د. عماد غملوش
عندما اقتربنا إلى 2020م عام الترقّبات، وبينما كانت الماسونيّة اليهوديّة مشغولة بالتخطيط لسايكس بيكو جديد وشرق أوسط جديد من مبدأ القويّ يحكم الضعيف، كان هناك فئة من المفكّرين أو المؤرّخين تحذّر وعلى مبدأ أن كلّ 100 عام نحن على عتبة حرب أو دمار أو سقوط نيزك. وإذ بنا نفاجأ أنّنا على صراع مع أقوى عدوّ يشهده التاريخ، وهو فيروس (كورونا)، حيث إنّ جبابرة الدول وأساطيلهم وجيوشهم وطائراتهم واقتصادهم، بدأت تنهار أمام جرثومة صغيرة، تمرّغ أنوفهم وتحطّ من عليائهم.
إلا أنّ للتاريخ دائماً ذكريات وشواهد، وكما حصل مع الطاغية نمرود والبعوضة التي حطّمت رأسه، كذلك للوباءات تاريخ وشواهد وضحايا وتغييرات، لعلَّنا نوضّح للقارئ في مجلّتنا أنّ للأوبئة تاريخاً حافلاً بالتغييرات.
* أشهر الأوبئة في التاريخ
1- الطاعون دبلي: يذكر الكاتب أريل كوزلوف في كتابه عام 2006م أنّ الوباء الأوّل في التاريخ، كان في مصر عام 1550ق.م؛ أي منذ 3520 عاماً، استمرّ زهاء 10 سنوات، وهو الطاعون دبلي، وقد حصد آلافاً من الضحايا.
2- طاعون أثينا: كتب المؤرّخ جورج كون في كتابه عام 2008م أنّ وباءً آخر ضرب أثينا في اليونان، وقد سمّي طاعون أثينا عام 430 ق.م؛ أي منذ 2450 عاماً، وكانت أهمّ عوارضه ارتفاع درجة الحرارة جدّاً، وقد فتك بالعديد من الناس، وقد سُمّي أيضاً "حمّى تيفوس".
3- الطاعون الأنطونيّ: نشرت صحيفة ديلي ميل البريطانيّة، تقريراً منذ فترة عن أكثر الأوبئة فتكاً في التاريخ، بدءاً من الطاعون الأنطونيّ الذي حلّ بالإمبراطوريّة الرومانيّة عام 165م، وقد استمرّ إلى عام 180م، وكانت الإمبراطوريّة الرومانيّة حينذاك تسيطر على معظم العالم القديم، وكانت نتيجته 5 ملايين ضحيّة، وهي النتيجة الأكبر في ذلك التاريخ نسبةً إلى عدد سكّان العالم آنذاك.
4- طاعون جستنيان: عام 541م، ضرب طاعون قادم من الإسكندريّة الإمبراطوريّة البيزنطيّة وعاصمتها القسطنطينيّة، وقد أصاب الإمبراطور جستنيان؛ لذلك سُمي بطاعون جستنيان، ولكنّه شُفي منه. وقد امتدّ هذا الطاعون إلى الإمبراطوريّة الساسانيّة ومعظم المدن المطلّة على المتوسّط، ممّا حصد نحو 50 مليوناً؛ أي نصف سكّان العالم آنذاك، واللافت كان عدم اتّخاذ إجراءات حازمة ضدّ انتشار المرض الذي أصاب حتّى الحيوانات في الشوارع، ونفق منها الآلاف، وأهمل الناس دفنها ممّا أدّى إلى تفشّي الطاعون بشكل أكبر.
5- طاعون عمواس: عام 639 م، حصد طاعون عمواس في بلاد الشام عشرات الآلاف، وقد رجّحت المصادر انتقاله من فلسطين إلى الشام، وقد أمر حينها الخليفة الثاني بعدم دخول أحد إلى المنطقة الموبوءة وعدم خروج أحد منها.
6- الطاعون الأسود: شَهِد عام 1347م وإلى عام 1351م؛ أي منذ نحو 670 سنة، أخطر كارثة واجهتها البشريّة، وهي الطاعون الدملي، وقد سُمّي بالطاعون الأسود أو الموت الأسود؛ لأنّه كان أكثر الأوبئة فتكاً في التاريخ، وكان الأكثر قدرة على الانتقال والانتشار. وتؤكّد المعلومات أنّ مصدره كان الصين، ثمّ انتقل إلى أوروبا، وخاصّة إيطاليا، واجتاح الهند وشمال أفريقيا والقسطنطينيّة، وبقي أربع سنين، وفي العام 1349م، أودى بحياة 200 مليون، وأحدث تغييراً كبيراً في التركيبة السكّانيّة، وقد اتُّهم آنذاك الشعب اليهوديّ بوقوفه خلف تفشّي هذا الطاعون في أوروبا؛ كردّ فعل على الكنيسة المسيحيّة التي كانت تجبر اليهود على الانضمام إلى الكنيسة المسيحيّة بالقوّة.
7- الجدري: عام 1500م، وهو عام اكتشاف قارة أميركا، ظهر الجدريّ والحصبة والحمّى في شعب الهنود الحمر، فقتل الآلاف منهم، وقد اتُّهم الشعب الأميركيّ الأبيض المحتلّ للأرض من الهنود حينها، بتسبّبه في سرعة انتشار المرض لكي يتخلّص من شعبها الأصليّ، الذي لم يكن يعرف عن المرض شيئاً.
8- وباء الكوليرا: عام 1817م، ظهرت أولى عوارض وباء الكوليرا، الذي استمرّ عشرات السنين قبل أن يُكتشف اللقاح عام 1885م، حاصداً زهاء مليون ضحيّة. وتشير آخر إحصاءات منظّمة الصحّة العالميّة أنّ وباء الكوليرا حصد منذ 2016م إلى 2020م نحو 3 آلاف طفل في اليمن؛ والسبب هو الحصار الغذائيّ والصحيّ وقلّة النظافة. وبحسب منظّمة الصحّة أيضاً، فإنّ الكوليرا يصيب نحو مليون و300 ألف سنويّاً في العالم، يموت منهم ما يقارب 140 ألفاً.
9- الإنفلونزا الروسيّة: بين عامَي 1889م- 1890م، ظهرت الإنفلونزا الروسيّة، وقد حصدت خلال عام واحد مليون شخص.
10- الإنفلونزا الإسبانيّة: عام 1918م، ظهرت الإنفلونزا الإسبانيّة، وهي أكثر الأوبئة خطورة في القرن العشرين والأكثر فتكاً بالأرواح. وما كاد العالم ينتهي من الحرب العالميّة الأولى، حتّى اجتاحت الإنفلونزا الإسبانيّة أوروبا وأميركا والصين. وقد ساعد على انتشارها عدم مبالاة الدول التي خاضت الحرب، والسماح بعودة الجنود إلى بلادهم وهم يحملون الفيروس. وقد أصاب هذا المرض نصف مليار إنسان، وأودى بحياة 50 مليوناً منهم، وكانت معدّلات الوفاة في أفريقيا والدول الفقيرة أعلى من الدول الغنيّة التي تتوفّر فيها الرعاية الصحيّة بشكل أفضل. وعلى عكس أنواع الإنفلونزا الأخرى، فإنّها أصابت الفئات العمريّة التي تتراوح بين 20 و40 سنة، وكان السبب الرئيس للوفاة هو الاختناق نتيجة التهاب رئويّ.
11- الإيدز: عام 1981م، ظهر وباء جديد عُرف بمرض الإيدز، الناتج عن العلاقات الجنسيّة غير الشرعيّة، ويُعدّ مرضاً فتّاكاً لتمكّنه من قتل الإنسان بسرعة، وقد حصد هذا الوباء منذ ظهوره حتّى الآن نحو 35 مليون شخص.
12- سارس: عام 2002م، ظهر وباء الالتهاب الرئويّ اللانمطيّ الحادّ المعروف علميّاً بالمتلازمة التنفسيّة الحادّة (سارس)، في مدينة فوشان جنوب الصين، وأصاب نحو 9 آلاف شخص توفّي منهم 774. وفي عام 2003م، حذّرت منظّمة الصحّة العالميّة من السفر إلى مكان وجوده، ووصفته بالتهديد العالميّ.
13- إنفلونزا الخنازير: عام 2009م، ظهر وباء إنفلونزا الخنازير في المكسيك وأميركا في مزارع لتربية الخنازير، وقد انتقل من الخنزير إلى الإنسان. وفي حزيران 2009م، أعلنت منظّمة الصحّة العالميّة أنّ هذا الوباء جائحة، بعد تفشّيه في العديد من دول العالم وحصده أرواح الآلاف، كما حذّرت من أنّ التحوّل السريع للفيروس يجعله أكثر خطورة، ويُصعّب اكتشاف لقاح مضادّ له.
14- فيروس كورونا (كوفيد- 19): وهو الوباء الأسرع انتشاراً في التاريخ، حيث كانت الأمراض في السابق تنتشر ولكن ليس بسرعته. فالاكتظاظ في الطائرات، والمطارات، والتجمّعات، وازدياد نسبة عدد السكّان، وانتشار المراكز التجاريّة الكبيرة التي تعجّ بالناس، عدا عن الجامعات والمدارس، كلّها عوامل تساعد على الانتشار السريع للفيروس.
الفرق بين كورونا والفيروسات السابقة، أنّ العلم تطوّر جدّاً، حيث ينكبّ العلماء في مختلف دول العالم على إيجاد حلول وعلاجات، وبعضٌ آخر ذهب باتّجاه تصنيع أجهزة أسرع لاكتشاف المرض، كالجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، أو استخدام الروبوتات لإيصال الأدوية إلى المرضى دون الاختلاط بهم، كما حصل في الصين. مضافاً إلى ذلك، ثمّة عوامل كثيرة تحدّ من انتشاره، مثل: استخدام الإنترنت وعمليّات الشراء عبر الـ(visa card)، أو التسوّق عبر الشبكة (online shopping)، وتوفّر خدمات التوصيل (delivery)، هذا فضلاً عن وجود وسائل الوقاية، كالكمّامات والمعقّمات، ناهيك عن الدور التوعويّ والإرشاديّ الذي تلعبه وسائل الإعلام كافّة، في التشديد على الالتزام بالإجراءات الوقائيّة، كعدم الاختلاط والتجمّع، والتزام المنازل.
* أسباب الأوبئة
تعدّدت أسباب الأوبئة في التاريخ، ولكنّ أكثر الأسباب كانت:
1- سوء التغذية بشكلٍ أساسيّ.
2- سوء النظافة.
3- العدوى من شخص إلى آخر.
* الآثار المترتّبة على انتشار الأوبئة
1- تغيير ديمغرافيّ كبير في العالم: ما يختصّ بتقليص عدد السكّان، حيث كانت الأوبئة تحصد ثلث سكّان الكرة الأرضيّة، وأحياناً النصف، عدا عن حالات الإعاقة التي تنتجها لاحقاً.
2- تغييرات اجتماعيّة: وهي زوال فئات اجتماعيّة بكاملها، خاصّة في المجتمع الأوروبيّ.
3- تبعات اقتصاديّة كبيرة على مستوى العالم: ومنها وقف حركتَي التجارة والصناعة، وقطع شتّى أنواع التواصل التجاريّ بين المدن حتّى داخل الدولة الواحدة، ممّا ينتج أزمة اقتصاديّة كبيرة، وقد تذهب بعض الدول إلى الانهيار الاقتصاديّ الكامل.
4- تغييرات جغرافيّة: كانت تستفيد بعض الدول من عامل المرض لتهاجم الدول الأخرى، كما حصل مع الإمبراطوريّة البيزنطيّة حيث هاجمها الآخرون لاستعادة أراضيهم.
ختاماً، كان أكثر طرق التعامل مع الوباء فعاليّة عبر التاريخ هي عزل المريض عن الناس، ثمّ عزل المدينة كاملةً عن المدن الأخرى، وإيقاف التنقّل والسفر بين الدول، وإيقاف التبادل التجاريّ بينها، بعدم استقبال أيّ بواخر أو حمولات تجاريّة من مدن موبوءة. والإجراءات نفسها تُطبّق حالياً في مواجهة فيروس كورونا، والتي تظهر جدواها في الحدّ من انتشاره.