(8 شوّال ذكرى هدم قباب وأضرحة الأئمة عليهم السلام في البقيع)
لبقيع الغرقد شأن عظيم عند المسلمين، فترابها اختلط بأجساد أربعةٍ من الأئمّة الطاهرين عليهم السلام، ولامس رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليّاً والزهراء عليهما السلام، ودُفن فيها العديد من شهداء الإسلام وأولاد النبيّ وزوجاته صلى الله عليه وآله وسلم إلّا خديجة، وعمّاته وعمّه العبّاس، وأمّ البنين والكثير من الصحابة والتابعين وكبار القرّاء وحفظة القرآن والسادة الهاشميّين، وفيه بيت الأحزان. فكيف تحدث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن بقعة احتضنت نجوماً زاهرة في تاريخ الإسلام؟
* البقيع: مقبرة اختارها الله
جاء في المستدرك للنيسابوريّ: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرتاد لأصحابه مقبرة يُدفنون فيها، فكان قد طلب نواحي المدينة وأطرافها، ثمّ قال: أُمرت بهذا الموضع؛ يعني البقيع"(1). وبهذا يكون البقيع مكاناً اختاره الله سبحانه لنبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ليدفن فيه موتى المسلمين؛ بقرينة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أُمرت".
* البقيع: قطعة في الجنّة
عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إنّ الله عزّ وجلّ يأمر يوم القيامة القَيَمة أن يأخذوا بأطراف الحجون والبقيع (وهما مقبرتان بمكّة والمدينة) فيُطرحان في الجنّة"(2).
* سبعون ألفاً على صورة البدر
من فضائل مقبرة البقيع أنّ الله سبحانه وتعالى سيبعث منه يوم القيامة سبعين ألفاً، وجوههم كالقمر ليلة البدر، يدخلون الجنّة بغير حساب.
فعن أمّ قيس بنت محصن أنّها قالت: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زيارة قبور البقيع، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أُمَّ قيس، قلت: لبّيك وسعديك يا رسول الله، قال: أترين هذه المقبرة؟ يبعث الله منها سبعين ألفاً يوم القيامة على صورة القمر ليلة البدر، يدخلون الجنّة بغير حساب"(3).
* رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ادفنوا في البقيع"
رغّب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس في دفن موتاهم بالبقيع بعد دفن ابنه إبراهيم هناك، وهو ما صرّح به خبر أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه: أنّه لمّا توفّي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمر صلى الله عليه وآله وسلم أن يُدفن عند عثمان بن مظعون، فرغب الناس في البقيع، وقطعوا الشجر، واختارت كلّ قبيلة ناحية، فمن هناك عرفت كلّ قبيلة مقابرها، وأصبح البقيع الغرقد مدفن أهل المدينة(4).
* رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو لأهل البقيع ويستغفر لهم
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما يأتي البقيع، يقف عند بيت عقيل بن أبي طالب، ويدعو لأهل البقيع في الوقت الذي لم يُدفن أحد في بيته، ثمّ صار ذلك المكان الذي وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو مدفناً لأبنائه الأئمّة الأربعة المعصومين عليهم السلام، وعمِّه العبّاس، وفاطمة بنت أسد، وزوجاته، وعمّاته.
فعن خالد بن عوسجة: كنت أدعوه ليلة إلى زاوية دار عقيل بن أبي طالب، فمرّ جعفر بن محمّد [الإمام الصادق عليه السلام ] يريد العريض، فقال: "أعن أثر وقفت ها هنا؟ هذا موقف نبيّ الله صلى الله عليه وآله وسلم بالليل إذ جاء يستغفر لأهل البقيع"(5).
ولمّا مرض النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي توفّي به، أخذ بيد عليّ بن أبي طالب عليه السلام وتبعه جماعة من الناس وتوجّه إلى البقيع، فقال لمن تبعه: "إنّني قد أُمرت بالاستغفار لأهل البقيع"، فانطلقوا معه حتّى وقف بين أظهرهم، فقال: "السلام عليكم يا أهل القبور، ليهنّئكم ما أصبحتم فيه ممّا فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولَها آخرُها" ثمّ استغفر لأهل البقيع طويلاً(6).
وعن صفوان الجمّال قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كلّ عشية خميس إلى بقيع المدنيّين فيقول ثلاثاً: السلام عليكم يا أهل الديار، وثلاثاً: رحمكم الله"(7).
* النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يُحشر مع أهل البقيع
لفضل البقيع، ولشرف من دُفن فيها ومنزلتهم عند الله سبحانه، يُحشر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ويُبعث مع أهل البقيع، فقد روي أنّه صلى الله عليه وآله وسلم "إذا حُشر الناس يوم القيامة، بُعث في أهل البقيع"(8). وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أسمع الصيحة، فأخرج إلى البقيع، فأُحشر معهم"(9).
* سدرة البقيع
عن أنس بن مالك قال: "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نتماشى حتى انتهينا إلى بقيع الغرقد، فإذا نحن بسدرة عارية لا نبات عليها، فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحتها فأورقت الشجرة وأثمرت، واستظّلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فتبسّم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا أنس، ادع لي عليّاً، فعدوت حتّى انتهيت إلى منزل فاطمة عليها السلام فإذا أنا بعليّ يتناول شيئاً من الطعام، قلت له: أجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فقال: لخير أُدعى؟
فقلت: الله ورسوله أعلم.
قال: فجعل عليّ عليه السلام يمشي ويهرول على أطراف أنامله حتّى مثُل بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجذبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجلسه إلى جنبه، فرأيتهما يتحدّثان ويضحكان، ورأيت وجه عليّ عليه السلام قد استنار... فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أنس أترى هذه السدرة؟
قلت: نعم.
قال: قعد تحتها ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيّاً وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّاً، ما في النبيّين نبيّ أوجه منّي، ولا في الوصيّين وصيّ أوجه من عليّ بن أبي طالب..."(10).
1- المستدرك، الحاكم النيسابوريّ، ج3، ص190.
2- جامع أحاديث الشيعة، البروجرديّ، ج2، ص309.
3- المعجم الكبير، الطبرانيّ، ج25، ص182.
4- راجع: تاريخ المدينة، النميريّ، ج1، ص121.
5- دائرة المعارف الاسلامية الشيعية، حسن الأمين، ج8، ص264.
6- راجع: الإرشاد، المفيد، ج1، ص180.
7- بحار الأنوار، المجلسيّ، ج99، ص296.
8- المصنّف، الصنعانيّ، ج3، ص580.
9- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، الهيثميّ، ص335.
10- بحار الأنوار، (م.س)، ج39، ص128.