نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

إنّا نرغب إليك في دولة كريمة..

السيّد علي مرتضى
 

دعاء الافتتاح من الأدعية الصادرة عن الناحية المقدّسة(1)، ويستحبّ قراءته في كلّ ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك. وفي هذا الدعاء، بعد أن يكون الداعي قد راعى كلّ الآداب؛ من الابتداء بالحمد والثناء على الله تعالى، ثمّ الإقرار بالذنب وطلب المغفرة، ثمّ الصلاة على النبيّ وآله، يأتي دور عرض الحاجة التي يريدها الداعي، وهي إقامة الدولة الكريمة التي تختصر خلافة الإنسان على الأرض، وهي فقرة:
"اللّهُمَّ إِنّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ في دَوْلَة كَريمَة تُعِزُّ بِهَا الإسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ، وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ إِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ"(2).

* الدولة الكريمة طموح إنسانيّ
تمثّل تلك فقرة من الدعاء الطموح الإنسانيّ بقيام الدولة الكريمة، تلك الدولة التي تضمن لكلّ فرد من أفراد البشريّة الحياة الآمنة المستقرّة، والتي لا يشوبها خوفٌ ولا ظلم ولا فساد.
وفكرة قيام الدولة الكريمة ليست مجرّد أمنية لا أمل منها، ولا مجرّد كلمات يردّدها الداعي لا معنى حقيقيّاً وواقعيّاً من ورائها، وإنّما هي جزء ثابت من عقيدة الإنسان المؤمن، وأمرٌ حتميّ لا شكّ في تحقّقه، ولا ينقصها سوى الاستعداد والسعي والعمل، والانتظار الموجَّه؛ ولذلك كان التأكيد عليها في كلّ ليلة من شهر رمضان، الذي هو أفضل أشهر السنة، وأفضل أوقاتها، وأكثر الأحوال التي يكون الداعي فيها في معرض إجابة دعائه.

* أركان الدولة في الدعاء
يتوقّف قيام أيّ دولة على أركان ثلاثة: قانون وقائد وشعب، وعلى عنصرين إضافيّين: هدف تسعى إلى تحقيقه، وطرق أو أساليب تعتمدها لتحقيق هذا الهدف. ويبيّن جوهر دعاء الافتتاح هذه الأمور كلّها، بلغة الدعاء وأسلوب المعصوم الخاصّ:

- الركن الأوّل: قانون الدولة الكريمة، وهو الإسلام العزيز؛ "تُعِزُّ بِهَا الإسْلامَ" بمعنى حاكميّته وإجرائه ومرجعيّته، دون سيادة أيّ قانون آخر عليه، ويكون في المقابل قانون النفاق والكفر ذليلاً لا سلطة له ولا مرجعيّة ولا حاكميّة ولا إجراء "وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ".

- الركن الثاني: هو الشعب؛ "وَأَهْلَهُ"، وهو عزّة أهل الإسلام، بمعنى عيشهم أحراراً سعداء بكلّ شؤونهم الدنيويّة والأخرويّة، فيبسطون سيطرتهم على أرجاء المعمورة، ويعملون بقانون الإسلام العزيز الذي لا ظلم فيه، ويقيمون أحكامه وحدوده وشعائره، وفي مقابل ذلك يكون أهل النفاق أذلّاء لا يقدرون على تحقيق ظلمهم، ولا يعلون ولا يستكبرون، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة: 33).

- الركن الثالث: هو القائد؛ وهو المعصوم في هذه الدّولة بحسب عقيدتنا، وأنّه لا بدّ من أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً. وهذا القائد هو الإمام الحجّة المهديّ المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فهو من يقوم بحفظ القانون الإسلاميّ وتطبيقه على الناس، ويسير بالدّولة إلى تحقيق أهدافها، فعن الأصبغ بن نباتة قال: أتيت أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته متفكّراً ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما لي أراك متفكّراً تنكت في الأرض؟ أرغبة منك فيها؟
فقال عليه السلام: "لا والله، ما رغبتُ فيها ولا في الدنيا يوماً قطّ، ولكن فكّرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهديّ، الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، تكون له حيرة وغيبة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون"(3).

* هدف الدولة الكريمة
وأمّا الهدف؛ فهو طاعة الله سبحانه من خلال امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه، يقول تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البيّنة: 5)، ويقول تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56)، وهذا ما أشار إليه الدعاء بجملةُ: "مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ"، وهو أن يكون الإنسان في هذه الدّولة من العاملين على تحقيق الهدف الإلهيّ من الخلقة الإنسانيّة، وتحقيق طاعة الله تعالى في الأرض.

* والقادة إلى سبيلك
إنّ قائد هذه الدولة الكريمة، لا بدّ له لتحقيق هدفه الساميّ هذا على كلّ الأرض من قادةٍ يعينونه على مهمّته. وهنا يمكن أن يكون الإنسان المؤمن في هذه الدولة إنساناً عاديّاً، ولكن الأفضل -كما يبيّن الدعاء- أن يكون قائداً فيها، مُعيناً لقائده وإمامه في تحقيق خلافة الله على الأرض؛ لذلك نجد الدعاء يُعبّر: "وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ إِلى سَبيلِكَ"؛ لأنّ طاعة الله هدف، وتحقيق هذا الهدف يحتاج إلى الأخذ بيد الناس إلى السبيل الموصل إليه؛ وهو ما يُعبَّر عنه بالوسائل والأساليب المحقِّقة.

* دولة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف... كرامة الإسلام
لو لاحظنا هذه الدولة التي طرحت في دعاء الافتتاح من خلال أركانها وهدفها وسُبلها لوجدنا فيها الكرامة من كلّ جهاته:

- قانونها: الإسلام العزيز الذي رضي به الله الكريم لنا ديناً؛ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ (المائدة: 3).
- دستورها: القرآن الكريم ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ (الواقعة: 77). "اللهم اجعلني الداعي إلى كتابك".

- قائدها: المعصوم ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ (الحاقة: 40) متمثّلاً بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، الذي هو امتداد لحقيقة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهدافه، كما وصفته الرواية الواردة عن جابر بن عبد الله الأنصاري حين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "المهديّ من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلقاً، يكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأمم، ثم يقبل كالشهاب الثاقب يملؤها عدلاً وقسطا ًكما مُلئت جوراً وظلماً"(4).

- شعبها: المسلمون الأعزاء؛ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (المنافقون:8). "اللّهُمَّ أَعِزَّهُ وَأعْزِزْ بِهِ، وَانْصُرْهُ وَانْتَصِرْ بِهِ، وَانْصُرْهُ نَصْراً عَزيزاً، وَاْفتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسيراً، وَاجْعَلْ لَهُ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصيراً".

- هدفها: طاعة الله تعالى. "وَتَجْعَلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ إِلى طاعَتِكَ، وَالْقادَةِ إِلى سَبيلِكَ، وَتَرْزُقُنا بِها كَرامَةَ الدُّنْيا وَالاْخِرَةِ". وهذه هي النتيجة المترتّبة على قيام هذه الدّولة، "تُعِزُّ بِهَا الإسْلامَ وَأَهْلَهُ، وَتُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَأَهْلَهُ" وهي نتيجة يتحدّد بها مصير الإنسانيّة، حيث تتحقّق خلافة الله في الأرض، من خلال الإنسان الكامل الذي يقود الأمّة المسلمة العزيزة عبر قانون الإسلام العزيز إلى طاعة الله وعبادته، وبذلك يكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ (البقرة: 30)، وتتحقّق الكرامة في الدنيا والآخرة.
عجّل الله له ظهوره، ورزقنا نصرته، والحياة في دولته.
 

(1) كان أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه (سفير الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف) يدعو به في ليالي شهر رمضان.
(2) إقبال الأعمال، ابن طاووس، ص322، دعاء الافتتاح؛ ونقلت هذه الفقرة عن الإمام الباقر في خطبة له عليه السلام يوم الجمعة، في كتاب الكافي للكليني، ج3، ص422، ح5.
(3) الغيبة، الطوسي، ص336.
(4) بحار الأنوار، المجلسيّ، ج36، ص309.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع