَّة الصادقة والخشية". ثمّ قال: "الإبقاء على العمل حتّى يَخْلُصَ أشَدُّ من العمل، والعمل الخالص الّذي لا تريد أن يَحْمَدك عليه أحد إلا الله تعالى أفضل من العمل. ألا وإنّ النِّيَّةَ هي العمل"، ثمّ تلا قوله عزّ وجلّ: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ يعني عَلى نِيَّته"(2).

5- الخوف من الله تعالى: إنّ الخوف والفزع من الحقّ المتعالي يوجب خشية النفس وتقواها. والتقوى تُزكّي النفس وتُطهّرها من الدنس والقذارات. وإذا كانت صفحة النفس ناصعة، وطاهرة من حجب المعاصي وكدرها، كانت الأعمال الحسنة مؤثّرة أكثر، وإصابتها للهدف المبتغى أدقّ، وتحقُّق السرّ الكبير للعبادات الذي هو ترويض الجانب الماديّ للإنسان، وقهر ملكوته على مُلكه، ونفوذ الإرادة الفاعلة للنفس بصورة أفضل.

6- الوعي الاقتصاديّ: إنّ اعتقاد الإنسان بمالكيّة الله تعالى للكون وكلّ الموارد والنعم المتاحة له، يولّد فيه التزامه العمليّ بالتشريعات والقيم الاقتصاديّة في معاملاته الاقتصاديّة والماليّة كافّة؛ إنتاجاً وتوزيعاً واستهلاكاً، لذلك تراه يتصرّف في الأرض وخيراتها وفق إرادة الله تعالى، ويستخدم الموارد الطبيعيّة الاستخدام الأمثل بالمقدار الذي يحقّق الكفاية، دون إسراف أو تبذير أو شحّ وطمع، باعتبارها أمانة إلهيّة مسخّرة لخدمة الإنسان ورقيّه ورفاهيّته وتحقيق كماله على ضوء الإرادة الإلهيّة.

وتحضر القناعة كمعيار أساسيّ في سلوك الإنسان، فهي تحرّره من عبوديّة المادّة، واسترقاق الحرص والطمع، وعنائهما المرهق، وهوانهما المذلّ، وتنفخ فيه روح العزّة، والكرامة، والإباء، والعفّة، فهي صفة كريمة، تعرب عن عزّة النفس، وشرف الوجدان وكرم الأخلاق. روي عن الإمام الباقر عليه السلام: "من قنع بما رزقه الله، فهو من أغنى الأغنياء"(3).

7- الالتزام بمنظومة الحقوق الاجتماعيّة والأسريّة: إنّ تحمّل الفرد المسؤوليّة المجتمعيّة والعمل على إصلاح مجتمعه والمشاركة الفاعلة فيه، في ضوء روابط الأخوّة الإيمانيّة والنظائريّة في الخلقة الإنسانيّة، واندماجه في نظام التكافل الاجتماعيّ من خلال تعزيز قيم التعاون والتعاضد والتآزر، وبناء أسرة متماسكة على روح الألفة والمودّة، ورعايتها وصيانتها من مختلف المشاكل والمعيقات التي تعترضها، يعبّر عن الهويّة الإسلاميّة الاجتماعيّة الحقيقيّة للإنسان المسلم.

ومن خلال هذا الفهم العميق للمسؤوليّة، يتحقّق نمط الحياة الإسلاميّ والحياة الطيّبة، إذ تتعزّز قيم الإحسان والبرّ والطاعة والاحترام للوالدين، وقيم الرفق والرحمة والعطف على الأبناء، وقيم الروابط الأسريّة والرحميّة القائمة على المحبّة والاحترام المتبادلين بين الإخوة والأخوات وسائر الأرحام، وتتكامل أدوار كلّ من الزوج والزوجة في الأسرة في التربية الأسريّة والاجتماعيّة، وتأخذ المرأة مكانتها اللائقة ودورها الفطريّ المنسجم مع طبيعة خلقتها.

•سعادة الدنيا والآخرة
لا شكّ في أنّ التزام الإنسان نمط الحياة الإسلاميّ، ومراعاته لقواعد وأصول الحياة الطيّبة، يكفلان له أعلى درجات السعادة والاطمئنان في حياته الدنيويّة، والفوز برضى الله وجزائه الحسن في حياته الأخرويّة.

1.الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ناصر مكارم الشيرازي، ج8، ص314.
2.الكافي، الكليني، ج 2، ص 16.
3.الوافي، الفيض الكاشانيّ، ج3 ص79.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع